روسيا

“الروليت الروسي” بين موسكو وتل أبيب… رصاصة واحدة لا تكفي لإنهاء العلاقة

تجيد كلاً من روسيا وإسرائيل نفس اللعبة السياسية، إن لم تكن نفس الاستراتيجية في السير على الحبل الذي يفصل الشرق عن الغرب، والأرجحة “المدروسة” بين العالمين.

ففي حين تمكنت روسيا لعقود من الحفاظ على علاقتها بالعدوتين إيران وإسرائيل، تمكنت إسرائيل أيضاً من الحفاظ على علاقتها بالقطبين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وروسيا ومن قبلها الاتحاد السوفييتي من جهة أخرى.

لذا، لا غرابة في أن موسكو بذلت “الجهد السري” الكبير -إن صح التعبير- في الحد من أثر الضربة الإسرائيلية على إيران، لتجنب التصادم المباشر أو فقدان مصالحها ودورها كوسيط بين العالمين، عالم إسرائيل ومن خلفها الغرب، وعالم إيران ومن خلفها الشرق، والأهم أن تحرك موسكو جاء لتفادي تغيير ما تبدو أنها طريقة ناجحة في فرض قوتها وسطوتها السياسية على دول المنطقة.

في ذات الوقت يبدو أن إسرائيل التي تلعب نفس اللعبة في الحفاظ على علاقة جيدة مع الأضداد؛ أدركت أن الضربة الإيرانية التي ستبعدها عن روسيا لن تقربها من الولايات المتحدة الأمريكية، وبذا ستخسر سياسياً أكثر بكثير مما ستربحه عسكرياً، وهو ما كان سيغير -كذلك- من طريقتها الناجحة في مسك كافة الخيوط.

التقرير التالي لرصيف22 يتوقف عند العلاقة الروسية الإسرائيلية، وقواعدها المفهومة تماماً للطرفين، والتي قد تبدو غامضة لبقية العالم، هذه العلاقة ظهرت أهميتها منذ السابع من أكتوبر، لكنها اكتسب أهمية كبرى منذ أيام حين جاءت الضربة الإسرائيلية للمواقع الإيرانية دون التوقعات العسكرية، وأفضل من توقعات أشد المتفائلين بتجاوز الأزمة.

المقامرة السياسية… الرابحة دائماً

بعد عملية “طوفان الأقصى”، تعدّدت التخمينات السياسية حول الموقف الروسي من هجوم حركة “حماس”، لا سيما وأن روسيا لم تصدر إدانة مباشرة للهجوم، وجاء رد فعلها مزيجاً من الدبلوماسية الحذرة.

حينها، دعا الرئيس الروسي فلاديمير إلى وقف فوري للأعمال العدائية، مشدداً على ضرورة العودة للحوار والدعوة إلى تهدئة الأوضاع بين الأطراف المتنازعة. محيلاً سبب التصعيد في الأحداث إلى ما أسماه “فشل سياسيات واشنطن في الشرق الأوسط”، وهو ما تكرر على لسان وزير الخارجية لافروف أكثر من مرة أيضاً.

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الثلاثاء 29 أكتوبر 202402:50 م

تجيد كلاً من روسيا وإسرائيل نفس اللعبة السياسية، إن لم تكن نفس الاستراتيجية في السير على الحبل الذي يفصل الشرق عن الغرب، والأرجحة “المدروسة” بين العالمين.

ففي حين تمكنت روسيا لعقود من الحفاظ على علاقتها بالعدوتين إيران وإسرائيل، تمكنت إسرائيل أيضاً من الحفاظ على علاقتها بالقطبين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وروسيا ومن قبلها الاتحاد السوفييتي من جهة أخرى.

لذا، لا غرابة في أن موسكو بذلت “الجهد السري” الكبير -إن صح التعبير- في الحد من أثر الضربة الإسرائيلية على إيران، لتجنب التصادم المباشر أو فقدان مصالحها ودورها كوسيط بين العالمين، عالم إسرائيل ومن خلفها الغرب، وعالم إيران ومن خلفها الشرق، والأهم أن تحرك موسكو جاء لتفادي تغيير ما تبدو أنها طريقة ناجحة في فرض قوتها وسطوتها السياسية على دول المنطقة.

في ذات الوقت يبدو أن إسرائيل التي تلعب نفس اللعبة في الحفاظ على علاقة جيدة مع الأضداد؛ أدركت أن الضربة الإيرانية التي ستبعدها عن روسيا لن تقربها من الولايات المتحدة الأمريكية، وبذا ستخسر سياسياً أكثر بكثير مما ستربحه عسكرياً، وهو ما كان سيغير -كذلك- من طريقتها الناجحة في مسك كافة الخيوط.

التقرير التالي لرصيف22 يتوقف عند العلاقة الروسية الإسرائيلية، وقواعدها المفهومة تماماً للطرفين، والتي قد تبدو غامضة لبقية العالم، هذه العلاقة ظهرت أهميتها منذ السابع من أكتوبر، لكنها اكتسب أهمية كبرى منذ أيام حين جاءت الضربة الإسرائيلية للمواقع الإيرانية دون التوقعات العسكرية، وأفضل من توقعات أشد المتفائلين بتجاوز الأزمة.

المقامرة السياسية… الرابحة دائماً

بعد عملية “طوفان الأقصى”، تعدّدت التخمينات السياسية حول الموقف الروسي من هجوم حركة “حماس”، لا سيما وأن روسيا لم تصدر إدانة مباشرة للهجوم، وجاء رد فعلها مزيجاً من الدبلوماسية الحذرة.

حينها، دعا الرئيس الروسي فلاديمير إلى وقف فوري للأعمال العدائية، مشدداً على ضرورة العودة للحوار والدعوة إلى تهدئة الأوضاع بين الأطراف المتنازعة. محيلاً سبب التصعيد في الأحداث إلى ما أسماه “فشل سياسيات واشنطن في الشرق الأوسط”، وهو ما تكرر على لسان وزير الخارجية لافروف أكثر من مرة أيضاً.

تجيد كلاً من روسيا وإسرائيل نفس اللعبة السياسية في السير على الحبل المشدود الذي يفصل الشرق عن الغرب، والأرجحة “المدروسة” بين العالمين. ففي حين تمكنت روسيا لعقود من الحفاظ على علاقتها بالعدوتين إيران وإسرائيل، تمكنت إسرائيل أيضاً من الحفاظ على علاقتها بالقطبين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة

لكن، وعلى الرغم من عدم الإدانة المباشرة، لم يكد يمر شهر على “طوفان الأقصى” حتى صرّحت روسيا على لسان المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بالقول: “علاقاتنا الثنائية مع إسرائيل ستتطور، ولها مستقبل عظيم”.

هذه العلاقات الثنائية ذتات المستقبل العظيم لم تخلُ من المشاكل -بحسب تصريح زاخاروفا نفسها-، إحدى أبرز هذه المشاكل هي الاستياء الإسرائيلي من موقف روسيا بعدم إدانة السابع من أكتوبر بشكل صريح، خاصة مع استضافة موسكو لقادة المكتب السياسي لحركة حماس مرتين بعد بدء الحرب.

إضافة إلى ذلك، دعت روسيا في مجلس الأمن الدولي إلى فرض عقوبات على إسرائيل بسبب عدم التزامها بقرارات وقف إطلاق النار، مما زاد من تعميق الخلافات بين البلدين. من جانبه، انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو روسيا على موقفها الداعم لـ”حماس” وعلى عدم إدانتها للهجمات، واقتصار رد فعلها على “العزاء” الذي قدمه بوتين لبنيامين نتنياهو بعد مرور أسبوع على السابع من أكتوبر.

وعلى الرغم من تنبؤ بعض الصحف الأمريكية باقتراب انهيار العلاقة بين إسرائيل وروسيا نتيجة هذه التوترات، إلا أن هذا لم يحدث، واستطاعت روسيا الحفاظ على موقف متوازن، حيث ترفض الإرهاب لكنها تندد بما تسميه “العقاب الجماعي”، بينما استطاعت إسرائيل أن تفصل جيداً بين عدائها الصريح لإيران ووكلائها، وعدم مساس جوهر العلاقة مع روسيا، ليس فقط بالأدوات السياسية، بل وبالتعاون العسكري المشترك.

أوجه التعاون “الواسعة”… تحت الطاولة

لا يمكن الحديث عن العلاقات الثنائية بين روسيا وإسرائيل دون التطرق إلى الملفات الاقتصادية الكبرى والمصالح المشتركة، وعلى رأسها الغاز الطبيعي، الذي يعتبر جزءاً من الصورة الأوسع للتعاون الاقتصادي بينهما. رغم التعقيدات الجيوسياسية التي تؤثر على العلاقات، خاصة مع تعمق الحلف الشرقي بين روسيا وإيران، إلا أن التعاون في مجال الطاقة والغاز ظل قائماً بسبب المصالح الاقتصادية المتبادلة، بل ويتوسّع بكثير من التفاؤل من الطرفين.

منذ اكتشاف إسرائيل لحقول الغاز الضخمة في البحر الأبيض المتوسط مثل حقل “تمار” في عام 2009 وحقل “ليفياثان” في عام 2010، أصبحت إسرائيل لاعباً رئيسياً في سوق الغاز في المنطقة. وذلك رغم الخلافات القانونية حول أحقية لبنان ومصر والسلطة الفلسطينية بالغاز، وبحقوق التنقيب.

أولت روسيا -باعتبارها واحدة من أكبر مصدري الغاز في العالم- اهتماماً كبيراً لهذه الاكتشافات رغم المنافسة الإقليمية، فإسرائيل تمكنت من أن تعتمد بشكل أساسي على تصدير الغاز إلى أوروبا، التي تسعى إلى تقليل اعتمادها على الغاز الروسي، لا سيما بعد استخدامه كورقة ضغط من قبل موسكو نتيجة موقف الاتحاد الأوروبي من حرب أوكرانيا.

في هذا السياق، تطورت العلاقات بينهما في مجالات الطاقة، ولكن في إطار من التنافس أكثر من التعاون. فروسيا تشعر بالقلق من أن غاز إسرائيل قد يشكل “بديلاً جزئياً” محتملاً للغاز الروسي إلى الأسواق الأوروبية، خاصة في ظل العقوبات الدولية المفروضة على موسكو بعد تدخلها في أوكرانيا.

وكجزء من حل مشكلة المنافسة، أو الاستفادة منها على الأقل، طمحت الشركات الروسية حالها حال شركات الطاقة العالمية إلى الاستثمار في هذه الموارد، وبحيث تحصل موسكو على حصتها من الإنفاق الأروربي على استيراد الطاقة، سواء من خلال تصديره أو الاستثمار فيه خارجياً. فرغم أن إسرائيل تركز على تصدير الغاز إلى أوروبا من خلال شراكات مع قبرص واليونان، إلا أن روسيا ستحتفظ دائماً بدورها الرئيسي في أسواق الغاز العالمية، حتى لو كلفها الأمر خوض حروب كحرب سوريا التي منعت مد خط الغاز القطري إلى تركيا ومنها إلى أوروبا.

وبالإضافة إلى القوة العسكرية، تستثمر موسكو في القوة الاقتصادية للحفاظ على نفوذها وتوسيع شراكاتها مع دول الشرق الأوسط وتقديم الدعم التقني والتكنولوجي لبعض المشاريع الغازية وعلى رأسها إسرائيل. وحالياً، تجري مفاوضات حثيثة بين بين إسرائيل وشركة “بروم” الروسية بهذا الشأن، وخلافات السياسة لم تنتقل إلى الاقتصاد.

في هذا السياق، يبرز مشروع “EastMed” كأحد أهم المشاريع التي تشكل تحدياً لروسيا. يهدف هذا المشروع إلى نقل الغاز من إسرائيل وقبرص عبر اليونان إلى أوروبا، وهو ما يعزز من تقليل الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي. هذا المشروع مدعوم بقوة من قبل الاتحاد الأوروبي، الذي يسعى لتأمين مصادر بديلة للطاقة في ظل التوترات مع روسيا​، لذا فالمساس بالتفاهمات التي تحدث في ملف الغاز بين إسرائيل وروسيا يعنى رفع التوتر إلى أقصى درجة، أولاً لأنه سيتسبب بإقصاء موسكو نهائياً من صفقات غاز المتوسط، وثانياً لأنه سيقلل صادراتها إلى السوق الأوروبي، وثالثاً لأنه سيشكل تحدياً مباشراً لمصالحها ومواجهة مباشرة مع تل أبيب، وهو ما لا تسعى إليه أياً منهما

تعاون آخر عملاق، وأكثر غرابة يجمع الثنائي هو التعاون في مجال التكنولوجيا العسكرية، والغرابة تأتي من العداء الذي يجمع كلتيهما مع حلفاء الأخرى، إلا أن العقود القانونية -السرية غالباً- التي تحكم حقوق الملكية الفكرية لكل ما قد ينتج عن التعاون المشترك في هذا المجال، لا تسمح بتصدير المنتجات إلا بموافقة الطرفين.

أبرز اتفاقيات التعاون العسكري بين موسكو وتل أبيب وقّعت في العام 2010، وآتت أكلها في التنسيق العسكري المشترك -والدقيق- في سوريا، فمنذ التدخل العسكري الروسي في سوريا في العام 2015، عملت روسيا وإسرائيل على إنشاء ما أسمتاه “آلية عدم التصادم” لتجنب وقوع اشتباكات بين قواتهما في الأجواء السورية.

هذه الآلية مكّنت إسرائيل من تنفيذ ضربات جوية ضد أهداف إيرانية وحزب الله في سوريا دون أن تتصادم مع القوات الروسية المتواجدة في المنطقة أو تضر بقواعدها، وفي نفس الوقت مكّنت الطائرات الروسية الحربية من التحرك بحرية في السماء السورية لضرب المعارضة -بما فيها المدعومة أمريكياً​- دون احتمالات لتصادم مع الطيران الإسرائيلي، والأهم دون أن تضطر أيا منهما لكشف خطط الضربات مسبقاً.

إقرأ أيضا : المسلسلات السورية تعود بقوة في رمضان 2025

بحسب دراسة لمركز الأهرام للدراسات كانت هذه الآلية العسكرية على أجندة “قمة سوتشي” التي عقدت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك نفتالي بينيت في 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، تقول الدراسة: “جاءت الزيارة بعد ظهور عدد من المؤشرات بوجود توتر في العلاقات بين البلدين؛ بشأن تجاوز التفاهمات التي كانت قائمة بين بوتين ونتنياهو بخصوص سوريا وآلية عدم التصادم، عكستها بيانات وزارة الدفاع الروسية التي دخلت لأول مرة على الخط، مع تفعيل أنظمة الدفاع الروسية لصد الهجمات الإسرائيلية في سوريا”.

اللافت حينها، أنه وفي نفس الوقت، وكعادة موسكو في الحفاظ على توازن ما جميع الأطراف، جاءت زيارة رئيس الأركان الإيراني محمد باقري قبل أيام فقط من زيارة بينيت تلك إلى قمة سوتشي، والتي أشاد فيها باقري بالعلاقات العسكرية الوثيقة بين طهران وموسكو.

الدور الروسي في الحد من الضربة الإسرائيلية على إيران

لعب دور الوسيط القادر على استخدام القوة الناعمة، يأتي كميزة إضافية للعب دور الدولة غير المنحازة والقادرة على تقريب وجهات النظر بين الغرماء، وهو الدور الذي أدته روسيا بنجاح في تحذير إيران بوجود تحركات عسكرية أميركية وإسرائيلية.

وبحسب موقع أكسيوس، فقد أرسلت إسرائيل رسالة إلى إيران قبل غاراتها الجوية الانتقامية محذرة إياها من الرد، وبحسب المصادر، فإن الرسالة الإسرائيلية كانت محاولة للحد من تبادل الهجمات المستمر بين إسرائيل وإيران ومنع تصعيد أوسع.

تقارير عالمية وإسرائيلية أشارت إلى أن التحذيرات الروسية من الهجمات الإسرائيلية كانت فعالة، خاصة تلك المرتبطة بالصواريخ والدفاع الجوي، ليس فقط على المستوى العسكري، بل كذلك على المستوى السياسي.

وعلى الرغم من أن الصحافة العالمية عزت معظم الفضل إلى الدبلوماسية الأمريكية -الديمقراطية تحديداً-، إلا أن التدخل الروسي لم يكن أقل تأثيراً على القرار الإسرائيلي النهائي، لا سيما وأن التحذير الروسي الأخير قبل الضربة كان شديداً وحاسماً، حيث قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف إن “موسكو تحذر إسرائيل حتى من مجرد احتمال طرح ضرب المنشآت النووية الإيرانية”، وإن هذه الخطوة -إن حدثت- فإنها ستشكل “إلغاءً نهائياً للمبادئ القائمة في مجال السلامة النووية”، وهو ما يضر بمصلحة إسرائيل نفسها كقوة نووية، وما يحرك القيود المفروضة على الطاقة النووية سواء التي تستخدم لأغراض سلمية أو عسكرية.

استيعاب حالة التصعيد التي كادت أن توصل إلى حرب إقليمية، لم يتم بجهود روسية أمريكية مشتركة بل منفصلة، وحتى وإن صبّت لصالح هدف واحد.

وبحسب التقارير، فقد استفادت روسيا وإسرائيل من دينامكيات “آلية عدم التصادم” التي تم تطويرها في سوريا، في التحذير الذي أوصلته إلى إيران، حيث أن روسيا، رغم تحالفها مع إيران في سوريا، لا ترغب في حدوث تصعيد كبير قد يؤثر على مصالحها الإقليمية، وهنا يكمن “التوازن الدقيق” بين دعمها لإيران، والحفاظ على علاقات مستقرة نسبياً مع إسرائيل، التي تستهدف باستمرار الشحنات والأسلحة الإيرانية الموجهة لحزب الله والجماعات المسلحة الأخرى في سوريا، دون أن تضر بالمصالح والقواعد والقوات الروسية.

لماذا التسامح الروسي مع التجاوزات الإسرائيلية؟

منذ بدء الحرب على غزة، وصولاً إلى الحرب على لبنان وحتى الضربة الإيرانية، تعزّز التعاون بين روسيا وإيران، الأمر الذي قد يفسّره البعض بأنه “تقوية لأعداء إسرائيل” على أقل تقدير، نظراً لعمليات تهريب الأسلحة وتمكين القدرات العسكرية التي عززت بها إيران قدرات وكلائها في المنطقة، وعلى رأسهم حزب الله، وإسرائيل.

التعاون الروسي الإيراني، خاصة فيما يتعلق بتطوير الطائرات بدون طيار والدعم العسكري، أثار انتقادات من عدة مصادر أمريكية وإسرائيلية، إذ تشير التقارير إلى أن روسيا وإيران تعملان على تعزيز تعاونهما العسكري في ظل العزلة الدولية التي تواجهها موسكو بسبب الحرب في أوكرانيا. إحدى الشكاوى الرئيسية من الجانب الأمريكي هي استخدام الطائرات الإيرانية بدون طيار من قبل روسيا في أوكرانيا، وهو ما يُنظر إليه على أنه تهديد أمني لأوروبا والولايات المتحدة على حد سواء.

إسرائيل كذلك قلقة من هذا التعاون، خاصة أن إيران تستفيد من الدعم العسكري الروسي لتطوير قدراتها الجوية والدفاعية، ما يشكل تهديداً مباشراً لإسرائيل. بعض التحليلات تشير إلى أن هذا التعاون قد يؤدي إلى تغيير في ميزان القوى في الشرق الأوسط إذا استمرت روسيا في تقديم أنظمة دفاع جوي وطائرات متقدمة لإيران.

في الصحافة العبرية، ظهرت العديد من الانتقادات للتعاون العسكري المتزايد بين روسيا وإيران، لا سيما في ظل التوترات الأخيرة في المنطقة. صحيفة “Ynet” نشرت تقريراً يشير إلى أن العلاقة المتنامية بين موسكو وطهران باتت تمثل تحدياً كبيراً لإسرائيل، خاصة بعد الدعم الروسي الصريح لإيران في أعقاب الهجمات على إسرائيل.

وتم وصف التحالف بين البلدين بأنه تعميق للشراكة الاستراتيجية، حيث تعتمد روسيا على الدعم العسكري الإيراني في أوكرانيا، في حين تستفيد إيران من التكنولوجيا العسكرية الروسية مثل الطائرات المقاتلة المتطورة “SU-35” ونظم الدفاع الجوي. هذه العلاقة تشكل تهديدًا مباشرًا لإسرائيل، خاصة مع تصاعد التوترات واحتمالية تصاعد المواجهات في سوريا واليمن، حيث تدعم إيران وكلاءها​.

هذا “التعاون المتزايد”، إذ قد يؤدي إلى زيادة تعقيد العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا، حيث تحاول إسرائيل استهداف شحنات الأسلحة الإيرانية المتوجهة إلى حزب الله. كما أن هناك خشية من أن يؤدي هذا التحالف إلى تطور تقنيات الدفاع الجوي الإيرانية، ما يعقّد مهام إسرائيل الدفاعية والهجومية في المنطقة​.

وتُظهر الوثائق أن روسيا زودت إيران بمعدات عسكرية، مثل طائرات مقاتلة ومروحيات هجومية، كما أنها تفكّر في تقديم أنظمة دفاع جوي في المستقبل. التعاون العسكري بين البلدين، الذي شمل استخدام الأسلحة الروسية من قِبل حماس بحسب معهد كارنيغي، يُظهر تضاربًا في المصالح الروسية. حيث تُحافظ روسيا على علاقات اقتصادية قوية مع إسرائيل، لكن تصاعد دعمها لإيران وحلفائها، مثل حماس، يعزز من دورها كلاعب عسكري مؤثر في المنطقة​.

لكن وعلى الرغم من تعزيز علاقاتها مع طهران، حاولت موسكو -كعادتها- الحفاظ على دور الوسيط. ومثلما سعت إلى التوسط بين سوريا وتركيا حول الأوضاع في شمال سوريا، لعب دوراً آخر في المفاوضات بين من إسرائيل وإيران.

يرى بعض المحللين أن تغذية روسيا لـ”أعداء إسرائيل” بالسلاح، يجبرها بشكل أو بآخر على التسامح مع الضربات الإسرائيلية لحلفائها في سوريا وإيران ولبنان -حزب الله-، وإلا فإن انحيازها لمحور المقاومة سيعتبر نهائياً!، ويعد عملاً عدائياً ضد إسرائيل بشكل مباشر.

لماذا التسامح الإسرائيلي مع تسليح الأعداء؟

تشير  دراسات لإسرائيلية إلى أن حَمل معظم مواطنيها لجنسيات أخرى يشكل نقطة ضعف في المجتمع متعدد الأصول، إلا أن نقطة الضعف هذه قد تصبح نقطة خطورة وخاصرة رخوة لدى الحديث عن الإسرائيليين من أصول روسية.

بحسب أحدث الإحصائيات، يقدر عدد الإسرائيليين الروس أو من أصول روسية بحوالي 1.3 مليون شخص، ويصل في بعض التقديرات إلى 1.5 مليون. هذا العدد يشمل المهاجرين من روسيا والبلدان السوفيتية السابقة الذين هاجروا إلى إسرائيل، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في التسعينيات. هؤلاء لعبوا ولا زالوا دوراً كبيراً في المجتمع الإسرائيلي، سواء من الناحية الاقتصادية أو الثقافية، والأهم السياسية.

فالجالية الروسية في إسرائيل تتمتع بتأثير كبير على الساحة السياسية والاجتماعية، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات بين روسيا وإسرائيل. كثير منهم يحافظون على روابط ثقافية ولغوية مع روسيا، وهذا يخلق ديناميكيات معقدة في حالة توتر العلاقات بين الدولتين، حيث يمكن أن تتأثر الجالية بشدة بأي تغييرات في السياسة الخارجية، وبالضرورة يمكنها أن تغيّر من نتائج أي انتخابات، هذا في حال اتخذ عدم رضا الجالية الروسية شكلاً ديمقراطياً بحتاً.

أحد اللحظات التي تكتل بها الإسرائيليون الروس وثبت حجمهم وتأثيرهم بها في المجتمع، كانت بسبب تصريحات أدلى به الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، حين عبّر فيها عن اعتقاده بأن اليهود الروس هم المجموعة الأقل رغبة بالتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، خصوصا وأنهم هاجروا إلى بلد يعتبرونه مستقبلهم ولا يجوز تقسيمه، غضب اليهود الروس فى إسرائيل واعتبروها تدخلاً فى الشأن الإسرائيلى الداخلى.

وبالتالي، فالحرص على عدم إغضاب 15% من إجمالي سكان إسرائيل، أو على الأقل تحفيزهم ضد “دولتهم الجديدة” لصالح شعورهم بالانتماء لـ”دولتهم القديمة” هو من أسس السلم الاجتماعي التي تقوم عليه إسرائيل في تعاملها مع مواطنيها الذين يأتون من أصول مختلفة.

الروليت الروسي

رغم كَم ونَوع المصالح المتضاربة التي تقف بين موسكو وتل أبيب، لكن يبدو أن قدرة كلتاهما على تخطي الأزمة المؤجلة بينهما ناجحة إلى حد كبير حتى اليوم، وقادرة على تجنيبها للمواجهة الحقيقية، فالأمر أشبه بلعبة الموت “الروليت الروسي” التي لا يزال مسدسها بارداً.

في نفس الوقت، ورغم قوة الآلة العسكرية الإسرائيلية، إلا أن واقع موازين القوى في العالم يقول بأن هناك دولتين لا يريد أحد الدخول في عداء أو حرب معها، هما الولايات المتحدة وروسيا، وإسرائيل ليست استثناءً في هذه الرغبة، حتى وإن اقتضى الأمر أن تتنازل عن قوة ضربتها التاريخية على إيران لصالح الإبقاء على “العلاقة المتوازنة” مع روسيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى