هل هناك أهم من المضمون الوطني؟ إذاً فكيف لا يكون السبيل هو ردّ الأمور إلى أصولها؟
وهكذا، فإن أهم عناصر الوجود السياسي شعب وأرض، أو أرض وشعب، لا فرق، فهما معاً، لا يتجلى وجود أحدهما إلا بالآخر.
تصالح وطني وحكومة خلاص وطني، وتعمير وبناء، وتقوية بنية الحكم عن طريق الديمقراطية، في سياق حلّ سياسيّ، يؤدي الى الدولة المستقلة، ويؤدي الى السلام على هذه الأرض، هل هناك طريق آخر؟
يرتبط إنهاء الاحتلال بإقامة الدولة، ويحتاج ذلك إلى توافق واتفاق الكل الفلسطيني، بدعم عربيّ واضح، يواكبه دعم عالمي، وبدعم خاص من الدول الكبرى، بمن فيها الولايات المتحدة. إذا نحن مع اختبار الوضوح والوفاق والوحدة والذكاء السياسي وحسن النوايا، فإن توفّر ذلك فلن يستطيع اليمين الإسرائيلي المتطرف من الاستمرار في غيه ومغامراته الخاسرة، فبالرغم من عمق العلاقة الإسرائيلية مع الولايات المتحدة، فإن مصلحة الولايات المتحدة استراتيجيا، وعلى المدى البعيد هي مع العالم العربي، أكثر منها مع إسرائيل. سيكون مناسبا للولايات المتحدة عمل تحولات هنا، أفضل لها من فرض حلول عن طريق العودة للاستعمار القديم، أي احتلال الدول العربية المؤثرة، التي يصعب أن تقول اليوم نعم لكل هذا الظلم.
اليوم التالي بمفهوم الفلسطينيين
الفهم الناضج فلسطينياً وعربياً لكيفية التعاطي مع العالم، من خلال خطاب عربيّ موحد، تحت الطاولة وفوقها، سيكون له الدور الحاسم، فحين تتفق التيارات السياسية في فلسطين، فسيكون ذلك قوة للسياسة العربية في التعامل مع الإدارة الأميركية الحالية ومن ستتلوها من إدارات.
تقوية بقاء شعبنا على الأرض هدف وغاية، فأي طريق توصلنا لذلك نسلكها، ولكن بشرط التمسك بالحقوق السياسية لشعبنا، وهي تلك الحقوق في الحد الممكن التي اشتملت عليه طرق الحلّ السياسي. وبالرغم من كون المشكلة السياسية متعلقة بفلسطين، ولكن بسبب تحول عام 1967، فقد تركز الحل على الأرض المحتلة عام 1967.
ولكن، وحتى لا نستمر في جلد أنفسنا، فإن سلطات الاحتلال ومنذ المقترحات الأولى للتسوية بدءاً بالقرارين 224 و338، لم تكن متقبلة للانسحاب من الأرض الفلسطينية المحتلة، بل كانت تلمح لتسويات مع دول الطوق، بما يمكن الانسحاب من الأرض العربية، بشرط تركها حرة في تقرير مصير الضفة الغربية وقطاع غزة. إن استقصاء الفعل السياسي والعسكري والاستيطاني لدولة احتلال هنا في الضفة الغربية لنهر الأردن وقطاع غزة، يؤكد على ما نمضي إليه. فلم تكن حكومات الاحتلال تريد دولة للجميع، ولم ترد طبعاً حل الدولتين، وتلك هي المشكلة التي عقّدت الأمور على الأرض فتعقدت الحلول.
لقد آن الأوان فعلاً تخلص الاحتلال من فكرة أن الشعب الفلسطيني هو مجرد تجمعات سكانية، يمكن التعامل معها من خلال إدارة الحياة اليومية، إذ كيف يتقبل أهل البلد الأصليون وجود مجموعات المستوطنين كشعب، ولا يتقبل المستوطنون المضمون الحقيقي للشعب الفلسطيني؟
«بدك عنب ولا تقاتل الناطور»؟
نريد عنبنا السياسي، وهذا ما نؤكد عليه كشعب؛ فتعمير غزة بأيدي شعبها، يكون في سياق حلّ سياسي لا يجب ربطه بسنوات الإعمار وإعادة البناء، فكل الدول التي تعرضت للعدوان والخراب، قد تم الفعل بوجود أهل البلاد، وفي ظل وجود سياسي للحكومات.
فعندما نقول تعمير، ووقف إطلاق النار (أو بالأحرى وقف الحرب علينا)، فإننا نتحدث عن المضمون الحقيقي، الذي يتجلى بإيجاد حلّ سياسي. وهنا، فإن الوجود السياسي الفلسطيني، بمنظمة التحرير، يحضر بقوة، ويزداد حضورا في أي تسويات مستقبلية، ولمنظمة التحرير التي تشكل السلطة الوطنية ذراعها، أن تكّون هيئات وأطراً لإدارة حياة الشعب الفلسطيني، تكون مرجعيتها السياسية. وعليه فللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، بدعم المجلسين الوطني والمركزي، أن تبدع الحلول الذكية، سواء في تشكيل الحكومات التوافقية وحكومات الخلاص الوطني، بدعم سياسي وطني لكل من هو قادر فعلا على الفعل، وهنا يصبح الكل الفلسطيني متحلياً بثقافة الفرسان الأكثر نبلاً؛ الكل للواحد والواحد للكل. وسيكون شعبنا في جميع الأوقات شاهداً ومقيماً ومراقباً لما يتم باتجاه خلاصه الوطني: إقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس. والظن أن الفرص الآن مناسبة لهكذا تفكير، بسبب النضج السياسي من جهة، وبسبب الآلام التي يعيشها شعبنا في كل مكان.
نحن جميعاً فلسطينيون، نحن الشعب الفلسطيني، نحن الأصل السياسي، وهذا هو الدور الوطني لمنظمة التحرير، فالمنظمة هي لشعبنا الفلسطيني، إنجاز عام وليس إنجازاً ذاتياً.
لذلك، وحتى لا نذهب باتجاه ما لا نحمد ذكره، من وجود «الوصي» على شعبنا العريق، فإن الكل الفلسطيني السياسي، وعلى رأسه منظمة التحرير الفلسطينية تستطيع من اليوم إنجاز حل ذكي، دون الانتقاص من دورها، لأنها هي أصلاً من ستسمي الإدارة والحكم، وهي مرجعيتها بالطبع. ولا ينبغي النفور من هكذا حلول حتى وإن تحدث عنها الأخوة والأصدقاء بل وحتى الأعداء.
تستمد منظمة التحرير قوتها أولاً من شعبنا الفلسطيني، ومن جامعة الدول العربية، كذلك من المؤسسة الأممية، فلا خوف على المنظمة إذاً من هكذا طرق، بل الخوف هو من عدم المبادرة.
ليس أمامنا الكثير من الوقت، «داوِ جرحك لا يتسع»، فلا مجال لترك الأمور للمزيد من الخلافات والاختلافات، والحكمة ضالة المؤمنين بفلسطين، وبالعروبة، فتسهيلاً على نتائج القمتين العربيتين، فلنكن رافعة قوية للعروبة السياسية، حتى تقوى وتقوينا، وإننا معاً قادرون.
المضمون: الفلسطينيون يحكمون أنفسهم ويديرون بلادهم، أما الشكل، فالمضمون يخلقه، أي وجود فلسطينيين وطنيين قادرين، يتم دعمهم من شعبنا وقياداته، فليس المهم حكم فصيل ما، بل حكم فصائل العمل الوطني والإسلامي عن طريق تفويض وطني واضح لمن هو مؤهل ليكون ممثلاً لخطابنا الفلسطيني الذكي قولاً وفعلاً بانتظار مستقبل قريب يتم اللجوء فيه لصندوق الانتخابات المعبّر عن إرادة شعبنا واختياراته. وهكذا يمكن الوصول لتوازن واضح ما بين منظمة التحرير والسلطة الوطنية، حتى يندمجا معا في دولة فلسطين المستقلة.
ربما يمكن التفكير بما كان من قبل، فكما نجحنا فيمكن أن يتكرر النجاح، بمواصلة المشوار، خاصة بتعمير قطاع غزة، وحماية المخيمات، وتفعل مؤسساتنا لتكون مؤسسات الدولة المستقلة.
تضحيات شعبنا تستحق الحكمة والعقلانية، لذلك تحضر الحاجة اليوم للحكمة الفلسطينية كما لم تحضر بقوة من قبل.