السلطة الفلسطينية

الحوار الوطني الغائب!

الغريب أن حواراً وطنياً جاداً من أجل رأب الصدع لم يتم، وأن كل ما يجري هو دعوات من هنا وهناك لحوار فصائلي لا تنتج عنه إلا بيانات تؤكد على أهمية الحوار وتدين العدوان كأننا بحاجة لأن نتأكد أننا كلنا ضد العدوان وأننا كلنا نريد الوحدة الوطنية

لم تنتفِ الحاجة لنقاش وطني يوماً بل كانت دائمة ملحة وضرورية، ولكنها في هذا الوقت تبدو أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى مع استمرار الحرب الشرسة على شعبنا.

النقاش الوطني الشامل وحده من شأنه أن يخلق حالة من الوفاق العام يتم خلالها تطوير مقاربات تنجح على الأقل في تقديم وجهة نظر فلسطينية واحدة حول ما يجري وحول المستقبل المأمول بعد انتهاء الحرب.

الغريب أن حواراً وطنياً جاداً من أجل رأب الصدع لم يتم، وأن كل ما يجري هو دعوات من هنا وهناك لحوار فصائلي لا تنتج عنه إلا بيانات تؤكد على أهمية الحوار وتدين العدوان كأننا بحاجة لأن نتأكد أننا كلنا ضد العدوان وأننا كلنا نريد الوحدة الوطنية.

ومع التقدير الواجب لجهود كل الدول التي تستضيف هذه الحوارات وتلك اللقاءات فإن الأساس يكون ثمة شعور بالحاجة لوجود نقاش وطني يفضي لوجود موقف واحد وتحرك واحد ومشترك من أجل وقف العدوان، بمعنى أننا لسنا بحاجة لوسيط لنتحدث يمكن لنا أن نتحاور كما يفعل أعضاء العائلة الواحدة داخل البيت.

من المؤكد أن العالم عاجز عن الضغط على دولة الاحتلال من أجل أن توقف العدوان، وهي لن تفعل ذلك رغم أن النقاش حول التهدئة أو وقف إطلاق النار أو أي شيء يبدو مثل أحجية لم يعد يفهمها أحد، تقترب فجأة وتبتعد فجأة أخرى.

ورغم أن ثمة أماني كبيرة داخل كل فلسطيني بأن تتم الصفقة بأي شكل بسبب الخوف المتزايد على الأهل في قطاع غزة، ورغم الكثير من الإشارات الحقيقية حول فرص التوصل لصفقة فإن ثمة ما يدعو دائماً لعدم الإبحار في الأمل حتى لا نصاب بالكثير من الخيبة. العالم لن يستطيع أن يضرب إسرائيل على يدها حتى توقف العدوان ولن تتحرك جيوش أي دولة عربية أو إقليمية أو أجنبية لردع القتلة وسيكون علينا توقع أن تستمر الحرب أكثر وأكثر.
وأظن أنني كتبت على صفحات «الأيام» أننا قد نكتب مقالاً في الذكرى السنوية الأولى لاندلاع الحرب.

وهذا قد يحدث ونتمنى ألا يحدث مع هذا. وعليه فإن وقف العدوان يجب أن يكون المهمة الأولى لأي توجهات فلسطينية مشتركة، والجهود لوقف العدوان يجب ألا يتم القيام بها بشكل منفصل وكل تنظيم أو حزب يقوم بها على حدة.

إن من يتعرض للإبادة هو شعبنا كله وعليه فإن ثمة حاجة للتفكير لمرة واحدة بضرورة وجود جهود جماعية لإنقاذ هذا الشعب من المزيد من القتل.

ما الذي يجري؟ تذكروا أن إسرائيل تفاوض وتواصل القتل. العالم كله يتحدث عن مفاوضات وعن حوارات لإنجاز صفقة فيما الطائرات الإسرائيلية تواصل القصف والتدمير.
وفي ظل النقاش حول الصفقة فإن ثمة طرفاً فلسطينياً يجب التركيز على مواقفه وبالتالي التركيز على رفضه مثلاً وعدم حدوث تقدم بسبب بعض هذه المواقف وبالتالي يتساوى الجميع في الإصرار على مواصلة الحرب.

هذه كانت خطة إسرائيلية ونجحت فيها تل أبيب. العالم يتحدث عن الصفقة وعن مواقف كل طرف فيما الشهداء يرحلون في كل لحظة.

أيضاً هذا الوضع قد يستمر لأشهر قادمة ولا توجد ضمانات أنه قد يتوقف.

حتى لو تم التوصل لاتفاق مؤقت سيريح الناس قليلاً فإنه سيظل مؤقتاً، وما هو مؤقت قد يتحول لدائم.

أيضاً الأوضاع في القطاع تدهورت بشكل كبير، والحرب تواصل حصد المزيد من الأرواح وتواصل تدمير المكان واقتلاع كل شيء من الحاضر للماضي. فالقطاع تدمر بشكل شبه كامل وبصرف النظر عن الأرقام حول نسبة ما تم تدميره من المباني فإن أقل الإحصاءات والبيانات تبدو مرعبة، إذ إن أقل تقدير أن نصف ما يوجد في القطاع من منشآت ومبانٍ بما في ذلك المدارس والجامعات والمستشفيات والعيادات قد تم تدميره بشكل جزئي أو كامل. أيضاً ماكينة القتل الإسرائيلية أعملت كل بشاعتها بحق المواطن الفلسطيني إذ استشهد وجرح قرابة 7% من سكان القطاع، وخرج عدد ليس أقل من ذلك إلى خارج القطاع فيما يمكن اعتباره نزوحاً خارجياً.

هذه أرقام مهولة وكبيرة نسبة لأي حروب سابقة لأنها تعني لو أن دولة عدد سكانها 100 مليون فإن 7 ملايين قتلوا وجرحوا و7 آخرين تركوا البلاد.

مع كل السابق نحن بحاجة لأن نعيد التفكير في حوارنا الوطني وأهدافه وغاياته وكيف يمكن تحقيقها.
إن الواضح أن ما يجري بيننا حول حوار من أجل الحوار، من أجل أن نقول إننا نتحاور.

لم يسبق أن جلسنا كما يجلس أفراد العائلة الواحدة لحل تفصيل صغير بينهم.

بعد أسابيع سيصادف مرور 17 عاماً على الانقلاب وما نتج عنه من انقسام وقد تكون الحرب مستمرة تعمل فينا قتلها وتشريدها دون تمييز، في رسالة لا يمكن ألا تكون واضحة إلى هذا الحد، فالمستهدف هو وجودنا. كما أن الأسبوع القادم ستمر ذكرى النكبة الـ 76 وشعبنا في نكبة متجددة لكنه غير قادر على التفكير بصوت واضح وواحد.

وفيما لو تم إيقاف الحرب وتم التوصل لتهدئة فإن الحاجة لحوار وطني تصير أكثر إلحاحاً لضرورة وجود تصورات وطنية مشتركة للتعامل مع سياق ما بعد الحرب خاصة إعادة بناء القطاع وإعادة تكوين هياكله السياسية بما يقود لإعادة دمج الأطر الحكومية ومؤسساتها المختلفة ضمن هيكل السلطة العام، وبذلك يتم إنهاء الانقسام تمهيداً لحوار أعمق بشأن دمج الراغبين في منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة الفلسطينيين وواجهة عملهم السياسي.

هذا الحوار هو حاجة مستمرة في كل وقت وفي كل ظرف، وهذه الحاجة لن تنتفي مهما حدث.

عاطف أبو سيف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى