أفريقيا

الطلب الصيني على خشب الورد… كارثة تُهدّد غابات القارة السمراء

يُعدّ استنزاف الصين لغابات خشب الورد في إفريقيا مشكلةً بيئيةً محفوفة بالخطر تُهدِّد التنوع البيولوجي، والنُّظم الأيكولوجية الحيوية والموارد الطبيعية في القارة السمراء، تقوده شبكة إجرامية من الصينيين والسياسيين الأفارقة الفاسدين، الذين يفضلون مصالحهم الفردية وأجندتهم الخاصة على المصلحة الجماعية للدولة

يظل خشب الورد الإفريقي أحد أكثر أنواع الأخشاب تداولًا في العالم؛ لما له من أهمية كبيرة في صناعة الأثاث الفاخر والآلات الموسيقية والتحف الفنية؛ بسبب تميُّزه بالمتانة ولونه الأحمر الداكن ونقشته الجميلة، كما يَكثر استخدامه في علاج العديد من الأمراض.

ويُعدّ مصطلح خشب الورد مصطلحًا تجاريًّا لمجموعة كبيرة من الأخشاب الصلبة الاستوائية التي تمتلئ بها القارة الإفريقية. وسُمِّيَ بذلك الاسم بسبب الرائحة الوردية الحلوة التي تُطلقها أشجاره عند قطعها، والتي قد تستمر لسنوات. وهو يحظى بشعبية كبيرة في الصين، ويُطلقون عليه اسم “هونجمو”، أو “الخشب الأحمر”. ويتهافتون عليه خاصةً بعد نضوب مخزوناته في جنوب شرق آسيا، مما جعل إفريقيا مركزًا لمعظم عمليات الاتجار به بطرق غير مشروعة.

نَمَت تجارة خشب الورد إلى حد كبير بين إفريقيا جنوب الصحراء والصين منذ عام 2010م؛ حيث يتوفر بأسعار زهيدة مقارنةً بالأسعار العالمية، لكن في رحلته من الحطاب الإفريقي إلى المشتري النهائي في الصين كان يرتفع سعره 700 مرة تقريبًا، ولذا فإنه من أكثر المنتجات ربحية في العالم. الأمر الذي أثار حفيظة المؤسسات البيئية؛ وصُنِّف ضمن الأشجار المهدَّدة بالانقراض.

أولًا: الدافع وراء تجارة خشب الورد غير المشروعة

تنامت التجارة غير المشروعة لخشب الورد إلى حدٍّ بعيد، حتى وصلت قيمة تجارته المتداولة ما بين 30 إلى 100 مليار دولار سنويًّا. وتسبب في ذلك عدة عوامل؛ من أهمها ما يلي:

  • 1- طلب الصين المتزايد

تُعدّ الصين من أكبر المستوردين لخشب الورد في العالم، وترتبط تجارته على نحو مباشر بصعود الصين كقوة عالمية؛ إذ يقترن أثاث خشب الورد بالهوية الثقافية للثورة الاقتصادية الصينية؛ حيث يُسْتَخْدَم اللون الأحمر الداخلي للخشب في أثاث “هونجمو” الفاخر ذي الطراز الكلاسيكي الذي كان مصنوعًا في السابق لأباطرة مينغ والطبقة العليا، ثم استعاد هذا الأسلوب شعبيته بين الطبقة المتوسطة في الصين مؤخرًا؛ باعتباره رمزًا ثقافيًّا للماضي التاريخي؛ لذا يقع خشب الورد مباشرةً ضمن أجندة بكين لاستعادة مَجْدها الماضي، وصياغة طريق جديد للتقدم والهيمنة، وتستورد منه ما يُقدَّر بنحو 70% من إجمالي التجارة العالمية لخشب الورد.

واردات الصين من خشب الورد الإفريقي

%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%AF%D8%A7%D8%AA %D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86 %D9%85%D9%86 %D8%AE%D8%B4%D8%A8 %D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B1%D8%AF %D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A

المصدر: اتفاقية التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض

 

وبحلول عام 2013م، أعلنت بكين عن مبادرة “الحزام والطريق”؛ والتي تشمل استثمارات متنوعة في البنية التحتية في الدول الإفريقية، وأدى ذلك إلى ارتفاع حجم الاتجار غير المشروع في خشب الورد، بعدما كانت خاملة إلى حد كبير؛ حيث مهَّدت المبادرة الطريق أمام المستثمرين الصينيين لاستخدام إستراتيجيات وتقنيات مختلفة لقطع وتصدير خشب الورد بشكل جائر، متجاوزين القوانين المحلية والدولية التي تُنظّم استخراج وتجارة الأخشاب، مما أدَّى إلى انخفاض حادّ في أعداد الأشجار، وبالتالي أصبحت أشجار خشب الورد مهددة بالانقراض. مما استدعى إدراج شجر خشب الورد في الملحق الثالث من اتفاقية التجارة الدولية الخاصة بأنواع الحيوانات والنباتات البرية المهدَّدة بالانقراض في عام 2016م، وهي الاتفاقية التي تَحُدّ من كمية الأخشاب المسموح لأيّ دولة بقطعها. وترسم آلية لتصديرها بالشكل الذي يكفل بقاء أنواعها.

  • ولقد حاولت بكين الظهور أمام العالم بمظهر حامي البيئة الإفريقية؛ حيث أكد الرئيس الصيني “شي جين بينغ” أن “التعاون بين الصين وإفريقيا لن يكون أبدًا على حساب مصالح الشعوب الإفريقية”. لكنَّ ذلك في حقيقة الأمر، كان مجرد ستار يُخفي وراءه طمع التجار الصينيين في أخشاب إفريقيا، والمدقق للأرقام الصادرة من منظمات البيئة العالمية يجد أنه منذ رئاسة جين بينغ للصين ازداد معدلات قطع أشجار خشب الورد في القارة السمراء. ولم تلتزم حكومة بكين والتجار الأفارقة بالحظر المؤقت المفروض في مارس 2022م؛ لضمان بقاء الأنواع المهدّدة بالفعل. وتم تداول ما يقرب من 30 ألف طن من خشب الورد بين غرب إفريقيا والصين في الفترة من أبريل حتى يونيو 2022م، بينما استوردت الصين خلال شهري يوليو وأغسطس من العام نفسه أكثر من 62 ألف طن من خشب الورد من سيراليون وأكثر من 15 ألف طن من جامبيا.
  • وتشير البيانات إلى أن التجارة لم تتوقف تمامًا مع دول غرب إفريقيا على الرغم من الانخفاض الملحوظ بعض الشيء؛ إذ تم تصدير أكثر من 20 ألف طن من خشب الورد من غرب إفريقيا (باستثناء غينيا، التي يُسمح لها بتصدير 14 ألف متر مكعب من مخزون ما قبل الاتفاقية) إلى الصين اعتبارًا من أواخر عام 2022م، وحتى أغسطس 2023م.
  • 2- غياب الاستقرار السياسي وفساد المؤسسات الحكومية

يترتب على غياب الاستقرار السياسي شعورٌ بعدم اليقين بشأن مدى استقرار وقوة مؤسسات الدولة والبرلمان والجهات التشريعية، والذي يسبّب بدوره خللاً وثغرات في النظام القانوني والدستوري يمكن التجار غير الشرعيين من استغلالها للقيام بالقطع الجائر للأشجار والاتجار بها بشكل غير قانوني. فعلى سبيل المثال، نجد أن الفترة التي تلت الانقلاب الذي حدث في مدغشقر عام 2009م، زادت فيها عملية قطع أشجار الورد بشكل جائر؛ وذلك نتيجة غياب الجهات الرقابية ومؤسسات الدولة.

كما أن الفساد الحكومي يُعدّ سببًا رئيسًا في انتشار قطع الأشجار بشكل غير قانوني؛ وذلك بسبب ضعف أنظمة تطبيق القانون وتواطؤ النخبة مع الشبكات الإجرامية؛ حيث يُتيح لبعض المسؤولين الفاسدين التغاضي عن هذه التجارة مقابل دفع الرشاوى، عن طريق مساعدة التجار على شراء امتيازات تجارية، أو الحصول على تصاريح مزوّرة، مما يُقوّض سيادة القانون، ويُسهّل ممارسة الأنشطة غير المشروعة. وغالبًا ما تحصل الشبكات الإجرامية على المساعدة من جهات فاعلة رفيعة المستوى في الدولة؛ ترغب في تحقيق مكاسب خاصة لهم. وتستخدم النخب المتواطئة في هذه التجارة النظام المالي الدولي لنقل الأرباح إلى حسابات مصرفية خاصة.

فعلى سبيل المثال، استفاد تيودورو نجل الرئيس أوبيانج في غينيا الاستوائية، بشكل كبير من نقل وتصدير الأخشاب الصلبة النادرة. وبوصفه وزيرًا للزراعة والغابات، باع بعض الغابات الوطنية لشركات خاصة، واستخدم شركة صورية مرتبطة بالوزارة لتحصيل رسوم معالجة الأخشاب وتحميلها ونقلها.

وفي زامبيا، صادرت لجنة مكافحة الفساد حوالي 47 شاحنة محمَّلة بخشب الورد المقطوع على نحو غير قانوني كانت متجهة إلى ناميبيا وزيمبابوي في عام 2021م. ويُقال: إن بعض الوزراء وأفراد من عائلة الرئيس الزامبي السابق إدجار لونجو شاركوا في تسهيل العملية.

وفي عام 2019م، كان نائب رئيس الجابون ووزير الغابات متورطًا من فضيحة تهريب خشب الورد.

وفي جامبيا أسَّس رئيسها الأسبق يحيى جامع شركات لنقل الأخشاب المقطوعة البالغ قيمتها ملايين الدولارات بطرق غير قانونية، وفقًا لتقرير المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية.

  • 3- الفقر

يُعدّ أحد أهم أسباب انتشار ظاهرة قطع أشجار الورد هو الفقر، فالعمل في الغابات المدارية الكثيفة كقاطعي أشجار يُدِرّ دخلًا جيدًا للشباب الفقراء الذين يعتبرونه مشروعًا تجاريًّا مربحًا وفقًا للمعايير المحلية. وهذا ما يحدث مع الشباب الفقراء في ولاية تارابا بنيجيريا؛ حيث تدفع لهم شركات قطع الأشجار أكثر ما يُدْفَع لهم مقابل حراثة الأرض بما يزيد على 20 ضعفًا.

ثانيًا: عملية قطع الأشجار وتهريبها للصين

تتصدّر الصين قائمة الدول التي تستنزف قطع أشجار خشب الورد في كثير من الدول الإفريقية. رغم محاولات الحد من تلك التجارة غير المشروعة، ويتعاون المستوردون الصينيون مع شبكة من الأفراد والمؤسسات لتسهيل الأمر.

  1. الجهات الرئيسة في تجارة خشب الورد مع الصين

تتضمن جهات حكومية من مختلف قادة المجتمع والسياسيين، ويظهر دورهم في تنظيم تجارة خشب الورد من خلال وضع ورفع الحظر وأحيانًا مشاركتهم المباشرة في التجارة، وكثيرًا ما يشاركون في العمليات غير القانونية لقطع الأشجار المتجهة للصين. وأمام أعضاء تلك المنظومة عدة طرق للتحايل على أحكام اتفاقية التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض سايتس (CITES) التي تلعب دورًا رئيسًا في تنظيم تجارة خشب الورد بآلية تنفيذ مُحكمة، وبموجبها تخضع أنواع خشب الورد لقيود تجارية؛ إذ يمكنهم إخفاء حقيقة الأخشاب المنقولة في حاويات الشحن المتجهة إلى الصين، ورشوة مفتشي الجمارك لإغماض أعينهم، أو إخفاء الأخشاب المقطوعة حديثًا تحت ستار أخشاب قديمة مقطوعة قبل تطبيق فترة حظر التصدير.

وهناك أطراف محلية أخرى مشتركة في تجارة خشب الورد، مثل إدارة الغابات، وهي الجهة الحكومية المنوطة بإصدار تصاريح قطع الخشب، والتجار الأفارقة المتعاونين مع الشركاء الصينيين، ويبدأ دورهم من تحديد أماكن أشجار الخشب وقطعه، وحتى نشره ووضعه على الطرق أو السفن، ثم نقله عبر المدن إلى الموانئ؛ حيث يُشْحَن في النهاية إلى بكين.

استخدم الصينيون طريقتين للحصول على خشب الورد، إما بالتعامل مع الوسطاء (التجار) المحليين، أو عن طريق الاتفاق مباشرة مع الزعماء المحليين، وكانت تلك الطريقة مربحة للغاية؛ لأنه يُجنِّب الصينيين الوسطاء؛ حيث تمنح اللوائح في بعض البلدان الإفريقية حقوق الوصول الرسمية لغابات خشب الورد لزعماء القبائل في المجتمعات المحلية. كما قام الصينيون بتمويل السكان والوسطاء بالأموال ومعدات التشغيل، الأمر الذي جعل غالبية التجار يقومون باستخراج التصاريح من المكاتب الوطنية دون اللجوء إلى موظفي مؤسسة الغابات، ولكن ذلك جعل عملية قطع الأشجار تتم دون رقابة حكومية.

كما كان هناك أطراف دولية، وهم المستثمرون الصينيون والشركات، وجهات متعددة الأطراف أخرى مثل المنظمات غير الحكومية، وهي منظمات دولية تعمل من أجل الإدارة المستدامة والحفاظ على الموارد الطبيعية والبيئة في جميع أنحاء العالم. مثل البنك الدولي، التعاون الألماني، ومفوضية الاتحاد الأوروبي.

  1. التجارة غير الشرعية لخشب الورد (أمثلة على بعض الدول)

أ- غانا

كانت تجارة خشب الورد خاملة في غانا إلى حد ما، ومقتصرة على إنتاج الحطب واستخدامه كصبغة للنسيج، إلى أن جاءت مشروعات البنية التحتية الصينية، المتمثلة في بناء ثاني أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في غانا “سد بوي”، وبناء طريق يبلغ طوله حوالي 100 ميل الذي يربط بين فوفولسو وسولا حتى حديقة مول الوطنية في المنطقة الشمالية من غانا، وذلك بمشاركة اثنتين من كبرى الشركات الصينية المملوكة للدولة. وحملت معها تكالب التجار الصينيين على خشب الورد، الذين انتشروا في المناطق الريفية في شمال غانا، ودفعوا مبالغ نقدية ضخمة مقابل الحصول على خشب الورد المقطوع بشكل غير قانوني.

وساعدهم على ذلك تعاون التجار الغانيين معهم، في استخراج تصاريح تسجيل الأخشاب التي سقطت بشكل طبيعي أو تم إزالتها لإفساح المجال للطرق ومشاريع البنية الأساسية، ومِن ثَم كان يمكن بيعها وتصديرها بشكل قانوني. وتتيح الفجوة بين شركات إنقاذ خشب الورد ومسؤولي لجنة الغابات الفرصة للشركات لقطع أشجار الورد، والإبلاغ عنه لاحقًا على أنه خشب قابل للإنقاذ والبيع، وعادةً ما كانت تُستخدَم أشجار الشيا لإخفاء الشحنات.

وفيما يتعلق بدور الجمارك؛ فليس لدى عمال الجمارك الخبرة الفنية اللازمة لتحديد نوع الأخشاب، مما سهل عملية تصدير أخشاب الورد لخارج البلاد.

ومنذ وصول شركات قطع الأشجار الصينية إلى غانا في عام 2009م، ترددت البلاد في جهودها لحماية الأشجار البطيئة النمو. وفرضت حظرًا على قطع خشب الورد أول مرة عام 2012م قبل أن تتراجع عنه، ثم فرضت حظرًا مماثلًا عام 2014م؛ حيث أشارت السلطات إلى إساءة استخدام التصاريح الممنوحة داخل منطقة سد بوي. وفي عام 2017م، تم منح الموافقة لأكثر من 20 شركة “لإنقاذ” خشب الورد المقطوع بالفعل، ثم دخل آخر حظر على القطع حيز التنفيذ في عام 2019م.

استمر خشب الورد في التدفق خارج البلاد رغم كل هذه القرارات؛ حيث تم تهريب ما يُقدَّر بنحو 147 ألف كيلو جرام من خشب الورد المقطوع بشكل غير قانوني من غانا إلى الصين في عهد وزير الأراضي والموارد الطبيعية الغاني السابق، كواكو أسوماه شيريميه، دون محاكمة واحدة.

كما تم إلقاء القبض على المواطنة الصينية، هيلينا هوانغ المعروفة لدى الغانيين باسم “ملكة روزوود” في عام 2016م، لنقلها عدة حاويات من خشب الورد إلى تيما -أكبر ميناء في غانا-، وتم ترحيلها بدلاً من محاكمتها، ويشكو العديد من المدافعين عن البيئة من أن المجرمين في كثير من الأحيان يتهربون من الملاحقة القضائية.

وقد فتحت غانا في نفس العام تحقيقًا في جرائم. وتم نقل كميات كبيرة من خشب الورد إلى الصين تتجاوز قيمتها مليوني دولار خلال شهر نوفمبر 2021م، عن طريق دفع الرشاوى وتزوير الوثائق الرسمية. ووفقًا لتقرير وكالة التحقيقات البيئية، فقد ارتفع استغلال الغابات إلى نسبة 129%، ونُقِلَ أكثر من نصف صادرات خشب الورد الغاني إلى الصين.

