غزة

السُلطة الفلسطينية طوق النجاة لـ غزة

نشر قوات عربية أو قوات تابعة للسلطة الفلسطينية سيؤدي إلى تفاقم الانقسام السياسي والتدهور الاجتماعي في غزة، وقد تحدث تداعيات محتملة قد تطال الفلسطينيين في الضفة الغربية.

حتى الآن لا أحد يعرف متى سيتوقف العدوان على قطاع غزة، فالغارات الإسرائيلية تتواصل، وعدّاد الشهداء والجرحى لا يزال في ارتفاع مستمر، في ظل عدم التوصل لحل لوقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات لإنقاذ ما تبقى من سكان القطاع، ممن يواجهون خطر الموت جوعًا.

من قراءة المشهد، ومتابعة الأحداث في غزة، نرى أن هدف إسرائيل الأول، وهو إنهاء حكم «حماس» في القطاع، بل والقضاء على الحركة نهائيًا، ويؤكد ذلك الاغتيالات المتتالية لقيادات الحركة، وكان آخرها اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران.

المخطط الإسرائيلي الذي يسعى نتنياهو لتنفيذه، ليحقق انتصار شخصي أمام الرأي العام في تل أبيب، ليكبح جماح الغضب العارم من أسر الرهائن والجنود، قد يبدو مستحيل تنفيذه، أمام حالة الصمود غير المسبوقة، لأصحاب الأرض في غزة، بعدم التفريط في وطنهم، وهو أمر نابع بإيمانهم بأنهم سينتصرون في النهاية، لأنهم أصحاب الحق.

ورغم صعوبة المشهد، من الضروري التفكير بجدية في مستقبل قطاع غزة، ما بعد وقف إطلاق النار، بعض المقترحات طالبت بنشر قوة عربية مشتركة لحفظ السلام في غزة بعد توقف الحرب، في المقابل، اقترح الوزير في مجلس الحرب الإسرائيلي، بيني غانتس، إنشاء إدارة أميركية وأوروبية وعربية وفلسطينية تدير الشؤون المدنية في غزة، إلى حين تشكيل حكومة جديدة، على أن تحافظ إسرائيل في غضون ذلك على درجة من السيطرة الأمنية.

ولا تزال إدارة بايدن تعجز عن الضغط على إسرائيل، لوقف إطلاق النار، والتوصل لحل نهائي للقضية الفلسطينية، بل أنها تمد الكيان الإسرائيلي بمساعدات عسكرية، بين الحين والآخر، لذلك لا توجد رؤية واضحة بشأن الدولة الفلسطينية، وخارطة طريق لإقامتها، ولن تحقق القوات العربية نتيجة أفضل من القوات غير العربية، أيا تكن جنسياتها أو ارتباطها الديني والثقافي المفترض بالفلسطينيين.

وإذا نظرنا إلى الحل النهائي والعادل للقضية، هو دعم السلطة الفلسطينية، لإعادة سيطرتها على قطاع غزة، الذي انتزعته «حماس» بالقوة، فهل من المفترض أن تعمل قوة حفظ السلام على نزع سلاح عناصر حماس وغيرهم من المقاتلين، أو اعتقالهم، أو تفكيك منظماتهم؟ وهل ستتولى تمشيط قطاع غزة بالكامل؟.

نشر قوات عربية أو قوات تابعة للسلطة الفلسطينية سيؤدي إلى تفاقم الانقسام السياسي والتدهور الاجتماعي في غزة، وقد تحدث تداعيات محتملة قد تطال الفلسطينيين في الضفة الغربية. وقد ظهرت بالفعل لمحات من عنف العصابات والعشائر في غزة نتيجة الضعف الذي أصاب شرطة حماس وتراجع سيطرتها الأمنية العامة.

لقد كانت السلطة الفلسطينية عقلانية في رفضها الانجرار إلى حفظ أمن غزة، دون الحصول على ضمانات بإطلاق مسار دبلوماسي يفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية، وساهمت الول الأوروبية في الاعتراف بدولة فلسطينية تتمتع بكامل الحقوق والواجبات، التي تتمتع بها الدول المستقلة في، إعادة تقييم الأوضاع وإدراك الولايات المتحدة على صعوبة تنفيذ المخطط الإسرائيلي، بإنهاء القضية الفلسطينية وتهجير أهالي غزة.

إن لم تُوفر الظروف اللازمة لمنح الفلسطينيين دولتهم، فعلى الولايات المتحدة والدول الغربية الحليفة التي تنادي بحفظ السلام في غزة وتمنع في الوقت نفسه إقامة الدولة الفلسطينية، أن تتحمل بالكامل مسؤولية فكرتها هذه، كما مسؤولية التعامل مع العواقب المترتبة عنها.

اقرأ أيضا| ماذا لو وقفت الحرب على غزة؟

في القمة العربية الأخيرة التي عُقدت في البحرين، طالبت الدول المشاركة في البيان الختامي للقمة، بنشر قوات دولية في غزة لحماية الفلسطينيين، والإشراف على توزيع المساعدات. لكن ظهرت مخاوف أخرى من وجود قوات خارجية، سواء عربية أو دولية، في غزة، بسبب عدم وضوح دور هذه القوات ومهامها، وخاصة في ظل استمرار عمليات القوات الإسرائيلية في غزة.

ويجب على إسرائيل أن تتكيف مع فكرة التعايش مع سكان غزة، لأن وجود أي قوة غير فلسطينية قد تصطدم بالفلسطينيين، أو بحركة حماس، وقد يعتبرها الفلسطينيون قوة احتلال بديلة لإسرائيل، ووجد القوات من دون مهام محددة، وصلاحيات واضحة، وتنسيق مع السلطة الفلسطينية، قد تدخل في إشكاليات كبيرة على عدة مستويات، وخاصة السياسية منها والأمنية.

نتنياهو هو الأكثر احتياجًا لخروج آمن من غزة، خاصة في ظل استمرار وجود رهائن لدى حماس، واتجاه الأمور للتصعيد مع إيران وأذرعها في المنطقة، بعد اغتيال إسماعيل هنية في قلب طهران، وقيادات بارزة في حزب الله، ولذلك بات الخروج الآمن من غزة ضرورة مُلحة.

من المستحيل أن تتولى الحكم في غزة مؤسسة غير فلسطينية، وتأتي فكرة إعادة تنشيط السلطة الفلسطينية، التي تأسست عام 1994 بموجب اتفاق أوسلو، لذلك فإن السلطة الفلسطينية هي الأقرب لما يمكن أن يكون من حل واقعي لحكم غزة بعد الحرب.

كل السيناريوهات والمقترحات التي تم طرحها ومناقشتها في اجتماعات، وخرجت بها بيانات رسمية من الأطراف التي تشارك في محاولة إيجاد حل لوقف الحرب، غير مقبولة واقعيًا بدون وجود فعلي للسلطة الفلسطينية، صاحبة الحق الأصيل في إدارة قطاع غزة، وكل شبر على أرض فلسطين.

الأمر يتطلب قيام كافة الأطراف، بدعم السلطة الفلسطينية بشكل كامل وفوري، لاستعادة مكانتها وحقها في حكم غزة المسلوب، وهو الأمر الذي يُضعف قدرات حماس، ويعزز دور السُلطة الفلسطينية، لذلك من الضروري، عقد قمة عربية طارئة، للاتفاق ووضع خطة لمستقبل قطاع غزة، عقب وقف إطلاق النار.

عقد قمة عربية في الوقت الراهن، قد يساهم بشكل كبير في تحديد من يتولى إدارة قطاع غزة، خلال الفترة القادمة، ما بعد الحرب، من خلال وضع خارطة طريق، أساسها عودة قطاع غزة لإدارة السُلطة الفلسطينية، وغلق الباب أمام المحاولات الغربية، لتحديد مستقبل غزة، والتي من المؤكد أنها ستغلب مصلحة إسرائيل على الفلسطينيين، وهو أمر قد يمنح دولة الاحتلال السيطرة على غزة، فمن الضروري وضع السُلطة الفلسطينية، على رأس خطة مستقبل غزة، وهو السبيل المنطقي للتوصل لحل نهائي للقضية الفلسطينية، أساسه حل الدولتين، لتحقيق الاستقرار في المنطقة.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى