الحظ يحالف ترمب من جديد لكن ما معنى ذلك لحملته الانتخابية؟
ثمة عبارة أعتقد أن كل والد يستخدمها حين يحاول إقناع ابنه بالتراجع عن بهجة مبالغ بها أو بتجاوز إحباط يبدو كارثياً: ليست الأشياء بالجودة البادية أو السوء الظاهر.
لكن دونالد ترمب، يوم الأربعاء في واشنطن، شهد يوماً ساطعاً. كانت الفرحة رائعة وصرفة. وهي حلت في صورتين، على بعد جغرافي لا يتجاوز 200 متر من بعضهما البعض.
تتعلق الفرحة الأولى بالمحكمة العليا. قرر قضاتها التسعة بعد كثير من التداول أنهم سيحكمون في ما إذا كان دونالد ترمب يتمتع بالحصانة من المقاضاة في شأن محاولة التمرد في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021 ودوره فيها. هل تآمر بغرض الاحتيال على الولايات المتحدة من خلال عرقلة العملية الانتخابية، كما يتهمه المدعي الخاص جاك سميث، وهل محاكمته بهذه التهمة ممكنة؟
يبدو من الطبيعي والمناسب تماماً أن تحكم المحكمة العليا في هذا الأمر. لكن بعد التعمق في المعطيات، ليست الأشياء كما تبدو. أولاً، تباطأ القضاة في الاتفاق على تولي القضية.
ثانياً، قالوا إنهم لن ينظروا في القضية حتى أبريل (نيسان)، مما يعني أن أقرب وقت لصدور حكم يوافق منتصف يونيو (حزيران)، مما يعني بدوره أن أقرب موعد لبدء المحاكمة يتزامن مع أواخر سبتمبر (أيلول). وفي ضوء تعقيد الاتهامات، والمدة الطويلة التي يستغرقها تشكيل هيئة محلفين وتقديم الدفوع السابقة لبدء المحاكمة، لن يصدر حكم قبل نهاية العام. بل قد تستغرق العملية برمتها وقتاً أطول حتى، حتى لو سار كل شيء بانتظام.
بعبارة أخرى، إن المحكمة، المؤلفة من ستة قضاة محافظين من أصل تسعة، عين ترمب نفسه ثلاثة منهم، أبطأت العملية إلى درجة أن أي محاكمة (إذا دعت الحاجة إلى إجرائها) لن تؤتي نتيجة قبل الانتخابات الرئاسية.
وهذه هي بالضبط الاستراتيجية التي يتبعها فريق ترمب القانوني: التسويف والعرقلة والجدل وشراء الوقت وإثارة أي فكرة زائفة لإبطاء العملية.
لا أشير قطعاً إلى أن القضاة المحافظين الستة في المحكمة العليا الأميركية تحلقوا حول روزنامة ليقرروا السبيل الأمثل لمساعدة ترمب على أفضل وجه من دون الإضرار بسمعتهم. لكنهم لو رغبوا في هذه النتيجة، لوضعوا ذلك الجدول الزمني نفسه. ومن نافل القول إن البعض، الأكثر تشكيكاً في نوايا الآخرين مني بكثير، يروجون لهذه النظرية.
ثمة أمر آخر: لم يكن على القضاة تولي القضية قط، ذلك أن حكم محكمة الاستئناف القاضي بعدم حصانة ترمب مؤكد وحاسم إلى درجة أن المحكمة العليا كانت تستطيع الاكتفاء برفض النظر في القضية والقول إن المحكمة الأدنى درجة بتت بها.
بالترافق مع صدور هذا القرار، فقط في الجهة المقابلة من الشارع الأول في الجنوب الغربي لواشنطن العاصمة، في قاعة مجلس الشيوخ، كان الزعيم الجمهوري القديم المؤمن بالمكيافيللية، ميتش ماكدونيل، يصدر إعلاناً ذا دلالة: كان الرجل البالغ من العمر 82 سنة يعلن تقاعده. يكن ترمب وماكدونيل لبعضهما بعضاً كراهية شديدة، ذلك أن ماكدونيل لم يفعل دائماً ما كان ترمب يريد منه أن يفعل.
بعد التصويت لصالح “بريكست” مباشرة، في يونيو 2016، رافق ترمب في إحدى أكثر رحلاته جنوناً. سافر جواً إلى إسكتلندا لتفقد ملاعب الغولف التي يملكها هناك. قرب الملاعب الواقعة خارج أبردين مباشرة، وهي ملاعب تخترق الكثبان، يملك ترمب العقارات كلها. كلها باستثناء بيت رفض مالكه بيعه إليه. كان الرجل يشبه شخصية في فيلم “البطل المحلي” Local Hero. كان ترمب يكن له كراهية شديدة. وللإنصاف، كانت الكراهية متبادلة. بل إن هذا العجوز الإسكتلندي رفع العلم المكسيكي يوم جاء ترمب، في استفزاز مسل.
إلى درجة ما، كان ماكدونيل الشخصية المقاومة في مجلس الشيوخ الأميركي، على رغم أنه مثل مقاومة أكثر أهمية وقوة مقارنة بالرجل الإسكتلندي. تمكن ترمب من تعيين قضاته الثلاثة خلال ولايته التي امتدت لأربع سنوات بفضل ذكاء ماكدونيل بوصف الرجل خبيراً في التكتيك السياسي. ويعود إليه أيضاً فشل أوباما في تعيين مرشحه بعد وفاة أنتونين سكاليا.
قد تظنون إذاً أن هذا سبب لكي يحبه ترمب. لكن ماكدونيل كثيراً ما كان مستقلاً. وعلى رغم أنه أكبر من ترمب ببضع سنوات، بدا منتمياً إلى جيل سياسي مختلف.
ولد ماكدونيل في فبراير (شباط) 1942، بعد شهرين فقط من كارثة ب”يرل هاربور”، وانتخب عضواً في مجلس الشيوخ قبل أربع سنوات من سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي، وكان رجلاً يؤمن بتقليص دور الحكومة في بلاده وتعزيز القوة الأميركية في الخارج. واعتبر ولع ترمب ببوتين أمراً محيراً.
لكن السادس من يناير كان اليوم الذي أصبحت فيه الهوة بين الرجلين دائمة. انتقد ماكدونيل ترمب بقوة. لكن على رغم خطابه الناري كله، آخر محاكمة دونالد ترمب في مجلس الشيوخ بعد اتهام ترمب للمرة الثانية، مما سمح لماكدونيل بالتخلص من المسؤولية عن الأمر، بالقول إن المجلس لا يستطيع التصويت على إدانة لأن ولاية ترمب انتهت بالفعل، تاركاً للمحاكم في وقت لاحق ما باتخاذ قرار في شأن مصير الرئيس السابق.
من يقول إن التاريخ لا يعيد نفسه؟ سيبرز سؤال مثير للاهتمام سيكون محور مناقشة لفترة من الوقت، سؤال يتعلق بما إذا كان ماكدونيل عرقل عمل ترمب أو سهله، هذا نقاش مختلف تماماً.
لكن أياً كان من سيحل محله، سيكون شخصاً أكثر تعاطفاً مع ترمب. وهذا يعني أن استيلاء حركة “ماغا” “اجعل أميركا عظيمة مجدداً” على البلاد سيكتمل، إذ لدينا رئيس مجلس النواب، مايك جونسون، في موقعه بفضل رعاية ترمب له. وتغادر رئيسة اللجنة الوطنية الجمهورية منصبها، وقد تكون زوجة أحد أبنائه، لارا ترمب، في طريقها للحلول محلها.
لقد انتهت أي مقاومة في وجهه. مواقع القوى كلها تحت سيطرته. لن أقول إنه يضمن ولاء المحكمة العليا، لكن…