أكد الرئيس الجزائري أن المراجعة التي تريدها الجزائر لاتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي ” تدعم العلاقات الجيدة ” بين الطرفين وترتكز على مبدأ الربح للطرفين.
والحقيقة أن هذه الاتفاقية التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2005 أصبحت معطلة فعليا . الجزائر، التي تعتبر نفسها متضررة، تدعو إلى مراجعتها منذ عدة سنوات، من أجل إرساء أساس أفضل للتبادلات ذات المنفعة المتبادلة. من جانبه، أكد سفير الاتحاد الأوروبي بالجزائر، دييغو ميلادو، رغبة بروكسل في إعطاء دفع جديد لهذه الشراكة الاستراتيجية، مؤكدا على الطبيعة ” الأساسية والاستراتيجية ” للعلاقات بين الجزائر والاتحاد الأوروبي. وسيكون عام 2025 فرصة جيدة لتعميق هذه المبادئ وتعزيزها.
وتتطابق مبادئ اتفاقية الشراكة مع مبادئ منظمة التجارة العالمية، التي تمثل الدول الأعضاء فيها أكثر من 95% من التجارة العالمية. الجزائر، التي قدمت طلبها للعضوية (في زمن الجات) في يونيو/حزيران 1987، لم تنضم بعد إلى منظمة التجارة العالمية. وتطالب البلدان النامية بشروط أقل صرامة لحماية ميزان مدفوعاتها.
ومن المؤكد أن عواقب مثل هذه الاتفاقيات تتمثل في إلغاء الرسوم الجمركية والضرائب على المنتجات الصناعية والمصنعة خلال فترة انتقالية؛ التكيف التدريجي للاحتكارات الحكومية ذات الطبيعة التجارية مع قواعد المنافسة؛ وبالتالي الحفاظ على البيئة وقيود الاستدامة.
يجب على الجزائر أن تنتبه إلى الإستراتيجية الطاقية الجديدة التي تبرز بحلول عام 2030، سواء على المستوى الأوروبي أو العالمي. ومن المتوقع أن تؤدي هذه الاتفاقيات إلى نقل الصناعات الجزائرية من وضع الحماية إلى صناعات مفتوحة بالكامل للمنافسة الدولية. وتنص هذه الاتفاقيات على الإزالة التدريجية للحواجز الجمركية وغير الجمركية، وهو ما يفرض تحديات هائلة على الشركات الجزائرية.
انخفاض التجارة، باستثناء الهيدروكربونات
ومن ناحية أخرى، قد لا يكون لهذه الاتفاقيات تأثير يذكر على سوق الهيدروكربون، الذي يشكل بالفعل جزءاً من منطق عالمي. ولكن لا يمكن قول الشيء نفسه عن جميع المنتجات البترولية التي ستكون خاضعة للمنافسة الأوروبية والدولية. وبالتالي، فإن التسعير المزدوج محظور، وهو الإجراء الذي تستخدمه الحكومة للحفاظ على الأسعار الداخلية عند مستويات أقل من تلك التي تحددها قوى السوق.
وكشفت المفاوضات بين الجزائر وأوروبا عن خلافات أصبحت أكثر وضوحا بعد قرار الحكومة في عام 2009 تخصيص 51% من رأس المال الجزائري في جميع المشاريع الاستثمارية. فتحت بروكسل إجراءات ضد الجزائر، المتهمة بتقييد صادرات واستثمارات الاتحاد الأوروبي منذ عام 2021، مهددة باللجوء إلى التحكيم الدولي. وانخفضت حصة الاتحاد الأوروبي من واردات الجزائر لصالح الصين، مما أدى إلى تفاقم العجز التجاري الكبير في أوروبا.
في عام 2023، بلغ حجم التجارة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي 50.2 مليار يورو، منها 35.37 مليار يورو من الصادرات الجزائرية و14.91 مليار يورو من الواردات. بلغت واردات الجزائر من دول الاتحاد الأوروبي 9.32 مليار يورو خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2024، في حين بلغت الصادرات الجزائرية إلى الاتحاد الأوروبي 18.09 مليار يورو، ليصل الفائض التجاري الجزائري إلى 8.78 مليار يورو.
ويرجع هذا الفائض التجاري بشكل رئيسي إلى هيمنة المحروقات على الصادرات الجزائرية، حيث تمثل الوقود المعدني ومواد التشحيم ومنتجات مشتقة أخرى 95.2% من الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي، بقيمة 33.67 مليار يورو.
وبحسب بروكسل فإن الجزائر لم تستفد من اتفاقية الشراكة لأن الحكومة الجزائرية لم تنفذ الإصلاحات الهيكلية اللازمة. وترغب أوروبا في رؤية إنشاء إطار قانوني مستقر وشفاف مواتٍ للاستثمار، فضلاً عن خفض الدعم، وتحديث القطاع المالي، وإزالة الحواجز أمام القطاع الخاص، وتطوير الشراكات بين القطاعين العام والخاص. يرحب الاتحاد الأوروبي بتخفيف قاعدة 51%/49% للقطاعات غير الاستراتيجية.
وتظل الصين المورد الرئيسي للجزائر، بحصة سوقية تبلغ 22.9%، تليها فرنسا (11.7%) ثم إيطاليا (7.4%). وعلى مستوى الصادرات، تظل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا أبرز عملاء الجزائر، بـ15.2 مليار دولار و7.6 مليار دولار و6.7 مليار دولار على التوالي.
في البحث عن “الفوز للجميع”
في عام 2023، أصبحت الجزائر ثاني أكبر مورد للغاز إلى الاتحاد الأوروبي (19٪)، بعد النرويج. تزوّد خطوط الأنابيب “ميدغاز” عبر إسبانيا و”ترانسميد” عبر إيطاليا أوروبا بالطاقة.
وتعتزم الجزائر أن تكون شريكا وليس مجرد سوق لأوروبا، لأن استثمارات الاتحاد الأوروبي في الجزائر بين عامي 2005 و2022 لم تتجاوز 13 مليار دولار، بحسب وزارة الخارجية الجزائرية، الغالبية العظمى منها في قطاع المحروقات، مقابل تحويلات أرباح بقيمة 12 مليار دولار. ويظهر تقييم عام 2020 لخمسة عشر عامًا من تطبيق اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي أن أوروبا باعت للجزائر سلعًا بقيمة تزيد عن 310 مليار دولار، واشترت منتجات جزائرية بقيمة 15 مليار دولار فقط باستثناء المحروقات.
وتغطي اتفاقية الشراكة العديد من مجالات التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي، فضلاً عن حرية تنقل الأشخاص. إن الجانب المتعلق بإعادة التوازن التجاري هو الذي يحفز بشكل أكبر الجانب الجزائري على طلب إعادة التفاوض على الاتفاق. في إطار حرية تنقل البضائع، تطلب الجزائر الاستفادة من إجراءات وقائية وحماية استثنائية لمدة محدودة لصالح صناعاتها الناشئة.
الإصلاحات الضرورية
ولا تنوي الجزائر بأي حال من الأحوال التشكيك في الإطار العام للاتفاقية، بل على العكس من ذلك، فهي تستعملها بشكل كامل في إطار تفسير إيجابي لأحكامها يسمح بإعادة التوازن في علاقات التعاون. ولذلك فإن المفاوضات البناءة وحدها هي التي ستسمح بإعادة إطلاق التعاون بين الجزائر والاتحاد الأوروبي بهدف وضع العلاقات الاقتصادية في قلب هذا التعاون.
الجزائر وأوروبا شريكان استراتيجيان يضمنان الاستقرار على ضفتي البحر الأبيض المتوسط. ونأمل أن لا تؤثر التوترات الحالية بين الجزائر وفرنسا، التي تعد لاعبا رئيسيا داخل الاتحاد الأوروبي، على مراجعة اتفاقية الشراكة. وانخفضت التجارة مع فرنسا العام الماضي بنسبة 4,3% مقارنة بعام 2023، لتصل إلى 11,1 مليار يورو.
من أجل تحقيق التنمية المستدامة واقتصاد قوي ومتنوع، يجب على الجزائر إجراء إصلاحات هيكلية لتجنب تقلبات عائدات المحروقات . وتشجيع الاستثمار الذي يخلق قيمة مضافة، ومحاربة البيروقراطية، وتحسين مناخ الأعمال، وإصلاح النظام التعليمي، وإصلاح الأراضي، والنظام المالي (الجمارك، والضرائب، والبنوك)، والإدارات المركزية والإقليمية والمحلية. ويجب أن يتم خلق نظام اجتماعي جديد يستهدف مصلحة الأكثر حرمانا، بعيدا عن الشعبوية والمساعدات التي تدفع دون تعويضات إنتاجية.