الغموض الاستراتيجي في حرب أوكرانيا.. وتهديد ماكرون
ليس مستبعداً عن الكلام التصعيدي الذي صدر عن ماكرون، الهدف منه توجيه رسالة إلى بوتين مفادها أنّ فرنسا ومعها دول أوروبية أخرى، لا تخشى الذهاب إلى خيارات قصوى.
خلاصة المؤتمر الأوروبي الذي استضافته فرنسا الاثنين الماضي لدعم أوكرانيا، أنّ الحرب التي دخلت عامها الثالث لا تلوح لها نهاية في الأفق، على وقع كلام تصعيدي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي ذهب إلى حدّ التلويح بإرسال قوات إلى أوكرانيا إذا كان ذلك هو الوسيلة الوحيدة لإلحاق الهزيمة بروسيا.
أبقى ماكرون مسألة ارسال قوات إلى أوكرانيا في سياق “الغموض الاستراتيجي” لخطوات أوروبية مقبلة، قد تتجاوز تزويد كييف بالأسلحة المتطورة ومنها الصواريخ بعيدة المدى.
الخطورة في مثل هكذا خطوة، هي ما تعنيه من احتمال نشوب حرب مباشرة- وليس بالوكالة كما يجري حالياً- بين حلف شمال الأطلسي وروسيا. والمراقب لتطور الدعم الغربي لأوكرانيا منذ 24 شباط (فبراير) 2022، يتضح لديه، بما لا يدع مجالاً للشك، في أنّ الأسلحة الغربية على رغم تدفقها كماً ونوعاً إلى أوكرانيا، فإنّها قد لا تشكّل عاملاً حاسماً في إلحاق الهزيمة بروسيا. ولا يُستثنى من ذلك إخفاق العقوبات في حرمان الكرملين من تمويل آلته العسكرية.
إذاً، ما العمل بإزاء تطورات ميدانية لا تصبّ في مصلحة كييف وشركائها الغربيين؟ فقد انتقلت روسيا إلى الهجوم مجدداً، ونائب رئيس مجلس الأمن القومي ديميتري ميدفيديف يلوّح بالعودة إلى كييف.
يحدث هذا وسط أجواء تشاؤمية حيال ما يمكن أن تسفر عنه الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، من عودة محتملة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو الذي يحمل لواء معارضة إرسال مزيد من الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا، من دون وضع استراتيجية خروج تقوم على إيجاد تسوية سلمية للنزاع.
لا بدّ من أنّ القادة الأوروبيين يتحسبون لعودة ترامب، وهم لا يريدون أن تأتي أية تسوية في أوكرانيا مكافأة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على الحرب التي شنّها قبل عامين. وهم يتوجسون خفيةً من أنّ مضي روسيا في اعادة بناء جيشها واعتماد اقتصاد حربي، من شأنه أن يرغم دول أوروبا الغربية على إنفاق المزيد على التسلّح، على حساب البرامج الاجتماعية، مع ما سيجرّ ذلك من توتر اجتماعي، ومن ارتفاع في شعبية أحزاب اليمين المتطرّف.
من الوارد جداً أن يجد الأوروبيون أنفسهم بعد أشهر بين ترامب من جهة وبوتين من جهة ثانية. وهذا ما يضعهم أمام خيارات صعبة، ليس أقلّها تحويل اقتصاداتهم إلى اقتصادات حرب إذا قرّروا فعلاً مواجهة روسيا بقدراتهم الذاتية في حال تمادى ترامب في انعزاليته إلى حدّ الانسحاب من حلف شمال الأطلسي. هناك سؤال استراتيجي يقفز إلى الواجهة: كيف يستمر الحلف إذا انسحبت منه واشنطن؟
ليس مستبعداً عن الكلام التصعيدي الذي صدر عن ماكرون، الهدف منه توجيه رسالة إلى بوتين مفادها أنّ فرنسا ومعها دول أوروبية أخرى، لا تخشى الذهاب إلى خيارات قصوى تبلغ حدّ إرسال قوات إلى أوكرانيا لمقاتلة الجيش الروسي.
ومن المؤكّد أنّ ماكرون يدرك المخاطر الناجمة عن تحول النزاع الأوكراني إلى نزاع بين حلف الأطلسي وروسيا. ويعلم تمام العلم أنّ مثل هذه الخطوة ستقود إلى حرب عالمية ثالثة بين قوى تملك أسلحة نووية.
ربما قال ماكرون ما قاله من قبيل الشعور بالطريق المسدود الذي يواجه أوكرانيا بعد إخفاق هجومها المضاد، وبعد بروز علامات على توتر سياسي داخلي في كييف. وإلى ماذا كان يلمح الرئيس فولوديمير زيلينسكي عندما قال قبل أيام إنّ الهجوم المضاد أخفق، بسبب تسريب الخطط الموضوعة له إلى الكرملين؟ من الذي سرّب هذه الخطط؟
وكما يخوض زيلينسكي الحرب ضدّ روسيا ولا “يتصور نفسه” في يوم من الأيام واقفاً إلى جانب بوتين، فإنّه يخوض صراعاً سياسياً في الداخل، تجلّت تعابيره في عزل رئيس الأركان السابق الجنرال فاليري زالوجني الذي يتمتع بشعبية تفوق شعبية زيلينسكي.
وأتى موقف ماكرون ليعزز من فرضية أنّ الحرب الروسية- الأوكرانية ليست مرشحة للانتهاء في المستقبل المنظور.