أحد الأطفال الذين وُلدوا بعيدًا عن متاعب الحياة، لا يمتلك القدرة على إعراب كلمة “احتياج”، لم يعتد سماع كلمة “لا”، لا يتقبل الرفض أو الخسارة، ويظن أن كل شيء يتحقق بمجرد الرغبة.
فقط تعوّد على سماع صوت التصفيق، بدءًا من التصفيق الحارّ الذي يتلقاه بمجرد دخوله منتجع مارالاغو، نهايةً بالتصفيق يوم التنصيب.
عزز عدم اعتياده على سماع كلمة “لا” كونه يرأس الولايات المتحدة، فهو رئيس القوى العظمى في العالم، والدولة الأكبر قدرة على التأثير.
اقرأ أيضا.. أزمة العقل السياسي الفلسطيني…!
ترامب، الرجل المفضل لدى اليمين المتطرف في إسرائيل، يريد أن تقبل مصر بتهجير الفلسطينيين إليها، من الواضح أنه لا يمتلك علمًا حول رفض مصر لذلك منذ عقود وحتى يومنا هذا.
جاءت ردود الفعل من مصر والأردن على تهجير الفلسطينيين رافضة للمقترح وحادة للغاية، على كل المستويات السياسية الدبلوماسية والإعلامية والشعبية
عُرض الأمر من قبل في بدايات الألفية الجديدة ورفضته مصر، وعُرض مع بداية حرب غزة وكذلك رفضته مصر، رغم المغريات التي تتعلق بالإعفاء من الديون ومكتسبات اقتصادية أخرى.
الآن، يعود ترامب للفكرة المشؤومة ذاتها، يريد أن يطهر غزة عرقيًّا، ويرى في الأردن ومصر بيئة مناسبة لتهجير الغزيين إليهما.
لقيَ مقترح ترامب ترحيبًا إسرائيليًا، وسموتريتش المغيب عن الواقع في الميدان على رأس قائمة المرحبين، يرغب سموتريتش في تعيين وزير هجومي للجيش الإسرائيلي لغزو غزة والانتصار بالحرب.
حسب ديفيد إغناطيوس، الكاتب بواشنطن بوست، فإن اقتراح ترامب بمثابة إلقاء قنبلة، واعتبره أول خطأ كبير له في السياسة الخارجية.. يعتبر ديفيد أن اقتراح ترامب هو رغبة شخصية، ويصف التصريح بالعفوي ومن شأنه تخريب استقرار المنطقة، فضلًا عن كونه قد أثار ذهول القادة العرب الذين كانوا يتطلعون للعمل معه.
السيناتور الأميركي بيرني ساندرز وصف دعوة ترامب لنقل الفلسطينيين بأنها تطهير عرقي وجريمة حرب.
جاءت ردود الفعل من مصر والأردن رافضة للمقترح وحادة للغاية، على كل المستويات السياسية الدبلوماسية والإعلامية والشعبية.
المثير للدهشة أن القاهرة نفت حدوث اتصال بين الولايات المتحدة ومصر على المستوى الرئاسي، وهو غير ما ادعاه ترامب، وربما يجب ألا يثير الأمر الدهشة؛ فترامب رجل لا يتوقف عن الادعاء، ولا يفشل في تصديق ادعائه.
بالتأكيد، يمتلك ترامب علمًا أنه لو قبلت الأردن -مثلًا- بتهجير الفلسطينيين إليها فإن التركيبة السكانية ستتغير، ويصبح الفلسطينيون أكثر عددًا من الأردنيين أنفسهم، وهذا من شأنه بث الفوضى في البلاد، إلا أنه لا يمتلك عقلًا إستراتيجيًّا لمراعاة ذلك.
في مصر، لا تتقبل الدولة بمؤسساتها تقديم تنازل كهذا للإسرائيليين، يعتبرون الأمر مسألة أمن قومي في المقام الأول، ومسألة كرامة وكبرياء، الداخل غير قابل للرضوخ لرغبات الإسرائيليين، والجميع – المفكرون أو الدبلوماسيون أو عموم الشعب- يعي جيدًا مدى خطورة مخطط كهذا.
من المهم أن تُستغل اللحظة الراهنة لتوحيد الصف الفلسطيني، وتكوين لجنة تعبر عن الشعب الفلسطيني بأكمله، تتحدث باسمه وتدافع عن حقوقه، وتجلس على طاولة المفاوضات والمحادثات مع القوى الإقليمية والدولية
من الصعب مواجهة الضغوطات الأميركية، والأصعب مواجهة الضغوطات الأميركية بقيادة ترامب، غير المعتاد على سماع كلمة “لا”، الذي يظن أن الأمور تُحسم بمجرد الرغبة.
لكن الشيء الجيد بخصوص ترامب أنه رجل صفقات وليس رجل أيديولوجيا؛ قد تأسره أيديولوجيات من حوله، لكن عقليته لن تساعده على جلب نتائج.
قوبل الموقفان -المصري والأردني- بترحيب فلسطيني، ومن الجدير بالفهم أن فلسطين وصمود شعبها هو العامل الفاعل الأول في أي مخطط، وهم الحاسم الأول للمقترح؛ ومن المهم أن تُستغل اللحظة الراهنة لتوحيد الصف الفلسطيني، وتكوين لجنة تعبر عن الشعب الفلسطيني بأكمله، تتحدث باسمه وتدافع عن حقوقه، وتجلس على طاولة المفاوضات والمحادثات مع القوى الإقليمية والدولية.
لا بد لكلٍّ أن يمارس دوره بشكل عاجل وفوري، على الفلسطينيين لتوحيد صفهم والبدء بحوار وطني شامل، وضمان حدوث وفاق لضمان حقوق الشعب الفلسطيني.
وعلى الجانبين -المصري والأردني- فتح قنوات استخباراتية مباشرة وفورية لتبادل المعلومات والتوصيات، والبدء في استنفار الرأي العام الداخلي ومن ثم الدولي على كل المستويات، القيادية والدبلوماسية والاستخباراتية.
تمتلك قوة الدبلوماسية المصرية القدرة على فعل الكثير، وإفشال أي تصرفات ترامبية في الشرق الأوسط، وتستطيع حرمان ترامب من حلمه الكبير بالحصول على جائزة نوبل للسلام، فترامب يحلم بالوقوف وسط قاعة مدينة أوسلو كمانح العالم السلام، ومن المرجح أنه على استعداد للتنازل عن أي مخطط قد يحول دون تحقيق هدفه والحصول على الجائزة.
يمثل مخطط التهجير ساعة الحقيقة بالنسبة لفلسطين ومصر والأردن والعرب، والدول والمجتمعات المناصرة للقضية الفلسطينية، وتمثل اللحظة الراهنة التحدي الجدير بالانتصار.
وبالفعل، مصر والأردن -كدولتين معنيتين بالأمر بشكل مباشر- تسيران في الطريق الصحيح، وعلى كلٍّ استغلال نفوذه لتوجيه العالم نحو إفشال المخطط؛ وسيمثل دحض تلك المخططات إذلالًا تاريخيًّا للإسرائيليين ويمينهم المتطرف على رأس القائمة.
تظل الدول المناصرة للقضية الفلسطينية دائمًا قادرة على مواجهة القوى العظمى؛ فهي قوى عظمى حقيقية حينما تتحرك بشكل جمعي، وهي قادرة على قلب طاولة المقامرة بكل تأكيد.