الحكومة الجديدة وأهمية دعم القطاع الزراعي
في ظل مواصلة مصادرة واستنزاف الأرض وما تحويه، والتحكم المتواصل في المعابر ونقاط الاستيراد، والتدمير الممنهج الذي نشاهده في قطاع غزة هذه الأيام للبشر والأرض والزراعة والمصادر الطبيعية المختلفة، فإننا بحاجة إلى اعتبار دعم القطاع الزراعي للإنتاج المستدام أولوية وطنية
في ظل أولويات وتحديات وتخبطات وقيود متعددة تواجه الحكومة الجديدة، وتضاؤل المساعدات والدعم المالي من الخارج، وفي ظل التحكم وفرض الشروط والقيود للحصول على مساعدات، بات دعم قطاعات إنتاجية ومن منطلق مستدام أولوية وطنية للحكومة الجديدة، ومن ضمن القطاعات الإنتاجية الأساسية، التي من المفترض إيلاء الاهتمام بها ودعمها بشكل مستدام، القطاع الزراعي في بلادنا، بمساراته المختلفة ومكوناته المتعددة.
وفي ظل مواصلة مصادرة واستنزاف الأرض وما تحويه، والتحكم المتواصل في المعابر ونقاط الاستيراد، والتدمير الممنهج الذي نشاهده في قطاع غزة هذه الأيام للبشر والأرض والزراعة والمصادر الطبيعية المختلفة، فإننا بحاجة إلى اعتبار دعم القطاع الزراعي للإنتاج المستدام أولوية وطنية.
فالدول تعتبر تنوع مصادر الإنتاج من الإستراتيجيات المستدامة للنمو وللحفاظ على الاقتصاد والمجتمع متماسكَين، والزراعة كأحد القطاعات الإنتاجية مرتبطة بالأمن الغذائي وتوفير الطعام بالكمية والجودة اللازمتين وفي كل الأوقات وتحت ظروف مختلفة، خاصة هذه الأيام حيث نشهد دولاً كانت تنتج وبل تصدر الغذاء ومن أهمها القمح، ثم أصبحت تعتمد على الاستيراد، وتطوف دول العالم لاستيراد القمح، تلك السلعة الأساسية لبني البشر وبأسعار تدفعها من العملة الصعبة.
وفي بلادنا، يعتبر القطاع الزراعي من القطاعات الإنتاجية التي نستطيع الحفاظ عليها ودعمها والتخطيط لها، خاصة هذه الفترة، مع تركيز أكثر في الاعتماد على الذات، والتوجه أكثر نحو الانفكاك تباعاً عن الجانب الإسرائيلي أو غيره وفي مختلف المجالات، ومع أهمية الاستثمار في قطاعات إنتاجية مستدامة، تدر الدخل وتشغل الأيدي العاملة وتحقق الأمن الغذائي وتزيد التصدير إلى الخارج، من المفترض أن يحتل القطاع الزراعي الأولوية لمشاريع وخطط الحكومة الجديدة التي تتوق إلى الدعم والإصلاح، سواء أكانت قصيرة أو بعيدة المدى.
والقطاع الزراعي في بلادنا كان له دور مهم، وساهم بنسبة جيدة في الناتج المحلي الإجمالي، ولكن حسب تقارير متعددة، فإن مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي قد تقلصت إلى أكثر من النصف، أي من حوالى 9% في العام 1999 إلى حوالى 5% أو أقل من ذلك خلال السنوات القليلة الماضية، ومن أسباب ذلك القيود على الوصول إلى الأرض والمياه، خاصة في المنطقة المصنفة “ج”، لكنّ هناك أسباباً أخرى يمكننا التحكم بها، ومن خلالها يمكن إيلاء الاهتمام المطلوب بهذا القطاع الإنتاجي المهم، وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي.
وتكمن قوة أو استدامة النمو الاقتصادي لأي بلد، أو ثبات وتواصل النمو في الناتج القومي الإجمالي السنوي، أو أداء الاقتصاد الكلي، بمدى تنوعه، أي بمدى تنوع القطاعات التي يعتمد عليها، من خدمات وسياحة وصناعة وزراعة وغيرها، وهذا ربما يفسر سر نمو وتنامي قوة أداء اقتصادات بعض الدول، بل وصعودها المتواصل إلى احتلال مواقع متقدمة ضمن أقوى اقتصادات العالم، وهذا يعني الاستثمار في قطاعات مختلفة ومنها قطاع الزراعة، سواء أكان في المجال النباتي أو في قطاع الإنتاج الحيواني.
ودعم القطاع الزراعي يشمل تقديم التسهيلات الضريبية والمالية للعاملين أو المستثمرين في الزراعة، والقيام بتوفير المواد التي تتطلبها الزراعة الحديثة من بلاستيك وأسمدة ومبيدات بأسعار مناسبة، والمزيد من الإرشاد الزراعي وبأنواعه، وكذلك فيما يتعلق باختيار المحصول والأرض، والإرشاد حول استعمال الكيماويات في الزراعة، وفيما يتعلق بالقطف والتسويق، والدعم يشمل المزيد من التخطيط الزراعي والنظرة الوطنية لذلك من حيث استخدام المياه والأرض، ومن حيث الاستهلاك المحلي أو التصدير.
والدعم للقطاع الزراعي يمكن أن يشمل التنسيق لحماية المزارع والمنتج الوطني، سواء من خلال العطاءات أو إصدار المواصفات والفحوصات المخبرية، والدعم يشمل التوجه نحو الأبحاث العلمية التطبيقية التي تعمل على تلبية حاجات هذا القطاع وحل مشاكله المحددة، والعمل على إيلاء الاهتمام بالتدريب الزراعي بدءاً من المدارس وحتى الكليات التخصصية، والعمل على تقديم الحوافز والضمانات للقطاع الخاص للتوجه وللاستثمار في الزراعة، وكذلك العمل على إزالة تلك النظرة إلى القطاع الزراعي بأنه ليس أولوية وليس مربحاً وليس بالخيار الأول للعمل أو الاستثمار فيه.
وتوفير الدعم والتخطيط المدروس في القطاع الزراعي يعني الحفاظ على الاستقرار، ومن ضمن ذلك استقرار الأسعار، لأنه حين تتناقص أو يقل عرض السلع، تبدأ أسعارها بالارتفاع، ومن ضمنها السلع الزراعية من خضار وفواكه ولحوم وألبان ودجاج وما له علاقة بالإنتاج الزراعي النباتي والحيواني، وحينها فإن أسعار العديد من المنتجات التي تتداخل بشكل أو بآخر مع المنتجات الزراعية ترتفع كذلك، ومن يدفع ثمن هذا الارتفاع في المحصلة هو المستهلك أو المواطن أو المجتمع.
وفي ظل الأزمات الحادة التي نحياها هذه الفترة، وبالتالي تحديد الأولويات عند الحكومة، خاصة على صعيد الأمن الغذائي، فإن التخطيط العلمي ودعم القطاع الزراعي يعنيان الدعم لمناطق زراعية مهمشة أو مستهدفة، مثل المناطق المحاذية للجدار، أو منطقة الأغوار الفلسطينية، السلة الغذائية لفلسطين، وهذا يدعونا إلى التفكير والتخطيط الإستراتيجي، وإيلاء قطاع الزراعة، وبالتحديد الزراعة في الأراضي الخصبة التي تحوي المياه الجوفية في منطقة الأغوار، الأهمية في أي خطط تنموية إستراتيجية، لأن هذا النوع من التخطيط كفيل بتوفير المزيد من فرص العمل، والحفاظ على الأسعار، وتوفير المنتج الوطني، وبالتالي حماية الأمن الغذائي من تداعيات وأحداث خارجية مثلما يحدث هذه الأيام من عدوان متواصل على غزة، ومن تداعيات عالمية وإقليمية وقيود وشروط تفرض إيلاء دعم قطاعات إنتاجية ومنها قطاع الزراعة أولوية لدى الحكومة.