الرئيس الأرجنتيني ينتقل من منتهى الفظاعة إلى ما هو أفظع!
شرعت محكمة إسبانية الشهر الماضي، في النظر بشأن تهم بالفساد المالي، كانت منظمة إسبانية لمكافحة الفساد قد تقدمت بها في حقّ السيدة الأولى. وعلى إثر تلك البلبلة، جيّشت المعارضة آلاتها الإعلامية، مطالبة رئيس الحكومة سانشيز بالاستقالة.
عندما أعلن الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي أنّ زيارته الأولى إلى إسبانيا بعد تولّيه الرئاسة، سيخصّصها لصديقه سانتياغو أبسكال، زعيم حزب “فوكس” اليميني المتطرّف، رافضًا لقاء رئيس الحكومة بيدرو سانشيز، والملك فيليبي، اعتبرت الصحافة الإسبانية أن ذلك منتهى الفظاعة، ولم تتوقّع أن الرئيس ميلي سيقترف ما هو أفظع، من قلب مدريد.
فقد أقدم الرئيس ميلي عبر تصريحاته في اليوم الأوّل من زيارته، نهاية الأسبوع الماضي، على فتح النار على الحكومة الإسبانية، وارتفعت نبرته في يومه الثاني، ليتفوّه بأقذع اللعنات والإهانات ضد رئيس حكومتها سانشيز. وهو ما دفع الخارجية الإسبانية لاتّخاذ مواقف حاسمة، قد تؤدّي إلى قطيعة دبلوماسية مع حكومة ميلي هذه المرّة.
فقد أعاد نشر ما يقارب عشرين تغريدة، في غضون ساعة واحدة، لشخصيات حليفة أبدوا إعجابهم بأدائه في مدريد، وتغريدات تسخر من سانشيز، من بينها صورة كاريكاتيرية تُظهره كأسدٍ، وتصوّر سانشيز ككائن خشبي صغير هشّ، مثل الشخصية الكارتونية ماجد. وليس من المستبعد أن يحذف بعضها عندما يجتمع ببعض مستشاريه، كما فعل في مناسبات سابقة.
المعركة الأخيرة، إذن، بدأها الرئيس ميلي بشكل اندفاعي ظُهر الجمعة الماضي، خلال احتفالية احتضنها مقرّ صحيفة “لا راثون” اليمينية في مدريد؛ لإصدار دار نشر إسبانية كتابًا جديدًا للرئيس ميلي، وعنونت الاحتفالية على صفحتها في منصة “X”، بقول للرئيس ميلي: ” النظم اليسارية هي سرطان الإنسانية”، وهو قول مقتطع من المحاضرة التي فاضت كعادة الرئيس ميلي بالدعاية للأنظمة اليمينية المتطرفة والرأسمالية الفوضوية، في المقابل، أشبع النظم اليسارية نقدًا وشتمًا، مُتألّما لحال إسبانيا!! واستمرّ في نعت النظام الإسباني الحاكم بالبائس والفاسد وسط تهليل من الحضور.
رئيس الحكومة الإسبانيّ سانشيز، ردّ في اليوم التالي، خلال فعالية مع أنصار حزبه في برشلونة، في إطار الحملة الانتخابية الخاصة بالبرلمان الأوروبي، قائلًا فيما معناه: إن الرئيس الأرجنتيني وأمثاله من زعماء اليمين المتطرف، يتطاولون على النظام الحاكم في إسبانيا في عقر داره؛ لأنهم واعون جيدًا أنه نظام ديمقراطي، يكرّس التعايش وحرية التعبير، على عكس ما يؤمنون به هم من فُرقة وتناحر وإقصاء.
الغريب أنّ الرئيس الأرجنتيني، لم يتوقّف عن استفزازاته، وواصل حربه الكلامية على حكومة سانشيز، خلال اجتماعه صباح اليوم التالي مع ثُلّة من رجال الأعمال الإسبان؛ بهدف حثّهم على الاستثمار في الأرجنتين.
فتح النار
لكن نبرة الاستفزاز بلغت أَوجها، خلال اجتماع “أوروبا تحيا”، الذي نظّمه حزب “فوكس” الإسباني، في نسخته الثالثة، وحضره أغلب رموز اليمين المتطرف في العالم؛ حشدًا لمشاركة الحزب في انتخابات البرلمان الأوروبي، من أبرزهم زعيمة اليمين الفرنسي مارين لوبان، ونظيرتها الإيطالية جورجيا ميلوني، والوزير الإسرائيلي لشؤون المغتربين أميكاي شيكلي، وآخرون من القارتين: الأوروبية والأميركية.
ومن الواضح أنّ الرئيس الأرجنتيني ميلي أخذه الحماس وسط أنصار تياره، إلى مستويات غير مسبوقة خارج أرضه، دفع به إلى فتح النار بوابل من الشتائم والإهانات للنظام الحاكم في إسبانيا، ووصف زوجة “أحدهم”، بالفاسدة، في إشارة لا تخطئها العين إلى زوجة رئيس الحكومة سانشيز، السيدة بيغونيا غوميز.
فقد شرعت محكمة إسبانية الشهر الماضي، في النظر بشأن تهم بالفساد المالي، كانت منظمة إسبانية لمكافحة الفساد قد تقدمت بها في حقّ السيدة الأولى. وعلى إثر تلك البلبلة، جيّشت المعارضة آلاتها الإعلامية، مطالبة رئيس الحكومة سانشيز بالاستقالة، وهو ما لم يحدث. في المقابل، رأى بعض أنصار الحكومة أن أيادي إسرائيل وراء القضية؛ عقابًا لسانشيز على مواقفه الأخيرة مما يحدث في غزة.
وليست المرّة الأولى التي يتعرّض فيها الرئيس ميلي لذكْر زوجة سانشيز بالسوء، تصريحًا أو تلميحًا، وآخرها في البيان الذي أرسله مكتب الرئيس ميلي إلى الخارجية الإسبانية على خلفية تصريحات وزير النقل الإسباني منذ ثلاثة أسابيع، أشار فيها إلى عدم انسجام تصرفات الرئيس ميلي، وأنه يتعاطى مادة مخدّرة.
ورغم أن الأزمة الدبلوماسية كانت على وشْك الاشتعال، فإن الخارجية الأرجنتينية هدّأت من حدّة التوتر، وبقيت الأمور من الجانب الإسباني قيد تقييم أداء الرئيس ميلي خلال زيارته إلى مدريد، الذي أطاح بالبروتوكولات الدبلوماسية، ووطِئ أرضها للقاء زعيم حزب معارض متطرّف.
دوافع انتقاميّة
ويبدو أنّ الرئيس ميلي، كان ذاهبًا بشحنة انتقامية لا بأس بها، حيث كرّر في أحد تصريحاته خلال الزيارة أن رئيس الحكومة الإسباني سانشيز لم يهنّئه إلى اليوم بفوزه بالرئاسة، وكأنه يتوعّده بتأليب الناخبين الإسبان عليه.
والأغرب من ذلك، أنه أعلن أنه سيزور إسبانيا مجددًا في الشهر القادم، لتسلّم جائزة من معهد اقتصادي ذي ميول رأسمالية، في مدريد، والاكتفاء بلقاء شخصيات يمينية إسبانية.
الحكومة الإسبانية تحرّكت بحزم هذه المرّة، ووصفت تصريحات الرئيس ميلي بأنها تعدٍّ على سيادتها وتمثل “إهانة لإسبانيا ورئيس حكومتها”، وفقًا للبيان الصادر عنها، واستدعت يوم الأحد الماضي سفيرتها من العاصمة الأرجنتينية، إلى أجل غير مسمّى.
وطلب وزير الخارجية خوسيه ألباريس من الرئيس ميلي “تقديم اعتذار علني”؛ لتخفيف فظاعة ما اقترفه. وقد تدخل منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل والمنتمي للحزب الحاكم الإسباني، بتغريدة استنكر فيها أسلوب الرئيس ميلي، وقال فيها: إن “التهجم على أفراد عائلات الزعماء السياسيين ليس له مكان في ثقافتنا”.
وإزاء تمادي الرئيس الأرجنتيني في استفزازاته، صرّح رئيس الحكومة الإسبانية يوم أمس الإثنين: “بعيدًا عن المسائل الأيديولوجية، هناك شيء اسمه الأخلاق والوطنية، وجب مراعاتهما”. واستنكر العنف الذي دعا له زعيم حزب “فوكس” المتطرف، عندما قال في تغريدة: “هذه الحكومة وجب طردها ركلًا بالأقدام وسحلها”، في إشارة إلى حكومة سانشيز، في دعم للحرب التي أشعلها الرئيس ميلي.
وعلى عكس توقّعات المتفائلين، لم تفلح دائرة المستشارين للرئيس ميلي في تهدئته كالمرات السابقة، وتجنّب أزمة دبلوماسية مع بلد بحجم إسبانيا، بل عَكَسَ الرئيس الأرجنتيني الهجوم، مُطالبًا الحكومة الإسبانية بتقديم اعتذار له، بسبب “وابل الشتائم”، الذي وصفتْه به.
وبعيدًا عن وجاهة موقف الرئيس ميلي من عدمه في هذه الأزمة القابلة للتصعيد، فإنه لا أحد يُنكر أن شنّه الحرب – على رئيس الحكومة الإسبانية من قلب مدريد – تعدّ سابقة لم يتجرأ على اقترافها أيّ رئيس!a