العلاقات الأميركية الإسرائيلية.. هل حانت لحظة الفراق؟
من الخطأ الرهان على تباين أميركي – إسرائيلي في لحظة افتراق مرحليّة تجسّدت في الامتناع الأميركي عن التصويت لتمرير صدور القرار 2728 عن مجلس الأمن الدولي، بدل استخدام حق النقض كما فعلت واشنطن تاريخياً من خلال توفير الحماية لإسرائيل في «المجتمع الدولي» وفي تغطية جرائمها وأعمال الإبادة الجماعيّة وتفلتها الدائم من العقاب عبر استخفافها بقرارات الشرعيّة الدوليّة.
لقد أظهرت إسرائيل حليفتها الكبرى، الولايات المتحدة، بمظهر الأخ الأكبر الذي لا «يمون» على الأخ الأصغر الذي لا ينفك يتحداه ويستفزه أمام الجميع من دون مراعاة لطبيعة العلاقات التاريخيّة أو لمآلات هذا التحدي، والسبب الواضح في ذلك هو أنّ واشنطن قلّما عاقبت إسرائيل أو بعثت لها برسائل جديّة تعكس فيها رفضها لسلوكياتها البربريّة التي تمارسها يومياً من خلال الاحتلال الأخير في القرن الحادي والعشرين.
ولا يتوانى القادة الإسرائيليون عن تذكير واشنطن في كل محطة، وعند كل منعطف، بأنّ «إسرائيل هي دولة مستقلة وذات سيادة» وأنها تتخذ قراراتها إنطلاقاً من مصلحتها العليا وليس إعتباراً لهذا الحليف أو ذاك. مرد هذا «التمرّد» هو تيقن إسرائيل من أنّ الإدارة الأميركيّة لن تصل إلى مرحلة تلغي فيها صفقات السلاح أو الدعم السنوي بمليارات الدولارات الذي توفره لتل أبيب منذ عقود من دون انقطاع بما يُعتبر بمثابة «إلتزام أخلاقي» تجاه ديمومة إسرائيل وتفوقها العسكري في الشرق الأوسط.
لطالما اعتبر عدد من المحللين أنّ القول بأنّ واشنطن تنصاع تماماً لإسرائيل في ما يتعلق بسياستها الخارجيّة المتصلة بالشرق الأوسط ينطوي على مبالغة كبيرة خصوصاً أنّ الولايات المتحدة هي «دولة عظمى» وأنّها تتولى آحادياً قيادة العالم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي مطلع التسعينات وانتهاء الحرب الباردة. ولعل كلمة «الانصياع» لا تنطبق تماماً على التوصيف السياسي، إنما هذا لا يلغي أنّ آليات اتخاذ القرار في واشنطن تأخذ في الحسبان الأدوار المتعاظمة لمجموعات الضغط، ومن بين تلك المجموعات، تبرز قوة الهيئات الصهيونيّة النافذة التي تمد نفوذها على الإعلام والسياسة والاقتصاد والنفط وقطاعات حيويّة عديدة أخرى.
قناة «الجزيرة» أفادت بأن «إسرائيل تُعدّ أكبر متلق للمساعدات الخارجية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، ووفقاً للمؤشرات الرسمية الأميركية، بلغت المساعدات الإجمالية المقدمة من الولايات المتحدة لإسرائيل بين عامي 1946 و2023 نحو 158.6 مليار دولار».
وبحسب بيانات «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» فإنّ حجم المساعدات أكبر بكثير مما جاء في التقديرات الرسمية، إذ وصل إجمالي المساعدات الأميركية الملتزم بها لإسرائيل في الفترة ذاتها نحو 260 مليار دولار. ومعظم المساعدات الأميركية لإسرائيل تذهب إلى القطاع العسكري، وقد بلغ حجم المساعدات الأميركية العسكرية لإسرائيل بين عامي 1946 و2023، بحسب التقديرات الأميركية الرسمية، نحو 114.4 مليار دولار، إضافة إلى نحو 9.9 مليارات دولار للدفاع الصاروخي.
هذه الأرقام تؤكد بما لا يقبل الشك أنّ التحالف الوثيق بين الطرفين لا يمكن التعويل على انفكاكه بين ليلة وضحاها، أو بسبب موقف أميركي بُني على اعتبار أنّ ثمة حاجة جدية لامتصاص النقمة العارمة جرّاء مبالغة إسرائيل في رد فعلها على ما حصل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وها هي أصبحت متهمة بالإبادة الجماعيّة أمام محكمة العدل الدوليّة، كما أن الرأي العام العالمي يواصل الضغط الشعبي والإعلامي لإنهاء الحرب بعد أكثر من خمسة أشهر على إطلاقها.
لقد بات واضحاً أن الكثير من الشعارات التي يرفعها الغرب في ما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان لا تعدو كونها «كليشهات» للاستهلاك السياسي والإعلامي ليس إلا.
رامي الرّيس