ب- موزمبيق

  • تُقسم الغابات ذات الأشجار القيّمة –وليس فقط أشجار خشب الورد– إلى قِطَع أو امتيازات، يجب على أيّ شخص يرغب في تسجيل هذه المناطق أن يدفع رسومًا للسلطات. وعادةً ما تُرخّص لمواطنين موزمبيقيين –يقومون بدور الوسيط– وتُؤجَّر بعد ذلك لشركات صينية.
  • يقطع الحطابون الأشجار من غابات مقاطعة كابو ديلجادو Cabo Delgado الشمالية، التي تُديرها غالبًا شركات صينية، وتُنقل إلى مصانعمدينة مونتيبويز Montepuez ثاني أكبر مدينة في المقاطعة، ومنها تُشْحَن إلى موانئ بيمبا أو بيرا. وفي هذه الموانئ، يجب أن تقوم السلطات الموزمبيقية بتفتيش البضائع، وفحص تصاريح التصدير، لكن ذلك نادرًا ما كان يحدث، لتنقله شركات الشحن العالمية ميرسك وCMA-CGM إلى الصين.

من جانبه، صرَّح سيلسو كوريا، وزير البيئة آنذاك في عام 2017م، بأنَّ قطع الأشجار غير القانوني يحرم بلاده من عائدات بقيمة نصف مليار دولار سنويًّا، وهو نفس العام الذي صدَّرت فيه موزمبيق ما يقرب من مليون طن من الأخشاب إلى الصين. وكشف تحقيق سرّي أجرته إدارة تقييم الأثر البيئي لمدة أربع سنوات أن سوء إدارة امتيازات الغابات المحظورة رسميًّا، وقطع الأشجار غير القانوني، والفساد بين مسؤولي الموانئ، كلها عوامل سمحت للتجارة غير المشروعة بالتوسع دون رادع، خاصةً في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون.

واستشرت عمليات نهب أشجار الورد، حتى أصبحت موزمبيق أكبر مورد إفريقي للصين في عام 2023م، إذ صدرت أكثر من 20 ألف طن بقيمة 11.7 مليون دولار، متفوقة بذلك على دول أخرى مثل السنغال ونيجيريا ومدغشقر. لذا صُنِّف نوع من ضمن أنواع خشب الورد المعروف باسم “باو بريتو” الموجود في شمال موزمبيق وتنزانيا، على أنه من أكثر الأنواع المهدَّدة بالانقراض في القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة. وبرغم ذلك كشفت التحقيقات أنه خلال الفترة من أكتوبر 2023م ومارس 2024م، تم تصدير حوالي 300 حاوية من نوع “باو بريتو” من ميناء بيرا إلى الصين، بقيمة 60 ألف دولار للحاوية الواحدة، أي بإجمالي حوالي 18 مليون دولار.

طريق خشب الورد من موزمبيق إلى موانئ الصين

%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82 %D8%AE%D8%B4%D8%A8 %D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B1%D8%AF %D9%85%D9%86 %D9%85%D9%88%D8%B2%D9%85%D8%A8%D9%8A%D9%82 %D8%A5%D9%84%D9%89 %D9%85%D9%88%D8%A7%D9%86%D8%A6 %D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86

المصدر: وكالة التحقيقات البيئية

جـ- مالي

منذ مطلع عام 2020م، حظرت حكومة مالي قطع الأشجار في المناطق المحمية، وعلى الرغم من ذلك، فقد تم تصدير أكثر من 5500 حاوية شحن من خشب الورد المعروف باسم “كوسو”، أي ما يعادل 220 ألف شجرة، وذلك خلال الفترة ما بين مايو 2020م وحتى مارس 2022م. كما تم تصدير ما يقرب من 150,000 طن من الخشب؛ أي ما يعادل 220,000 شجرة خلال العامين الماضيين، قاصدة الصين.

ووفقًا لتقرير تقييم الأثر البيئي، فقد تم منح حق احتكار تصدير أخشاب الورد إلى الشركة العامة للصناعة دو بوا Générale Industrie du Bois SARL، وهي شركة يُديرها رجل أعمال مالي، تعتمد في معاملاتها على دفع الرشاوى لموظفي الخدمة المدنية من أجل استخراج تصاريح غير قانونية؛ ليتم نقل شاحنات جذوع الأشجار من باماكو -عاصمة مالي- إلى ميناء داكار في السنغال. ومن هناك تُشحَن إلى الصين. وتستخدم الجماعات المسلحة في مالي قضية تهريب الأخشاب وسيلة للدعاية ضد الحكومة، ويدّعون أنهم وحدهم القادرون على وضع حدّ لأزمة خشب الورد الثمينة في البلاد، مستغلين أزمة الغابات والإحباط بين السكان في المحافظات الجنوبية كوسيلة لتعزيز موقفهم.

د- تنزانيا

تعاني غابات تنزانيا من خطر التصحر نتيجة تجارة خشب الورد غير المشروعة، ورغم أن السلطات التنزانية تمنع إزالة الغابات، إلا أن التجار غير الشرعيين غالبًا ما يرشون المسؤولين المحليين لتهريب الأخشاب إلى خارج البلاد. وأفادت تقارير أن أكثر من 1.2 مليون قطعة من الأشجار المهددة بالانقراض بقيمة 257 مليون دولار تم تهريبها من تنزانيا في عام 2019م، وفقًا لفريق البيئة Journalist Environmental Team (JET)، وهي منظمة محلية غير ربحية تتبع تدهور الغابات. وأكدت على أن المهربين يدخلون سرًّا إلى تنزانيا ويحصدون جذوع خشب الورد بشكل غير قانوني، والتي تُهرَّب بعد ذلك إلى آسيا، مما يُعرّض تنزانيا لفقدان ما يقرب من 430 ألف هكتار من الأشجار كل عام بسبب إزالة الغابات، وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة.

  • وقد أصدرت السلطات في نيجيريا ما يقرب من 3000 تصريح مشكوك فيه للمتاجرين الذين تمكنوا من تهريب أكثر من 1,5 مليون قطعة خشب إلى الأسواق الصينية. بينما تجردت جامبيا أصغر دولة إفريقية، من معظم خشب الورد لديها، ومع ذلك فهي من بين أكبر خمسة مُصدّرين لخشب الورد على مستوى العالم. إذ تُشحَن إليها الأخشاب من منطقة كازامانس في السنغال المجاورة.

حجم خشب الورد الذي تستورده الصين من إفريقيا

حسب كل بلد من عام 2017م إلى نوفمبر 2021م

%D8%AD%D8%AC%D9%85 %D8%AE%D8%B4%D8%A8 %D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B1%D8%AF %D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A %D8%AA%D8%B3%D8%AA%D9%88%D8%B1%D8%AF%D9%87 %D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86 %D9%85%D9%86 %D8%A5%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7

المصدر: اتفاقية التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض

ثالثًا: تأثير الاستهلاك الصيني على غابات خشب الورد

كان من المفترض أن تُمنع تجارة خشب الورد بموجب اتفاقية سايتس؛ إلا أنه بات منتج الحياة البرية الأكثر تهريبًا في العالم؛ حيث لم يُفعَّل حظر قطع خشب الورد في معظم الغابات الإفريقية جنوب الصحراء، مما ساعد على انتشار جرائم الغابات، وذلك لعدة أسباب؛ من بينها: الافتقار المنهجي للمراقبة، وغياب دوريات التفتيش، وسوء الإدارة والفساد الهرمي، وانعدام المساءلة، وإصدار تصاريح التسجيل والإنقاذ الذي تظل إحدى طرق استغلال خشب الورد؛ حيث أساء أصحاب السلطة استخدامه. حتى إن شعار الحفاظ على البيئة الذي تقوده المنظمات الدولية كان مجرد ستار لمزيد من جرائم الغابات.

أدى الطلب الصيني المتزايد على خشب الورد إلى قطع الأشجار بشكلٍ جائر، وبكمياتٍ تفوق قدرة الغابات على التجدد إلى استنزاف الغابات بشكل أثَّر على النظام البيئي في إفريقيا، ونستعرض أبرز مظاهر ذلك فيما يلي:

1- فقدان التنوع البيولوجي

تُعدّ غابات خشب الورد موطنًا للعديد من الأنواع النباتية والحيوانية الفريدة؛ حيث يؤدي اختفاء هذه الأشجار إلى انقراض تلك الأنواع، مع فقدان التنوع البيولوجي الغني لهذه الغابات. وتشير التقديرات إلى أن البلدان الإفريقية تخسر حوالي 17 مليار دولار سنويًّا؛ بسبب قطع الأشجار غير القانوني، المنتشر في الغابات المطيرة الاستوائية. وقد أدى الطلب الأجنبي على الأخشاب الصلبة النادرة من هذه الغابات بشكل كبير إلى تعريض الأنواع النباتية لمخاطر الاستنزاف غير المستدام، وتدهور النظم البيئية.

2- التداعيات البيئية

أدَّى تعطش الصين لخشب الورد وغيره من الخامات الخشبية إلى تجريد الغابات، مما تسبَّب في تعجيز النظم البيئية والمجتمعات البشرية التي تعتمد عليها، مثل فقدان الغطاء النباتي، وتدهور الأراضي، وزيادة انبعاثات الكربون، مما يسهم في تغيُّر المناخ.

كما يخلق مشكلات تتجاوز نضوب الأنواع النادرة؛ إذ تُساعد جذور أشجار خشب الورد على تثبيت التربة، فضلًا على أنها تحتفظ بالمياه، وتمنع الغابة من الجفاف وتحمي المجتمعات من الرياح. وقطعها يُؤدي إلى تآكل التربة، وفقدان خصوبتها. وقد عانَى المزارعون في مجتمعات الغابات من جفاف شديد أعقبته فيضانات. ويتوقع المتخصصون زيادة الظواهر الجوية، مثل ارتفاع درجات الحرارة داخل حزام سافانا الشمالي نتيجة لتغير المناخ.

3- التأثيرات الاقتصادية

يُنظَر إلى استنزاف الصين لخشب الورد الإفريقي على أنه استغلال لمورد اقتصادي مهمّ للدول الإفريقية، ويُؤدي فقدان الغطاء الشجري الناتج عن قطع أشجار خشب الورد بشكل غير قانوني إلى كوارث بيئية تؤثر على المحاصيل النقدية، مثل محصول الكاكاو أحد الصادرات الرئيسية وثاني أكبر مصدر للعملات الأجنبية في غانا. كما ساعد قطع أشجار الورد على تدمير صناعة زبدة الشيا (من أهم مصادر الدخل للنساء)؛ ذلك لأنَّهم يستخدمون أشجار الشيا لإخفاء شحنات خشب الورد.

اختلت بعض المجتمعات الزراعية في إفريقيا؛ حيث يتعين على الرعاة الذين كانوا يُطعمون ماشيتهم ذات يوم بأوراق خشب الورد البحث عن أعلاف أخرى، مما يتسبَّب في الدخول في صراعات حول أماكن الرعي. كما تعطلت الزراعات بسبب أن العديد من المزارعين الذين يمتلكون جرارات يقدمون خدماتهم لشركات قطع الأشجار، التي تدفع أكثر من 20 ضعف المعدل الذي يدفعه المزارعون مقابل حراثة الحقول.

4- التأثيرات الاجتماعية والثقافية

تزيد تجارة خشب الورد غير المشروعة من التوترات الاجتماعية القائمة على الخلل الاقتصادي في الدول الإفريقية، بما في ذلك من زيادة التهجير القسري والصراعات المتعلقة بالموارد الطبيعية بين المجتمعات المحلية والشركات الصينية، خاصةً وأن العديد من الأفارقة يعتمدون على غابات خشب الورد للحصول على رزقهم. ويُؤدي استنزاف هذه الغابات إلى فقدان فرص العمل وزيادة الفقر بين هذه المجتمعات. كما يؤثر تدمير الغابات على حياة السكان المحليين والثقافات التقليدية التي تعتمد على الموارد الطبيعية، وفساد العلاقة بين المزارعين والرعاة.

كما يساعد تهريب الأخشاب على تعزيز التهديدات التي تُشكّلها الجماعات الإجرامية المتطرفة، مما يؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار في المناطق المعنية، وصعوبة تنفيذ القوانين والرقابة. كما تُموّل عائدات تجارة قطع الأشجار الجماعات المسلحة أمثال بوكو حرام في نيجيريا، التي تجني ما قيمته مليارات الدولارات من خشب الورد المستخرَج من الغابات الخاضعة لسيطرتها. بينما تمول عائدات خشب الورد في موزمبيق التي تقدر قيمته بنحو 23 مليون دولار سنويًّا الجماعات المسلحة في مقاطعة كابو. وفي السنغال، تُموّل عائدات تهريب الأخشاب حركة القوى الديمقراطية في كازامانس، وهي منظمة انفصالية تقاتل من أجل استقلال منطقة كازامانس. وكذلك الحال في ليبيريا وجمهورية إفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو.

رابعًا: مشكلة مُلِحَّة تتطلّب تدابير وحلولًا عاجلة

  • تحتاج الحكومات والمجتمع الدولي إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات الصارمة لتعزيز الرقابة وتنظيم استخراج التصاريح من أجل مواجهة تجارة خشب الورد غير المشروعة. علاوة على ذلك، يجب تعزيز التوعية ودعم الممارسات الزراعية المستدامة؛ مثل: إعادة التشجير التي من شأنها المحافظة على التنوع البيولوجي والثقافي في المناطق المعنية؛ لوقف استنزاف غابات خشب الورد. وهناك بعض الحلول المقترحة على المستويين المحلي والدولي، من أبرزها ما يلي:

1- تطبيق القوانين وتشديد الرقابة

حاولت العديد من الدول الإفريقية حظر قطع الأشجار، ولكن بنجاح محدود؛ فمن السهل الالتفاف على الحظر عندما لا تعمل أنظمة الأمن والعدالة بشفافية، وهو واضح في العديد من الدول. بل إن الحظر يمكن أن يؤدي إلى وقف مؤقت للشبكات الإجرامية دون معالجة جذور الفساد؛ لذا تحتاج الدول المعنية إلى تفكيك الشبكات الإجرامية رفيعة المستوى الذي تقوده، وتعزيز الرقابة على الجهات المشاركة في إدارة الموارد الطبيعية والتي تسهل ذلك، مع تشديد تطبيق القوانين المتعلقة بقطع الأشجار ومراقبة استخراج الأخشاب بشكلٍ صارم، ومحاسبة المخالفين.

وهنا، تكمن أهمية الرقابة الداخلية؛ إذ يمكن للمفتشين العامين وهيئات مكافحة الفساد المستقلة المساعدة في كشف زعماء العصابات الذين يُنظّمون العمليات غير القانونية. وفي تنزانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، تمت السيطرة على إدارة الأراضي، وساعدت مشاريع التشجير في أوغندا على معالجة الأمر بعض الشيء.

2- تعزيز التوعية وتثقيف المستهلكين

في إطار جهود المجتمع المدني الرامية للحفاظ على أشجار خشب الورد؛ تم رفع قضايا قانونية تهدف إلى الحفاظ على الغابات. وضغطت الصحافة المستقلة على المسؤولين للحد من النقل غير القانوني. كما قامت جمعية شباب جونجالاند بتوعية الشباب الغاني المشاركين في قطع الأشجار، خاصة وأن المجتمعات المحلية في سالاجا -وهي بلدة في شرق جونجا بمنطقة سافانا- لم تستفد من بناء الطرق الصينية، لكنَّ قطع الأخشاب انتشر هناك بجنون. وحاولت المجموعة تثقيف الناس لفهم الضرر الناجم عن قطع الأشجار. وكذا أطلقت الجمعية الغانية للحياة البرية تطبيق “تيمبي Timby”، وهو تطبيق للهواتف الذكية يتيح للمستخدمين الإبلاغ عن قطع الأشجار غير القانوني دون الكشف عن هويتهم، مع تحميل صور وبيانات الموقع.

3- تعزيز التعاون الدولي ودعم المبادرات

هناك حاجة إلى التعاون الإقليمي والدولي لمكافحة الاتجار غير المشروع بالأخشاب النادرة. وقد عقدت لجنة الغابات في إفريقيا الوسطى اتفاقًا يضم وزارات البيئة والغابات في ثمانية بلدان في عام 2008م، للمساعدة في تطبيق القانون بين مسؤولي الأمن والعدالة وإدارة الغابات، وتعزيز التعاون بينها وبين الجهات الدولية لإحكام الرقابة على تبادل المعلومات الاستخبارية، وتسهيل اعتقال المتورطين في قطع الأشجار بشكل غير قانوني والتحقيق معهم ومحاكمتهم، لكنّ الأمر يتطلب آليات تنفيذ ذات مصداقية.

وتحت ضغط دولي، قامت الصين بمراجعة قوانينها في يوليو 2020م؛ لتوفير حماية أفضل للغابات المهدَّدة. وينص القانون الجديد على أنه “لا يجوز لأيّ فرد شراء أو معالجة أو نقل الأخشاب من مصادر غير قانونية عن قصد”. لكنَّ الكثيرين شعروا أنه يفتقر إلى الوضوح، ويسمح بوجود ثغرات قد يستغلها التجار، فالمشكلة بحاجة إلى أن تُثار باعتبارها أمرًا حيويًّا خلال القمة الصينية الإفريقية السنوية.

خاتمة:

يُعدّ استنزاف الصين لغابات خشب الورد في إفريقيا مشكلةً بيئيةً محفوفة بالخطر تُهدِّد التنوع البيولوجي، والنُّظم الأيكولوجية الحيوية والموارد الطبيعية في القارة السمراء، تقوده شبكة إجرامية من الصينيين والسياسيين الأفارقة الفاسدين، الذين يفضلون مصالحهم الفردية وأجندتهم الخاصة على المصلحة الجماعية للدولة، مما جعل القوانين واللوائح عاجزةً وغير فعَّالة. الأمر الذي جعل مُستقبل غابات خشب الورد مرهونًا بتعاون الجميع، واتخاذ خطوات فورية من جميع الأطراف المعنية، من الحكومات إلى المنظمات الدولية والمجتمع المدني والشركات والمستهلكين. ومن خلال التعاون والتزام الجميع، يمكننا حماية غابات خشب الورد من الاستنزاف، وضمان استدامتها للأجيال القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى