لبنان

الطريق الوعر لوقف الحرب في لبنان

الدبلوماسية الأميركية المتواضعة قد تكون أفضل حل لتجنب تصاعد العنف بين "حزب الله" وإسرائيل في لبنان، الحل يكون في التوصل إلى وقف إطلاق نار غير رسمي بدلاً من اتفاقات ذات سقف عال قد تثير تصعيداً أكبر

الشرق الأوسط هو مقبرة المبادرات الذكية في مجال السياسة الخارجية، كان هذا هو الحال منذ مؤتمر القاهرة عام 1921 في الأقل، حينما عمل وزير الدولة البريطاني لشؤون الحرب ونستون تشرشل، الذي كان بحاجة إلى من يذكره باستمرار من السنة ومن الشيعة وما الفرق بين الطائفتين، على وضع خطة في غضون 10 أيام لضمان تحقيق المصالح البريطانية البعيدة الأمد في المنطقة.

من بين الأمور التي قام بها إنشاء دولة العراق، من أجل تقليل كلفة احتلال المنطقة وحماية خطوط الإمداد البريطانية إلى الهند، وتأييد الحكم البريطاني الانتدابي على فلسطين، لتأمين الجبهة اليمنى لمصر وقناة السويس، وعرقلة استقلال سوريا من خلال تسليم المنطقة إلى الفرنسيين، في مقابل موافقة فرنسا على سيطرة بريطانيا على العراق وفلسطين. ولكن عوضاً عن خفض التكاليف المالية وترسيخ النفوذ البريطاني، أسفرت هذه السياسات في نهاية المطاف عن توترات في جميع أنحاء المنطقة ونهاية الهيمنة البريطانية في الشرق الأوسط.

الحقيقة هي أنه باستثناء اتفاقات كامب ديفيد عام 1978 بين إسرائيل ومصر، ومعاهدة السلام عام 1994 بين إسرائيل والأردن، التي رعت من خلالها الولايات المتحدة سلاماً دائماً بين الدول الثلاث، ليس من السهل إيجاد أية مبادرة سياسية غربية ناجحة في الشرق الأوسط، وقائمة الإخفاقات طويلة بالفعل.

اقرأ أيضا.. هل تتحول لبنان لغزة ثانية؟

على رغم هذا السجل المخيب للآمال، هناك أزمات ما زالت تتطلب خطة واستجابة أميركية، وإحداها هو الصراع المتصاعد في لبنان، الذي يضع ميليشيات “حزب الله” الشيعية المدعومة من إيران في مواجهة إسرائيل. وكما هو الحال عادة فإن الولايات المتحدة هي الجهة الوحيدة القادرة على صياغة خطة فعالة قد تمنع مزيداً من التصعيد والمعاناة في لبنان، نظراً إلى أنها ترى نفسها طرفاً لا غنى عنه وبفضل تأثيرها في الأطراف الرئيسة المتنازعة، والدعم الذي تتلقاه من ناخبينها، وقدراتها العسكرية الهائلة.

وشهدت المنطقة معاناة كبيرة بالفعل، إذ أسفرت الحرب الأهلية التي اندلعت بين عامي 1975 و1990 عن مقتل ما يقرب من 100 ألف لبناني، وأدت إلى تعزيز هيمنة “حزب الله” داخل الدولة، وبالتالي ضمنت بقاء لبنان منخرطاً في الصراع العربي – الإسرائيلي الأوسع. وفي عام 2000 وبعد وجود عسير دام 18 عاماً في جنوب لبنان، سحبت إسرائيل قواتها إلى الخط الأزرق، وهو حدود موقتة رسمتها الأمم المتحدة لفصل لبنان عن إسرائيل ومرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل. وفي عام 2006، أنهى قرار مجلس الأمن رقم 1701 حرباً قصيرة بين إسرائيل و”حزب الله”، ودعا إلى انسحاب مقاتلي الأخير إلى الجانب الشمالي من نهر الليطاني، الذي يمتد من الشرق إلى الغرب على بعد نحو 20 كيلومتراً شمال الخط الأزرق. وكان من المفترض أن في هذه المنطقة في لبنان قوة موقتة ومدعمة من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة المنتشرة في لبنان منذ عام 1978، إلى جانب 20 ألف جندي من الجيش اللبناني. ولكن بسبب عجز الجيش اللبناني، وانعدام الثقة الإسرائيلية في قوات “يونيفيل”، وغياب أي بند يضمن الامتثال لأحكامه، ونفوذ “حزب الله” على عملية صنع القرار في بيروت، لم ينفذ القرار 1701 بالكامل.

في الآونة الأخيرة حاولت الحكومة الفرنسية التوسط لوقف إطلاق النار، لكن الرئيس إيمانويل ماكرون الذي اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ”نشر الهمجية”، بدا وكأنه ينحاز إلى “حزب الله”، مما قوض على الفور نفوذ ماكرون المحدود بالفعل على أحد جانبي الخط الأزرق. وفي الوقت نفسه لم تبذل الدول الإقليمية الحليفة للولايات المتحدة، سوى جهود قليلة للتدخل في الأزمة الحالية في لبنان. وهكذا، مرة أخرى، تقع على عاتق واشنطن مسؤولية وضع خطة.

ولكن هناك جوانب سلبية لتدخل واشنطن، فهذا قد يجر الولايات المتحدة إلى صراع مباشر مع “حزب الله” أو داعميه الإيرانيين، وهو ثمن باهظ في مقابل مكاسب محتملة من المستبعد أن تخدم المصالح الاستراتيجية الأميركية الأوسع، التي تتعلق في معظمها بأماكن بعيدة من الشرق الأوسط. ومع ذلك فإن عدم التدخل ليس خياراً واقعياً، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن إمكان التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حزب الله” من تلقاء نفسيهما أمر غير محتمل، مما قد يخلق حالاً من الجمود من شأنها أن ترفع من خطر التصعيد المتزايد.

ولذلك فإن الولايات المتحدة تحاول اليوم أن تؤمن في الأقل وقفاً لإطلاق النار بين “حزب الله” وإسرائيل. وكانت العقبتان الرئيستان هما إصرار الأول على أن أي وقف لإطلاق النار في لبنان يعتمد على وقف إطلاق النار الإسرائيلي في غزة، وعدم اهتمام تل أبيب الواضح بوقف إطلاق النار على أي من الجبهتين. لكن إدارة بايدن تعتقد أن “حزب الله” بات مستعداً الآن للمضي قدماً نحو وقف إطلاق النار في أعقاب هجوم إسرائيلي مكثف على بنية الحزب التحتية وقياداته، بما في ذلك اغتيال أمينه العام حسن نصر الله وعدد من كبار مساعديه.

وفي محاولة لحل المعضلة في لبنان، قد تتبنى الإدارة الأميركية واحدة من ثلاث مقاربات متداخلة، وكلها غير مثالية. تتلخص المقاربة الأولى في الضغط على القيادة السياسية اللبنانية لطلب العون من الأمم المتحدة في تطبيق القرار 1701 بالكامل من خلال مساعدة الجيش اللبناني على الانتشار جنوباً، وزيادة حجم قوات اليونيفيل، وإجبار “حزب الله” وقوات الدفاع الإسرائيلية على الانسحاب من الجنوب، ومنع إعادة تسليح “حزب الله” من إيران. في المقابل تتلخص المقاربة الثانية في الدفع نحو إصدار نسخة موسعة من القرار تطلب، من بين أمور أخرى، أن يتراجع “حزب الله” إلى مسافة أبعد مما ينص عليه القرار 1701، وبدء الحكومتين الإسرائيلية واللبنانية محادثات سلام.

ولكن من غير المرجح أن ينجح أي من المسارين. وما قد يكون أكثر قابلية للتنفيذ هو خطة أقل طموحاً تتمثل في اتفاق موقت يتوصل إليه مباشرة بين إسرائيل و”حزب الله”، يلزم الطرفين بإنهاء الأعمال العدائية، ولكنه يتطلب من الأخير الانسحاب لمسافة أقل، تبلغ على سبيل المثال 15 كيلومتراً من الحدود، مما يجعل أسلحة “حزب الله” خارج النطاق الذي يتيح لها مهاجمة البنية الأساسية العسكرية والمدنية على الجانب الإسرائيلي من الخط الأزرق. وستعتمد استمرارية مثل هذا الاتفاق على عدد من الترتيبات الخاصة التي تبدد مخاوف كل طرف. والهدف المنشود هو إنهاء القتال في أسرع وقت ممكن، ولكن مثل هذا الاتفاق، إذا صمم بعناية، يمكن أن يمهد الطريق أيضاً لتنفيذ القرار 1701 في نهاية المطاف.

