عندما تحولت الثورة السورية من حراك شعبي إلى صراع مسلح، وعندما سيطر الحوثيون على صنعاء، كان واضحًا أن المنطقة دخلت مرحلة جديدة، ما حول المدن إلى ساحات لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية. اليوم، بين تقدم المعارضة السورية نحو دمشق ومساعي الحوثيين للحفاظ على السيطرة، يظل الرابط الأساسي هو معاناة الشعوب في مواجهة مشاريع تتجاوز الحدود الوطنية.
المعارضة السورية المسلحة، التي كان الإعلام الإيراني يصفها بـ”المتمردين”، أصبحت تُعرف الآن بـ”المعارضة”، في تحول لغوي يعكس تغيرًا سياسيًا. هذه الفصائل حققت تقدمًا ميدانيًا كبيرًا خلال الأسابيع الماضية، إذ سيطرت على مدن حيوية مثل حلب وحماة، واقتربت من حمص ودمشق. في ظل هذا التقدم، أصبح احتمال سقوط النظام السوري أكثر واقعية، لكن هذا السقوط لا يعني نهاية الأزمة، بل قد يفتح الباب أمام صراعات جديدة بين الفصائل المختلفة، مما يهدد بتقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ متناحرة.
مع تزايد هذه الاحتمالات، يُلاحظ أن التحول في الخطاب الإيراني تجاه المعارضة لا يُعبّر فقط عن تغيير في المصطلحات، بل يعكس إدراكًا لواقع ميداني جديد قد يُلزمها بالتعامل مع المعارضة كطرف أساسي في أي تسوية سياسية مستقبلية. هذا التوجه يبدو منسجمًا مع محاولات إيران الحفاظ على مكتسباتها عبر ترتيبات دبلوماسية، خاصة بعد اجتماع الدوحة، إذ شددت الدول الثلاث على ضرورة وقف التصعيد والبدء بحوار سياسي.
رغم هذه التحركات الدبلوماسية، فإن التحديات لا تزال قائمة. تنفيذ رؤية سياسية شاملة في سوريا يتطلب التزامًا جادًا من الأطراف المتداخلة، بينما المعارضة، ورغم تقدمها، ليست كيانًا موحدًا، ما يزيد من صعوبة التوصل إلى حل سياسي مستدام.
اقرأ أيضا| ماذا يفعل مقاتلو «إخوان اليمن» في حرب أوكرانيا؟
في اليمن، يتكرر المشهد بطريقة مختلفة. عندما سيطر الحوثيون على صنعاء، وصفها الإعلام الإيراني بـ”العاصمة الرابعة” في مشروع الهلال الشيعي. اليوم، وبعد سنوات من الحرب، أصبح واضحًا أن المشروع الإيراني يواجه تحديات كبيرة في اليمن، ما يجعل أكثر من نصف سكان اليمن يعتمدون على المساعدات، بينما تشكل النساء والأطفال النسبة الأكبر من النازحين. ومع ذلك، فإن استمرار الصراع يجعل الحل السياسي بعيد المنال، ويزيد من تفاقم الأوضاع الإنسانية.
ما بين دمشق وصنعاء، تتداخل الأزمات وتتقاطع المصالح، لكن الشعوب تظل الخاسر الأكبر. إذا كانت سوريا واليمن قد أصبحتا رمزين للمعاناة الإنسانية، فإنهما أيضًا مثالان واضحان على كيف يمكن للأزمات المحلية أن تتحول إلى مشاريع جيوسياسية كبرى. استقرار المنطقة يتطلب العودة إلى طاولة الحوار، مع منح الأولوية لمصالح الشعوب، قبل أن تتحول النزاعات إلى أزمات مستدامة لا يمكن احتواؤها.