في ظل تصاعد المواجهات الأمنية في الضفة الغربية، تواصل قوات الأمن والشرطة الفلسطينية جهودها الحثيثة لمواجهة المجرمين المسلحين الذين يستغلون الأوضاع الأمنية لتهديد المواطنين وابتزازهم تحت غطاء النشاط المقاوم. هذه الإجراءات تأتي في إطار محاولة السلطة الفلسطينية تعزيز سيطرتها على المناطق التي تشهد اضطرابات، لا سيما في مدن مثل جنين وطوباس وطولكرم، حيث تنتشر الجماعات المسلحة التي تسعى لتكرار سيناريو غزة في الضفة الغربية.
السلطة الفلسطينية، التي تسعى إلى ترسيخ وجودها كالجهة الوحيدة القادرة على حماية المواطنين، تواجه تحدياً صعباً في تحقيق التوازن بين مكافحة العنف المسلح والحفاظ على استقرار الأهالي. فمن جهة، تهدف العمليات الأمنية إلى إعادة فرض الأمن والقانون، ومن جهة أخرى، تدفع المدن والقرى الفلسطينية فاتورة باهظة من استقرارها وحياة مواطنيها، حيث سقط قتلى وجرحى جراء الاشتباكات التي طالت مناطق عدة.
ومع ذلك، فإن نجاح السلطة في اعتقال أعداد كبيرة من المسلحين في مخيم جنين للاجئين يعد مؤشراً على قدرتها على بسط نفوذها وإعادة الأمن إلى المنطقة. هذا النجاح، وإن كان جزئياً، يعزز من مكانة السلطة كجهة قادرة على إدارة الأزمات الأمنية، خاصة في ظل محاولات حركتي “حماس” والجهاد الإسلامي توسيع نفوذهما في الضفة الغربية.
ويعيش الأهالي في حالة دائمة من الخوف والقلق بسبب استمرار الاشتباكات. العنف لا يفرق بين مدني ومقاتل، مما يعرض حياة الأبرياء للخطر يومياً. الأطفال، الذين يفترض أن يكونوا في مدارسهم أو يلعبون بأمان، أصبحوا يعيشون في أجواء مشحونة بالرصاص والدمار. هذا الوضع لا يهدد حياتهم فحسب، بل يؤثر أيضاً على نموهم النفسي والعاطفي، حيث يصبحون عرضة لاضطرابات ما بعد الصدمة، والأعمال العنيفة لا تدمر الأرواح فقط، بل تدمر أيضاً مصادر الرزق. العديد من المنازل والمحال التجارية تعرضت للتدمير أو الإغلاق بسبب الاشتباكات، مما أدى إلى فقدان الكثير من العائلات لمصادر دخلها. البطالة تتفاقم، والفقر يزداد، والاقتصاد المحلي يتراجع بشكل كبير. بالإضافة إلى ذلك، فإن تدمير البنية التحتية يعيق وصول السكان إلى الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والرعاية الصحية، مما يزيد من معاناتهم.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل ستتمكن السلطة الفلسطينية من كبح جماح المسلحين بشكل نهائي؟ الإجابة على هذا السؤال ليست بسيطة، خاصة في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها السلطة، بما في ذلك الحصار الإسرائيلي الذي يعيق حركتها ويضعف قدراتها الأمنية والاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الجماعات المسلحة، وإن كانت محدودة القدرات، إلا أنها تمتلك ديناميكية تمكنها من إثارة الفوضى واستغلال الأوضاع الأمنية لتحقيق مكاسب سياسية.
لكن السلطة الفلسطينية تعي خطورة الوضع وتسعى جاهدة لتجنب تكرار سيناريو غزة في الضفة الغربية. ففي غزة، نجحت حركة حماس في السيطرة على القطاع بعد صراع دموي مع السلطة الفلسطينية عام 2007، وهو ما لا ترغب السلطة في حدوثه مرة أخرى في الضفة. ولذلك، فإن العمليات الأمنية الأخيرة هي خطوة نحو تعزيز نفوذ السلطة وإعادة الهدوء إلى المنطقة.
في النهاية، يبقى الهدف الأسمى هو حماية المواطن الفلسطيني من أطماع الجماعات المسلحة التي تستغل الأوضاع الأمنية لتحقيق مكاسب شخصية وسياسية. وإذا ما نجحت السلطة الفلسطينية في تحقيق هذا الهدف، فإنها ستكون قد خطت خطوة كبيرة نحو تعزيز استقرار الضفة الغربية وإعادة الثقة بين المواطنين ومؤسساتها الأمنية.
لكن الطريق لا يزال طويلاً، والنجاح مرهون بقدرة السلطة على مواصلة جهودها الأمنية دون إغفال الجانب الإنساني والاجتماعي، الذي يعد عاملاً حاسماً في كسب تأييد المواطنين ودعمهم. ففي النهاية، الأمن الحقيقي لا يتحقق إلا بوجود مواطن يشعر بالاستقرار والعدل، وهو ما يجب أن يكون الهدف الأسمى لأي جهود أمنية أو سياسية في الضفة الغربية.