أصدقاء صعبو المراس

تتولى قيادة الولايات المتحدة حالياً إدارة نهاية ولايتها، وقد تؤدي الانتخابات المقبلة إلى تغيير شامل في الحكومة قد يفضي إلى تبني نهج أميركي مختلف في التعامل مع الأزمة. إن وصف ظروف التدخل الدبلوماسي الناجح في لبنان بأنها قاتمة يقلل من حجم العقبات القائمة في الواقع، وعلى حد قول المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان آموس هوكشتاين فالأمور “خرجت عن السيطرة”.

وإحدى العقبات الرئيسة التي واجهتها الولايات المتحدة طوال هذا الصراع هي أن أقرب حليف إقليمي لها، إسرائيل، رفض (مع بعض الاستثناءات الملحوظة) مراراً وتكراراً طلباتها للحد من إصابات المدنيين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، والدفع نحو صفقة لإطلاق سراح الرهائن. لقد نصحت إدارة بايدن باستمرار الإسرائيليين بضبط النفس، ووعدت بأن الولايات المتحدة ستساعد في التخفيف من وطأة أي تهديدات قد تنشأ عن القيام بذلك. ومع ذلك، تحت قيادة نتنياهو، حصلت الحكومة الإسرائيلية على تلك المساعدات، لكنها تصرفت من دون أي ضبط للنفس، ونفذت هجوماً عنيفاً على غزة أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، وشنت حملة متهورة من الاغتيالات لكبار قادة “حزب الله” و”حماس”، ليس في غزة ولبنان فحسب بل حتى في إيران. وفي الحقيقة تحظى هذه الخطوات بدعم قوي من غالبية المواطنين الإسرائيليين، الذين لا يزالون متأثرين بهجوم “حماس” الإرهابي الوحشي في السابع من أكتوبر 2023، الذي تبعته في اليوم التالي هجمات صاروخية من “حزب الله” في شمال إسرائيل.

ولا تزال إسرائيل في بداية حملتها، فهي تسعى إلى تدمير البنية التحتية لـ”حزب الله” بين نهر الليطاني والخط الأزرق، بما في ذلك الأنفاق والمخازن والقواعد ومنصات إطلاق الصواريخ، إضافة إلى دفع مقاتلي “حزب الله” شمالاً. في الوقت نفسه شن سلاح الجو الإسرائيلي عشرات الغارات على أهداف في جميع أنحاء لبنان، بما في ذلك المصارف التي تدير شؤون “حزب الله” المالية. والهدف من ذلك هو شل قدرات الحزب، وبالتالي حرمان إيران من ممارسة ضغوط على إسرائيل أو ردع أي هجوم إسرائيلي على الأصول النووية الإيرانية أو الأهداف القيادية. وتصر إسرائيل على أنها لا ترغب في إعادة احتلال جنوب لبنان، وتؤكد أن قواتها العسكرية تنفذ هجمات من داخل الأراضي الإسرائيلية وتعود لهناك بعد كل مهمة.

في العقود الأخيرة، أذعنت الولايات المتحدة لفكرة أن “حزب الله” يتمتع بموقع قوي في لبنان، واعتبرت أن تحدي امتيازاته وصلاحياته أمر غير مجد ومزعزع للاستقرار. ومع ذلك رحب عدد من المعلقين الأميركيين، وبعض مسؤولي إدارة بايدن بصورة غير علنية، بتدمير سلسلة قيادة “حزب الله” وإصابة آلاف من مقاتليه عندما فجرت إسرائيل أجهزة البيجر والراديو اللاسلكية التابعة للحزب. لكن الولايات المتحدة تحاول الآن الحد من الأضرار والتركيز على وقف إطلاق النار الذي يمكن أن يمنع تصعيداً يزيد من أخطار التدخل الإيراني المباشر. في المقابل يتمثل هدف “حزب الله” في السعي إلى الحفاظ على قدرته العسكرية، لا سيما ما تبقى من مخزونه من الصواريخ والقذائف الذي تزعم إسرائيل، على نحو يصعب تصديقه أنها قلصته إلى النصف، وقدرته على الهيمنة على النظام السياسي في لبنان من خلال التهديد باستخدام القوة.

تحقيق نتائج أكبر بطموح أقل

من أجل الحصول على تأييد كل من “حزب الله” وإسرائيل، سيتعين على اتفاق وقف إطلاق النار الناجح أن يأخذ في الاعتبار المصالح المتضاربة للطرفين. وفي الوقت الحالي تدرس واشنطن ثلاث مقاربات بديلة، يتلخص البديل الأول في تنفيذ القرار 1701، الذي يدعو إلى انسحاب “حزب الله” والقوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، ليحل مكانهم عدد إضافي من قوات اليونيفيل وقوات الجيش اللبناني. علاوة على ذلك يمنع القرار الدول الخارجية من تسليح أية مجموعة غير حكومية في لبنان، في إشارة واضحة إلى رعاية إيران لـ”حزب الله”.

لكن هذا المسار يواجه عدداً من العقبات الرئيسة، في الواقع عرقل كل من “حزب الله” وإسرائيل تنفيذ القرار 1701 لمدة 18 عاماً، فالوجود القوي لـ”حزب الله” داخل الحكومة اللبنانية حد من الموارد المتاحة للجيش اللبناني ومنع نشر قواته على نطاق واسع في الجنوب. وتؤكد إسرائيل أنها لن تنسحب من لبنان حتى يصبح الجيش اللبناني قادراً على الحلول محل “حزب الله” في الجنوب، وحتى في هذه الحالة فإن قواتها ستعود للأراضي اللبنانية لغرض غير واضح وهو “الإنفاذ الفعال” [تدخل مباشر وبالقوة]. كما تطالب إسرائيل بأن تحتفظ بإمكان الوصول غير المحدود إلى المجال الجوي اللبناني حتى يتسنى لها الاستمرار في شن غارات جوية، حتى في بيروت، لإضعاف “حزب الله” بصورة أكبر. إضافة إلى ذلك، لم تعتبر إسرائيل يوماً قوات “يونيفيل”، التي تضم حالياً 10 آلاف جندي في جنوب لبنان جهة محايدة، لأنها لم تمنع توسع “حزب الله” في الجنوب وتبدو ميالة للوقوف إلى جانبه في النزاعات مع إسرائيل.

إن محاولة جديدة لتنفيذ القرار 1701 ستتطلب في جوهرها اتخاذ إجراءات من حكومة لبنانية غير موجودة، سيضطر رؤساء الأحزاب اللبنانية الكبرى إلى التحرك لاختيار رئيس، وهو ما لم يتمكنوا من القيام به منذ عامين، بعد ذلك سيحتاج هذا الرئيس إلى تعيين رئيس وزراء يكون موالياً لـ”حزب الله” بما يكفي لتجنب عرقلة الحزب له، ومستقلاً بما يكفي لكسب ثقة الأحزاب السياسية اللبنانية الأخرى، فضلاً عن ثقة الولايات المتحدة والأمم المتحدة. ولا توجد دلائل كثيرة تشير إلى أن السياسة اللبنانية في وضع يسمح بتحقيق إنجاز من هذا النوع.

تعتبر الجهود الدبلوماسية الأميركية ضرورية لوقف تصاعد العنف في لبنان

لكن هوكشتاين، المبعوث الأميركي، كشف أخيراً عن خطة أكثر طموحاً. فإضافة إلى الخطوات المنصوص عليها في القرار 1701، يدعو اقتراح هوكشتاين إلى انسحاب “حزب الله” إلى ما هو أبعد من نهر الليطاني. ويتطلع هذا الاقتراح إلى دخول لبنان وإسرائيل في محادثات سلام مباشرة. هذه الخطة تعيد للأذهان اتفاقاً أبرم بوساطة أميركية عام 1983، معروفاً باسم “اتفاق 17 أيار” (مايو)، الذي أجبر لبنان الممزق والمنهك بعد ثماني سنوات من الحرب الأهلية والخضوع للاحتلالين الإسرائيلي والسوري على الدخول في معاهدة مع إسرائيل. ونص ذلك الاتفاق على انسحاب كل من إسرائيل وسوريا وعقد معاهدة سلام إسرائيلية – لبنانية، لكنه لم ينفذ قط، فقبل التوقيع عليه اغتالت سوريا زعيم الحزب المسيحي الحاكم في لبنان، مما أرسل إشارة قوية مفادها بأن سوريا لن تسمح بتحد إسرائيلي لنفوذها في لبنان. وفي الواقع قد تؤدي خطة هوكشتاين إلى نتائج مماثلة، فإيران التي حلت مكان سوريا، ستكون مصالحها الاستراتيجية والأيديولوجية في لبنان مهددة على نحو مماثل، مما قد يدفع طهران إلى حماية تلك المصالح من خلال تصعيد الصراع، وقد يكون تنفيذ القرار 1701 هدفاً مستحيلاً، وسيتسبب السعي إلى الحصول على نسخة معدلة منه في زيادة الأخطار وارتفاع احتمالات العنف.

إن أفضل مسار للمضي قدماً، في الأقل في الوقت الحالي، هو المسار الأقل طموحاً: اتفاق غير رسمي، موقت بين “حزب الله” وإسرائيل، يقضي بوقف فوري لإطلاق نار ويتطلب انسحاباً محدوداً أكثر لقوات “حزب الله”. وسيكون هذا مخططاً هشاً وضعيفاً، بيد أن الاتفاقات الجانبية من شأنها أن تساعد في الحفاظ عليه من خلال تهدئة مخاوف كل طرف. على سبيل المثال تعتقد إسرائيل أن “حزب الله” سيعيد إدخال الأسلحة لجنوب لبنان بسرعة، مثلما فعل بعد عام 2006، ومن أجل منع حدوث ذلك، يمكن للجيش اللبناني التحقق من جميع السكان العائدين للمنطقة. ويمكن لمجموعة من الدول يتفق عليها “حزب الله” وإسرائيل أن تنشئ لجنة إشراف مستقلة تتألف من خبراء لتقييم عمليات “يونيفيل”. ويمكن للهيئة نفسها أن تجري تحقيقات فورية في تحركات مزعومة لـ”حزب الله” أو إسرائيل وعمليات تفتيش لقوات الجانبين عندما يتهم كل منهما الآخر بانتهاك الاتفاق. بطريقة موازية يمكن للدول التي تمتلك قدرات مراقبة جوية، على غرار بعض أعضاء حلف شمال الأطلسي أو الهند أو اليابان أو كوريا الجنوبية، أن تجري مهمات مراقبة من ارتفاعات عالية فوق جنوب لبنان، وهو ما قد يساعد في تقييم الانتهكات وتقديم تحذيرات مبكرة في شأن وجود مشكلات، وأخيراً يمكن للقادة والدبلوماسيين الغربيين توسيع دائرة المسؤولين اللبنانيين المحدودة التي يتعاملون معها حالياً، إذ إن هذه الممارسة أدت إلى حال من الجمود بين أعضاء النخبة السياسية في لبنان، مما أسفر عن تأخير تشكيل حكومة جديدة.

لكي تنجح الخطة، يجب الحد بشدة من انتهاكات إسرائيل للمجال الجوي اللبناني، وهو أمر يندد به جميع اللبنانيين. (لن يوقف ذلك الغارات الجوية الإسرائيلية، التي تعرقل محاولات إيران إعادة تزويد مخزون “حزب الله” بالأسلحة). ومن الجدير بالذكر أن وقف إطلاق النار الموقت الذي يفتقر إلى سلطة الأمم المتحدة سيكون بطبيعته هشاً، ولكن حتى إن لم يستطع تحقيق استقرار كامل في لبنان مثلما سيفعل تنفيذ القرار 1701 بصورة صحيحة، فإن وقف إطلاق نار أقل رسمية وأقل طموحاً في الوقت الحالي يمكن أن يمهد الطريق لتنفيذ القرار بصورة كاملة في المستقبل.

تعد الجهود الدبلوماسية الأميركية ضرورية لوقف تصاعد العنف في لبنان وتقليل خطر اندلاع صراع مسلح بين الولايات المتحدة وإيران، ومن أجل التوصل إلى ما تريده واشنطن، وما تحتاج إليه المنطقة، يتعين على الولايات المتحدة أن تتبنى مقاربة أقل طموحاً، من خلال وضع اتفاق يعوض عن نقص الطموح هذا بعناصر مصممة لتهدئة أشد المخاوف إلحاحاً لدى كل طرف. إن إسرائيل في وضع قوي حالياً وسترغب في استغلال تفوقها في السعي إلى تحقيق “نصر كامل”. في المقابل فـ”حزب الله” في موقف ضعيف، إلا أنه سيستمر في المطالبة بوقف إطلاق نار يؤدي إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان ووقف الغارات الجوية، لتفادي مظهر الهزيمة. وحتى بالنسبة إلى ترتيب موقت، فإن هذه الظروف ليست واعدة. في سبتمبر (أيلول) تم التوصل إلى وقف إطلاق نار لمدة 21 يوماً بوساطة فرنسا والولايات المتحدة، لكن إسرائيل تراجعت عن موافقتها الأولية على الفور تقريباً. وبعد أيام أدت غارة جوية إسرائيلية في بيروت إلى مقتل حسن نصر الله، في تلك المرحلة كان من الصعب استئناف الجهود، لكن الآن حان وقت المحاولة مرة أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى