الذكاء الاصطناعي في الهواتف سيجبرنا على الحذر مما نراه ونسمعه
تبذل شركة “ألفابت”، مالكة “غوغل”، جهوداً حثيثة لتزويد منتجاتها بأحدث ميزات الذكاء الاصطناعي، بما فيها ميزات ستجعلك تشك في كل ما تراه وتسمعه عبر الإنترنت.
تتيح هواتفها الجديدة من سلسلة “بيكسل” إمكانية التلاعب بالصور بسهولة، مثل إضافة أشخاص لم يكونوا موجودين في الصورة الأصلية أو تغيير مواقعهم. كما يمكنك تسجيل المكالمات الهاتفية، مع إشعار الشخص الذي تُحادثه بذلك، والحصول على ملخص مفصل للمحادثة.
تكشف هذه الميزات التي تبدو رائعة، وإن كانت مخيفة، عن اتجاه مقلق تقودنا إليه أدوات الذكاء الاصطناعي مع دمجها في المزيد من الهواتف. فكلما كان من السهل التلاعب بالمحتوى الذي نلتقطه على أجهزتنا، زادت صعوبة الوثوق بما نراه عليها أيضاً.
بالنسبة لهواتف “بيكسل 9” الجديدة، والتي ستُطرح للبيع في 22 أغسطس، ركزت “غوغل” معظم قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي على الكاميرا، وذلك بدعم من رقاقة “جي 4” القوية الموجودة داخل الهاتف.
تُقدم ميزة “أضفني” (Add Me) كبديل للزوايا والوضعيات غير المُريحة عند التقاط صور “السيلفي”. ويمكنك التقاط صورة لصديقك ثم يلتقط هو صورة لك، وبعدها يدمج الذكاء الاصطناعي من “غوغل” الصورتين لتبدو وكأنكما كنتما تقفان معاً.
صعوبة تحديد ما هو حقيقي
في عصر وسائل التواصل الاجتماعي ألا يُصبح من الأصعب تحديد ما هو حقيقي؟ خصوصاً مع تضاؤل احتمالية رؤية صورة غير مُعدلة بشكل كبير.
وفقاً لريك أوسترلوه من “غوغل”، الذي تولى مسؤولية منصة “أندرويد” التابعة للشركة في بداية العام الجاري، فإن الإجابة هي النفي القاطع. وأوضح في مقابلة مع صحيفة “وول ستريت جورنال”، أن “غوغل” تسمح ببساطة للناس بتحرير لحظات حياتهم الحقيقية، و”تخزين الذكريات بالطريقة التي يريدونها”، وهذا لا يختلف عن استخدام “فوتوشوب”.
مع ذلك، يعتبر الواقع مختلفاً تماماً. فالغالبية العظمى من الأشخاص الذين يلتقطون الصور بهواتفهم لا يدفعون 23 دولاراً شهرياً لاستخدام برنامج “أدوبي فوتوشوب” (Adobe Photoshop). لكن ملايين الأشخاص الذين يُرجح أن يشترون هواتف جديدة مدعومة بالذكاء الاصطناعي من “أبل” و”سامسونغ إلكترونيكس” و”غوغل” سيتمكنون من التلاعب بالصور ببضع نقرات. كما أن هواتف “أيفون” القادمة ستتضمن أداة “تنظيف” (Clean Up) لإزالة الأشياء والأشخاص من الصور، بينما ستتيح لك “سامسونغ” تغيير وضعية الأشخاص في الصور ليبدو وكأنهم يواجهون شخصاً آخر.
وسائل راحة
يُروج لهذه الميزات باعتبارها وسائل راحة، لكنها ستجعلنا نتساءل أيضاً أكثر حول دقة وواقعية الصور أكثر مما نفعل الآن.
في مقابلته، دافع أوسترلوه أيضاً عن إعلان تلفزيوني ترويجي لأداة الذكاء الاصطناعي “جيمناي” (Gemini) من “غوغل” خلال الألعاب الأولمبية، حيث يشجع الأب ابنته الصغيرة على استخدام الذكاء الاصطناعي لكتابة رسالة إلى رياضية لإخبارها “كم هي ملهمة”.
واجهت “غوغل” انتقادات لعدم إدراكها للسبب الحقيقي وراء مساعدة الآباء لأطفالهم في كتابة رسائل المعجبين، حيث يتلخص الأمر في عملية التعبير عن الامتنان. لكن أوسترلوه يعتقد أن هذا يشبه تماماً التحول من إرسال رسائل شكر مكتوبة بخط اليد إلى رسائل بريد إلكتروني، التي أصبحت “وسيلة للتواصل مع المزيد من الأشخاص”.
وبطبيعة الحال، فإن الجانب الآخر من التواصل مع المزيد من الأشخاص هو أنهم لن يعرفوا ما إذا كانوا يتواصلون مع إنسان حقيقي أم لا.
البيانات الشخصية مقابل الراحة
حتى الآن، كانت تكلفة أحدث وسائل الراحة التقنية هي المال والبيانات الشخصية والانتباه. فعلى سبيل المثال، استخدام خدمات “غوغل” يجعلك عرضة لبيع بياناتك الشخصية، مثل الموقع وسجل التصفح ومقاطع الفيديو التي شاهدتها وغيرها، لصالح شبكات إعلانية مختلفة لتتمكن من استهدافك بالإعلانات.
ويعتبر هذا الأمر أقل شيوعاً على أجهزة “أبل”، لكنك ستقضي على الأرجح ساعات في تصفح أحد أكثر الأدوات إدماناً في تاريخ البشرية إذا كنت تملك “أيفون”.
يبدو ثمن الميزات التقنية المُذهلة خفياً ومجرداً في البداية، لكنه يصبح أكثر وضوحاً بمرور الوقت مع انتشارها. يقضي الأشخاص حول العالم الآن نحو ست ساعات يومياً على الهواتف الذكية، وغالباً ما يأتي ذلك على حساب النوم أو الأطفال أو الأنشطة الأكثر فائدة.
كما تشير شركة “ستاتيستا” (Statista) إلى أن أكثر من 70% من الشركات الأميركية تجمع البيانات الشخصية الآن، فيما ذكر بحث “يوغوف” (YouGov) أن ثلثي المستهلكين حول العالم يشعرون بأن شركات التكنولوجيا تتحكم بشكل كبير في هذه التفاصيل.
إقرأ أيضا: أزمات الشرق الأوسط تصوت في إنتخابات أميركا
الثقة تتأثر بالذكاء الاصطناعي
ما هي التكلفة التي سيتحملها الناس عند نشر أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي على نطاق أوسع؟
يبدو أن الثقة تأتي على رأس القائمة، ليس فقط في شركات التكنولوجيا، بل أيضاً في ما نراه عبر الإنترنت، بما فيها الأشياء الحقيقية.
فعندما زعم دونالد ترمب أن الصور الرسمية للحشود في تجمعات المرشحة الجمهورية كامالا هاريس كانت مُولدة بالذكاء الاصطناعي، انتشرت الشائعة، التي كانت كاذبة، بين الملايين على منصة “إكس” ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى، بسبب احتمالية حدوث مثل هذا الأمر.
وسواء أردنا ذلك أم لا، فإن انتشار الهواتف المدعومة بالذكاء الاصطناعي سيجبرنا على أن نصبح أكثر حذراً بشأن ما نراه ونسمعه، ما لم نكن نريد أن تصبح النسخ المعدلة للواقع هي الوضع الطبيعي الجديد.