أمريكا

الدولة العميقة تمارس “التعذيب الأبيض” ضد جو بايدن

رجل له سجل حافل في ملفات حقوق الإنسان أثناء عمله في مجلس الشيوخ كما أنه وطني حصل على وسام الحرية الرئاسي ويستحق الاحترام الوطني. لكن لماذا يتعرض هذا في ظل هذه الإدارة والنظام للإذلال؟ وهو الذي أمضى عمراً في تحقيق الفخر لبلاده وعائلته ويستحق أن يقضي أيام تقاعده في هدوء

منذ أشهر يتعرض جو بايدن (81 سنة) وهو رئيس إدارة أكبر قوة وديمقراطية في العالم للاستهزاء من قبل الإعلام والناس. ويظهر مرة، بوصفه رجلاً يضل طريقه، ومرة يصافح موجودات غير مرئية ويضحك، ويسعى مرة للجلوس على كرسي ليس موجوداً أمام الكاميرات.

وكانت وسائل الإعلام البريطانية قد تناولت في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2021 موضوع خروج غازات المعدة من الرئيس الأميركي خلال لقائه الملكة الحالية كاميلا على هامش اجتماع التغيير المناخي في غلاسكو في اسكتلندا.

وكان بايدن الطاعن في السن فقد طريقه خلال اجتماع مجموعة “السبع” في إيطاليا ولم يعرف في أي اتجاه يجب أن ينظر إلى أن ساعدته رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني. وفي الشهر الماضي خلال مراسم في باريس حضرها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته أدار ظهره وظل ينظر إلى نقطة مجهولة.

عندما دخل بايدن مجلس الشيوخ عام 1972 كان أصغر الشيوخ سناً، وانتخب بعدها ست مرات على التوالي في المجلس، وعندما اختاره باراك أوباما نائباً له عام 2009 كان ضمن أربعة أكبر شيوخ في الكونغرس.

هو رجل له سجل حافل في ملفات حقوق الإنسان أثناء عمله في مجلس الشيوخ كما أنه رجل وطني حصل على وسام الحرية الرئاسي ويستحق الاحترام الوطني. لكن لماذا في هذه الإدارة والنظام يتعرض هذا الرجل للإذلال؟ وهو رجل أمضى عمراً في تحقيق الفخر لبلاده وعائلته ويستحق أن يقضي أيام تقاعده في هدوء.

رجل حقق مثل هذه الإنجازات وكان رئيساً للإدارة الأميركية لولاية، لماذا يصر على أن يكون رئيساً لولاية أخرى؟

يقال إنه في أكثر الولايات انتماء للديمقراطيين بعد كاليفورنيا أي نيويورك ونيوجرسي سيحقق دونالد ترمب الفوز مقابل بايدن، مما يعني أن عدم رضى الشعب الأميركي عن أداء بايدن ومشاهدة ضعفه وعجزه جعلهم يميلون إلى ممثل الجمهوريين.

لكن مع كل هذه التطورات أعلن البيت الأبيض الأربعاء الماضي أن بايدن وبعد الاستشارة مع عائلته أعلن أنه سيبقى مرشحاً عن الحزب الديمقراطي في الانتخابات المقبلة.

فما الذي جعل جو بايدن يقتنع أو أرغمه على أن يبقى مرشحاً للحزب؟

وكانت آثار الضعف في هذا الرجل الطاعن في السن يشاهدها الجميع في المناسبات المختلفة منها الضعف في الذاكرة وإطلاق كلام غير مفهوم خلال المناظرة مع ترمب.

وتؤكد استطلاعات الرأي أن الشعب الأميركي يعتقد أن جو بايدن عاجز وهناك شكوك حول سلامته الجسمية والعقلية.

وكانت نتائج آخر استطلاع لـ”رويترز” نشرت أخيراً أثبتت أنه من بين ثلاثة ديمقراطيين يعتقد أحدهم أن على بايدن الانسحاب من الترشيح للانتخابات.

وكانت وسائل الإعلام الداعمة لجو بايدن واليسارية منها في الولايات المتحدة مثل “نيويورك تايمز” قد طلبت من الرئيس الانسحاب من الانتخابات بعد أن شاهدت أداءه في المناظرة مع ترمب.

ومع وجود طلبات من داخل الحزب الديمقراطي والاستطلاعات التي تؤكد ضرورة انسحاب بايدن ونشر تقارير تحدثت عن احتمال هزيمة بايدن أمام ترمب تصرّ زوجته وعائلته على استمراره في التنافس.

فهل مصير 300 مليون أميركي وبلد اسمه الولايات المتحدة ويملك أكبر جيش واقتصاد في العالم ولا يوجد منافس له، رهن في يد امرأة اسمها جيل بايدن التي تتعامل مع زوجها مثل طفل وتسعى لتشجيعه دائماً، ألم يكن جو بايدن قادراً على تشخيص مصلحة بلاده وحزبه؟

قبل ثلاثة أعوام عندما خسر ترمب الانتخابات لصالح بايدن ودخل تحدياً قانونياً وقضائياً في شأن التزوير بالانتخابات، فتحت العشرات من الملفات ضد الرئيس السابق في الولايات المتحدة منها ملف الرشوة أو شراء صمت امرأة أقامت علاقة جنسية معه، وكذلك انتهاك قانون الضرائب من خلال إخفاء حقائق حول ممتلكاته.

وقضى ترمب كل وقته خلال الأعوام الثلاثة الماضية في المحاكم المختلفة في أنحاء الولايات المتحدة ليثبت أنه ليس مذنباً أو لصاً أو منتهكاً للقانون. وحضوره في المحاكم المختلفة سلب منه الاهتمام أكثر بحملته الانتخابية.

والعلاقة الجنسية في الولايات المتحدة بين الكبار في حال رضى الطرفين لا تعد جريمة شرط ألا يتم ذلك على سبيل كسب المال من خلال إقامة مثل هذه العلاقات. ومنح المال لشراء الصمت أيضاً لم يعد جريمة في الولايات المتحدة، لكن الممثلة الإباحية التي عملت علاقة مع ترمب قبل ثمانية أعوام وتلقت المال مقابل صمتها قررت هذه المرة اللجوء إلى المحاكم.

وكان حضور ستورمي دانيلز في المحكمة قد أثار شكوكاً بأن ترمب قد اعتدى عليها جنسياً، وأن المحكمة تسعى لاستعادة حقوقها من الرئيس السابق.

وبالنسبة لنا بوصفنا متابعين ونحن نشاهد دانيلز في المحاكم، قد نتصور أن جزاء من المحكمة سببها هذه العلاقة أو موضوع شراء صمتها. ففي الواقع الأمر لا يعود إلى أي من السببين. ومشاركة دانيلز في المحاكمة أمام ترمب تأتي لإحراجه، وخلافاً للصورة التي يقدمها الإعلام، حضورها ليست له علاقة بموضوع الملف المطروح ضده في المحكمة.

وبعد ثلاثة أعوام من فشل المحاولات ضد ترمب من أجل عرقلة ترشيحه عن الحزب الجمهوري فإن الأنظار انحرفت صوب موضوع صحة بايدن، والأضواء التي كانت مسلطة على ترمب تحولت إلى بايدن وعجزه وموضوع تقدمه في العمر ويتابع الإعلام موضوع صحته عن قرب.

ومع إصدار حكم من أعلى سلطة قضائية، ومنح الحصانة للرئيس السابق، فإن طريق الفوز أمامه بات معبداً.

ونقلت “رويترز” عن “مسؤولين مطلعين” أن 25 عضواً من الديمقراطيين في مجلس النواب يعملون على إصدار بيان من أجل الطلب من بايدن للتنحي عن تمثيلهم في الانتخابات الرئاسية.

وأمام الديمقراطيين شهران من أجل الإعلان عن مرشحهم رسمياً لكن البيت الأبيض أعلن أن الرئيس لن يتنحى عن الترشيح للانتخابات.

ومع مشاهدة عجزه في الحديث وحركته أثناء المشي، يطرح مرة أخرى موضوع تدخلات “الدولة العميقة” في الولايات المتحدة أي ما يعرفون بالمانحين الأساسيين والقطاع العسكري والأمني الذين يشكل نفوذهم المالي والأمني داعماً أساسياً للسياسات التي يقرها البلد.

وقد يكون عدم إعادة انتخاب ترمب في الانتخابات السابقة والقضايا القانونية والقضائية التي يخوضها منذ ثلاثة أعوام تعود إلى الدولة العميقة. هذه الدولة العميقة تسعى لإبقاء رجل طاعن في السن في السلطة من أجل منع فوز ترمب الذي أتى من خارج سياقات الإدارة والسلطة في البلاد.

في مثل هذه الحال فإن الحزبين والمرشحين يطلقون وعوداً كثيرة، لكن بعد الانتخاب ليسوا ملزمين بتنفيذها، والنموذج لهذا الأمر هو باراك أوباما الذي انتخب رئيساً في البلاد، وفي النقطة المقابلة ترمب الذي خاض نقاشاً عسيراً ضد حلف الشمال الأطلسي “الناتو” مع حلفاء أميركا الغربيين وكاد يؤدي إلى انهيار التحالف.

والأهداف الاستراتيجية والعسكرية الكبيرة للولايات المتحدة لم تسمح ببقاء ترمب أكثر من الفترة التي أمضاها في الإدارة الأميركية. وفوز بايدن مقابل الرئيس السابق بنسبة قليلة كان سببها آراء الولايات التي تعد النتائج فيها مصيرية وكان ذلك ضمن هذه السياسات.

وإذا ما رأت المؤسسة المالية واليسارية القوية التي تعمل بشكل غير علني ومعقد في إطار الدولة العميقة خطر فوز ترمب، فإنها قد تطلب في الشهرين المتبقيين من إعلان ترشيح مرشح الحزب الديمقراطي انسحاب بايدن من الانتخابات. لكن يواجه الديمقراطيون هاجساً آخر هو وجود كاميلا هاريس نائبة الرئيس التي لم تظهر من نفسها أداء ملحوظاً خلال الأعوام الماضية.

ففي حال عدم تقديم مرشح بديل على الطاولة من قبل الحزب الديمقراطي للتنافس ضد ترمب فإن الدولة العميقة تستمر في ممارسة “التعذيب الأبيض” ضد الرجل الطاعن في السن جو بايدن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى