اليمن

الحوثي حارس على طريق القدس أم طريق إيران وروسيا والصين؟!

أمام الغاضبين من العدو الإسرائيلي وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني، فإن العمليات التي تطلقها جماعة الحوثي ضد الموانئ والمدن الفلسطينية المحتلة، تأتي في إطار استراتيجية “وحدة الساحات” التي أطلقتها إيران.
لكن هناك وجه آخر لتلك الساحات تتعلق بموقعها ومُهمتها الموكلة إليها من تلك القوى المستفيدة منها، فإيران لا تقدم الدعم لجماعة الحوثي اعتباطاً، إذ إن موقع اليمن المطل على مدخل البحر الأحمر وبحر العرب، أهم من تلك الجماعة الشيعية المسلحة التي ترفع شعار “الموت لأمريكا وإسرائيل”! فإنها في مهمة أكبر من تحرير القدس، تتعلق بمنح طهران “القنبلة الذرية البديلة” في إطار مساعي الجمهورية الإسلامية لاستعادة التوازن لصالحها في الإقليم.
وهناك مهمة أخرى تتعلق بالمحور الشرقي الذي تنتمي إليه إيران، والذي يعمل على تفكيك النظام الدولي وإعادة بنائه بما يخدم استعادة القوى القديمة موقعها في المعادلة الدولية التي لا تزال تميل كفتها ناحية الغرب.
ولذلك بينما الأوروبيون والأميركيون غاضبون بشدة من تهديدات جماعة الحوثي للسفن العسكرية والتجارية العابرة مياه البحر الأحمر، لم يظهر الروس أو الصينيون قدرَ الغضبِ نفسه، والسبب يرجع لقدرة حليفهم الإيراني على التحكم في الجماعة اليمنية وتوجيهها نحو أي سفينة يجب عليهم استهدافها.
ولا إنكار أن تهديدات الملاحة عند باب المندب والبحر الأحمر تهديد لمصالح حلفاء إيران أيضاً، فإن روسيا لديها قلق من ارتفاع تكلفة توريد نفطها الرخيص الذي هو أحد أسلحتها لمواجهة العقوبات الغربية. والصين يمثل لها البحر الأحمر أحد أهم ممراتها في إطار مشروعها “الحزام والطريق”.
لكن هناك منافع أخرى من وراء ما يحدث عند تلك المنطقة التي تربط بين أوروبا وأسيا وأفريقيا. وهو ما دفع الولايات المتحدة الأميركية أن تقلق من دخول روسيا على خط تسليح الحوثيين بجانب إيران، خاصة أن الحربين في غزة وأوكرانيا مبرران للقيام بتقديم ذلك الدعم العسكري بما يخدم مصالح استراتيجية أكبر.

إعادة الاعتبار لجغرافيا جديدة

ما يحدث في البحر الأحمر يتعلق باستراتيجية إيران التي تقوم على استثمار الحجم الكبير للأزمات التي تواجهها مع القوى المعادية الإقليمية والدولية. ولذلك لا يجب التعامل مع سلوك طهران على أنه يقوم على مبدأ المناهضة لا أكثر! فإن الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، الذي رحب الجميع بقدومه، لعِلة ارتباطه بمعسكر التيار الإصلاحي، حينما أعلن الخطوط العريضة لسياسته الخارجية، في مقال بصحيفة “طهران تايمز”، قدم الكثير من الشكر والثناء لكل من روسيا والصين، بيد أنّه من أنصار التوازن بين الشرق والغرب، لكنه يدرك أن الاتفاقيات الاستراتيجية مع تلك الدولتين، هي قرار النظام لا الحكومة، وهو أمر لا يعارضه، فإنه يعيد الاعتبار لجغرافيا مناطق ضعفت أمام الأحادية الغربية. وتكتلات سياسية واقتصادية مثل مجموعة شنغهاي أو بريكس أو الاتحاد الاقتصادي الأوراسي لا يمكن أن تكتسب مكانتها الدولية دون إعادة الاعتبار لمكانة جغرافيتها ضمن ممرات التجارة الدولية.
ولذلك فإن ما يقوم به الحوثيون مُهمة من أجل إعادة تشكيل النظام الدولي لصالح تلك القوى الأسيوية التي تريد دفع حركة التجارة الدولية نحو ممراتها. إن كتلة اقتصادية مثل مجموعة شنغهاي (الصين، كازاخستان، قرغيزستان، روسيا، طاجيكستان، أوزبكستان، الهند، باكستان، إيران) لا تريد حصر حركة تجارتها على تلك الدول المتجاورة، بل ربط تلك الكتلة الجغرافية الواسعة بالعالم الخارجي عن طريق ممراتها للتجارة والترانزيت. وذلك بعدما يختار العالم الغربي بنفسه تلك الممرات البديلة، ما يضع بضائع تلك الكتل الأسيوية على مسار حركة التجارة الدولية الجديدة.
إن تقارير البنك المركزي الأوروبي وبنك إنكلترا تشير إلى تأثير كبير لما يحدث في البحر الأحمر على ارتفاع تكاليف الشحن الذي ينعكس على ارتفاع التضخم وإبطاء وتيرة خفض الفائدة البنكية، بالإضافة إلى اضطراب سلاسل الإمداد وحركة التجارة، وهو ما يتطلب البحث عن ممرات آمنة، خاصة أن القوى الغربية تجد نفسها وحدها هي المتضرر الأكبر من تلك التهديدات. فشركة الشحن “ميرسك” الدنماركية تتجنب المرور بالبحر الأحمر رغم عمليات الاتحاد الأوروبي الأمنية، بينما نظيرتها “كوسكو” الصينية لا تتجنب هذا الطريق!

ممرات على خريطة التجارة الدولية

كانت إيران تواجه شمالاً الصراع بين أذربيجان وأرمينيا والخطط التركية لعزلها عن ممر شرق-غرب (الصين، كازاخستان، قيرغيزستان، أوزبكستان، تركمانستان، بحر قزوين، أذربيجان، جورجيا، تركيا، أوروبا)، أو لديها قلق من إحباط مشروعها الدولي ممر شمال – جنوب (الهند – الخليج – إيرانو- جنوب القوقاز- روسيا/تركيا – أوروبا). لكن ما يحدث عند باب المندب، أعاد الاعتبار لإيران على خريطة حركة التجارة، فقد ارتفعت حركة الترانزيت عبر أراضيها بنسبة 58.5% خلال الأشهر الأربعة الماضية، لتصل إلى 7 ملايين و622 ألف طن وفق ما أعلنت الجمارك الإيرانية. وكذلك فإن تشغيل قطار الشحن بين الصين وإيران عبر أراضي كازاخستان وتركمانستان، كان نتيجة نشاط حركة الترانزيت عبر الأراضي الإيرانية في ظل تعثر الاتصال مع أوروبا عبر البحر الأحمر وقناة السويس.
كذلك أيضاً، فإن روسيا التي هي شريكة إيران في ممر شمال – جنوب، تستفيد مما يحدث في البحر الأحمر، فقد نشطت خطوط السكك الحديد الروسية التي تنقل البضائع من آسيا إلى أوروبا. كما سمحت للصين وإيران بمشاركتها في بناء قناة الفولجا-دون ضمن ما يسمى بخطة البحار الخمسة التي تهدف إلى إنشاء شبكة ملاحية داخلية بين البحر الأبيض وبحر آزوف وبحر قزوين والبحر الأسود وبحر البلطيق، وهو ما سيرتبط بشكل تلقائي بالممرات الأسيوية الجديدة.
والمحصلة، أن المناورات العسكرية المشتركة بين روسيا والصين وإيران المتكررة في المحيط الهندي وبحر عمان وبحر قزوين، هي مؤشر عمليّ على الاستعداد لتأمين حركة التجارة والترانزيت عبر الممرات الجديدة، التي هي مفتاح لوضع التكتلات الاقتصادية الأسيوية على خريطة التجارة الدولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى