السلطة الفلسطينية

السلطة الفلسطينية هي الحل

أي عملية سياسية لإصلاح المشهد الفوضوي داخل الأراضي الفلسطينية محكومة بالفشل إن لم تمس بالمحرمات التي سوقتها بعض الفصائل قبل السابع من أكتوبر الماضي لخدمة مشاريع إقليمية.

تواردت الأنباء من مصادر مطلعة ومتعددة حول جدية المباحثات بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس لتحريك مياه الجمود السياسي الذي افتعله بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، من جهة، وانعدام أوراق الضغط لدى حماس كجزء من المحور الإيراني الغارق في عجزه عن الخروج من مصيدة الحرب التي نصبها نتنياهو من جهة أخرى.

سياق المباحثات يأتي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من واقع قطاع غزة المرير وحماية الضفة الغربية من تصعيد عسكري إسرائيلي قاب قوسين أو أدنى، حيث تم الاتفاق على جملة مبادئ؛ تتسلم بموجبها السلطة الفلسطينية معابر القطاع كافة لتكون تحت ولايتها القانونية والسياسية، حيث تم بحث إيجاد موقع جديد لمنفذ بري قريب من شاطئ بحر غزة بالاتفاق والتوافق مع السلطات المصرية.

كما جرى الاتفاق على أن تتسلم حكومة تكنوقراط زمام الأمور داخل القطاع تمهيدًا لإعمار غزة في اليوم التالي كجزء من أراضي الدولة الفلسطينية، وهو ما يتطلب توافقًا وطنيًا فلسطينيًا خالصًا مع رؤية المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وبعيدًا عن أجندات إقليمية مشوهة أثبتت فشلها في خلق مقاربة سياسية تمنح الشعب الفلسطيني تحرره من احتلال جاثم فوق صدره.

تسريب نتائج المباحثات تزامن مع حراك واسع قاده الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مسرح الأمم المتحدة، وتوّجه إعلان المملكة العربية السعودية عن تشكيل تحالف دولي موحد من أجل قيام الدولة الفلسطينية. ليستمر هذا الحراك بزيارة إلى العاصمة القطرية الدوحة، حيث تم عقد لقاءات بين القيادة الفلسطينية والقطرية لضمان تنفيذ تيارات حماس (الخارج وغزة) للاتفاق دون تعطيله، خاصة بعد أن طفت على السطح تكهنات قوية حول مصير يحيى السنوار وغيابه عن مشهد الحركة العام في الأيام القليلة المقبلة.

حماس بتياراتها تدرك أن الواقع اليوم يتطلب رؤية سياسية واقعية تحت سقف السلطة الفلسطينية تختلف بمفرداتها وشعاراتها عن مفردات وشعارات وعنتريات غوغائية تبنتها الحركة طوال شهور الحرب بحثًا عن وهم انتصار لن يتحقق، ولا يعكس الحقائق التي أصبحت جلية على أرض القطاع بل المنطقة عمومًا، والتي تمخض عنها -أي الحقائق- بالمحصلة إعادة ترتيب مراكز القوى في جغرافيا الشرق الأوسط.

جولات الحوار الفلسطيني – الفلسطيني السابقة لم تحقق إجماعًا حول الإشكاليات بالساحة الوطنية الفلسطينية بل لم تقترب منها ولم تناقشها، وهو ما يضعنا أمام عقبات يجب حلها بإجماع فلسطيني منطلق من معاناة الشعب تحت معادلة وطنية واحدة فقط؛ دولة فلسطينية واحدة.. بنظام وقانون وسلاح شرعي واحد.

اليوم، أي عملية سياسية لإصلاح المشهد الفوضوي داخل الأراضي الفلسطينية محكومة بالفشل إن لم تمس بالمحرمات التي سوقتها بعض الفصائل قبل السابع من أكتوبر الماضي لخدمة مشاريع إقليمية، فلا يعقل أن يبقى الشعب الفلسطيني ومشروعه السياسي المتمثل بالدولة المستقلة رهينة مشاريع إقليمية عقيمة لا أفق لها، وهو ما يتطلب بجدية التخلص من سلاح الفصائل المنفلت غير المنضبط لقرار السلم والحرب الجامع حسب مقتضيات المصلحة الوطنية الفلسطينية. فعندما يحلّ السلاح غير الشرعي يحلّ الخراب، وهو ما أدركته حركة حماس بعد شهور الحرب الأولى، عندما أعلن وزير خارجية تركيا هاكان فيدان على لسان قادة الحركة عن استعداد الحركة لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي، وهو ما أكده فيما بعد خليل الحية.

اقرأ أيضا| بعد عام على حرب غزة.. «المدنيون في الصراعات» يدعو لوقف انتهاكات القانون الدولي

بالنظر إلى تداعيات ذلك اليوم المشؤوم على الشعب الفلسطيني، وفشل المشروع الإيراني في الدفاع عن أدواته ومحوره تحت شعار وحدة الساحات، وتزايد فرص الحرب الإقليمية، والتفوق الإسرائيلي المدعوم من قطب العالم الأوحد والأقوى الولايات المتحدة، على الفلسطينيين إيجاد رؤية سياسية جامعة تتوافق مع تطلعات المجتمع الدولي لحل الصراع، مدعومة من المملكة العربية السعودية التي أطلقت تحالفًا دوليًا لإقامة الدولة الفلسطينية لكسر دوامة العنف والإرهاب الإسرائيلية المستمرة بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.

على منبر الأمم المتحدة قبل أيام معدودة، خرج الرئيس الفلسطيني بخارطة طريق فلسطينية تبدأ بوقف الحرب وتنتهي بمؤتمر سلام لسحب الذرائع من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولتأسيس أرضية كمنطلق توافقي فلسطيني مع رؤية الرياض الساعية لإقامة دولة فلسطينية لتحقيق الاستقرار والسلم في المنطقة.

وهو ما يستدعي من حركة حماس مواقف سياسية علنية، فلا يكفي أن ترسل الحركة رسالة اعتراف بالشرعية الدولية لأمين عام الأمم المتحدة، أو اتفاق مع قيادات السلطة وحركة فتح داخل الغرف المغلقة، بل يجب إظهار مواقف سياسية علنية أولها الانفكاك عن المحور الإيراني، وتسليم سلاحها لضمان عدم خوض مغامرات عسكرية غير محسوبة تجلب المزيد من الويلات على الشعب الفلسطيني المنهك من تجارب هدمت ما سعى إليه للوصول نحو دولته.

مجددا، التوافق الفلسطيني حول رؤية سياسية جامعة بثقل دبلوماسي تقدمه المملكة العربية السعودية بإطار تحالف دولي ينطق بالحقوق الفلسطينية المشروعة لإحراز اختراقات داخل المجتمع الدولي تدفع بالمحصلة لتحقيق حل الدولتين بخطوات سياسية فاعلة، فرصة يجب التقاطها لتجاوز المرحلة السوداء التي مرّ بها الشعب الفلسطيني، مما يستلزم بحث ما سمي سابقًا بالمحرمات في مقدمتها سلاح حماس وغيرها من الفصائل التي اندثرت قدراتها العسكرية سريعًا أمام آلة الحرب والبطش الإسرائيلية، سلاح مقيت لم يخدم قضية الشعب العادلة بل كان نقمة وبلية ونكبة جديدة على الشعب الفلسطيني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى