الجامعات الأوروبية.. ومحاولة تهميش القضية الفلسطينية
الحراك الطلاب داخل الجامعات الأوروبية، كان بمثابة جرس إنذار، ودفع قيادات تلك الجامعات، إلى التفكير في كيفية السيطرة على الفكر الطلابي.
بدأ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عام 1948، بعد ظهور الكيان المحتل، وأطماعه في نهب الأراضي الفلسطينية، لتوسيع نطاقه الجغرافي، وفرض سيطرته على منطقة الشرق الأوسط، برعاية ودعم الولايات المتحدة الأمريكية.
ومع مر السنين، توالت الاعتداءات من جانب جيش الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، وسقط آلاف الشهداء، ولكن ما حدث على مدار السنوات الماضية، يوصف بأنه نقطة في بحر الدم، الذي سال من أجساد الفلسطينيين، منذ أحداث 7 أكتوبر.
جرائم جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين في غزة، أدت إلى حالة من الحراك غير المسبوق في الجامعات الأوروبية، وانتفض الطلاب وخرجوا بآلاف في مظاهرات حاشدة، لدعم تضامنًا مع غرة، ودعم القضية الفلسطينية، واعتصموا داخل الجامعات، وسط حصار الشرطة.
الحراك الطلاب داخل الجامعات الأوروبية، كان بمثابة جرس إنذار، ودفع قيادات تلك الجامعات، إلى التفكير في كيفية السيطرة على الفكر الطلابي، ولعل ما قام به طلاب جامعة هارفارد، عندما قام الطلاب بالتوقيع على رسالة تحمل الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عن عنف حماس بأنهم «المعادون للسامية الرائدون في جامعة هارفارد». الرسالة أثارت غضب جامعة هارفارد وسلطت الضوء على الاضطرابات الشديدة في حرم الجامعات الأمريكية، منذ اندلاع الصراع بين إسرائيل وحماس.
إن الجامعات التي تفتخر بأنها معاقل للحرية الفكرية ومراكز للنشاط الاجتماعي، سواء كانت حركة حياة السود مهمة أو الحرب في أوكرانيا، تواجه الآن صراعا عالي المخاطر في الحرم الجامعي حيث يتلقى الطلاب تهديدات بالقتل ويغادر المانحون الأثرياء.
الاحتجاجات التي نظمتها المجموعات الطلابية المؤيدة للفلسطينيين، دفعت جامعة واشنطن في سياتل وجامعة كولومبيا في نيويورك، إلى إغلاق الحرم الجامعي أمام الجمهور وسط احتجاجات متنافسة بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة.
لم يجد الطلاب طريقة للتعبير عن آرائهم وغضبهم من ما يحدث للفلسطينيين في غزة سوى الحرم الجامعي، وهو ما اعترض عليه أساتذة الجامعات المؤيدين لإسرائيل، في الأشهر السبعة التي تلت الهجمات التي أثارت الصراع بين إسرائيل وحماس، كافحت الكليات والجامعات لتحقيق التوازن بين الدفاع عن حرية التعبير وإدانة خطاب الكراهية. ومع استمرار نمو الاحتجاجات في حرم الجامعات، أصبح أعضاء هيئة التدريس أكثر وضوحًا، حيث انضموا إلى الاحتجاجات أو أصدروا بيانات تنتقد استجابة الجامعة.
منذ 7 أكتوبر، أعتقد أن الخطوط مفتوحة بشكل متزايد للنقاش حول الجدل والمحادثات في الجامعات. وأوقفت جامعة أريزونا اثنين من أساتذة التعليم عن العمل بعد أن أشارا خلال محاضرة إلى أن حماس ليست منظمة إرهابية، وهو رأي يتعارض مع وجهة نظر وزارة الخارجية الأمريكية. وانتشرت التسجيلات الصوتية للتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي. وبعد أسابيع من احتجاجات الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، أعادت الجامعة هذا الثنائي.
ويعكس قرار مجلس أمناء جامعة كاليفورنيا بمنع أعضاء هيئة التدريس من استخدام بعض المواقع الإلكترونية للجامعة للإدلاء ببيانات سياسية عنيدة، السعي لإيجاد حلول لمنع التعبير عن الرأي، خصوصًا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهو موقف واضح لدعم إسرائيل، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل لو كانت هذه المظاهرات مؤيدة لإسرائيل كان رد الفعل سيكون كذلك؟
وأزالت إحدى الجامعات، التصريحات المؤيدة للفلسطينيين وغيرها من الخطابات التي يعتبرها المسؤولون سياسية للغاية، ودعا زعماء مجلس الشيوخ الحكام إلى قبول توصياتهم بدلاً من إنشاء سياسة جديدة تمامًا.
اقرأ أيضا| أمريكا تدعم دولة فلسطينية بالأقوال لا الأفعال
ومن الواضح أن مجلس الشيوخ الأمريكي قلق من الأوضاع داخل الجامعات، لذلك يفكر في وضع عراقيل للحد من حرية التعبير. وهو الوجه القبيح للديمقراطية الأمريكية، التي تتظاهر بأنها بلد الحريات، ولكن المواقف تكشف دائمًا الحقيقة الخفية، وهي أن أمريكا هي أساس الديكتاتورية، وتتطلع دائمًا لفرض سيطرتها على العالم.
قوانين الولايات المتحدة التي تفرض الحياد السياسي إلى تلك التي تدعم حرية التعبير، وإن كان ذلك بشروط. ولم يكن هناك نمط سياسي مع ظهور القيود في الولايات الزرقاء والولايات الحمراء. وبغض النظر عن ميول الدولة، فإن المؤسسات رفيعة المستوى تتعرض لضغوط من أعضاء الكونجرس والزعماء المحافظين الوطنيين.
القرارات التعسفية في الجامعات الأمريكية والأوروبية، تمثل هجومًا مباشرًا على الحرية الأكاديمية. بالنسبة لبعض أعضاء هيئة التدريس، فإن الإدلاء بتصريحات حول فلسطين هو وسيلة لهم لتطبيق خبراتهم الأكاديمية على قضية عالمية. وفرض قيود شاملة على الآراء الشخصية أو الجماعية يمكن أن يعيق الخطاب الأكاديمي ويحد من الحرية الأكاديمية.
ويؤكد خطاب اتحاد الحريات المدنية الأمريكي، أن الجامعات العامة “َيجب أن تكون حساسة بشكل خاص لحماية وتعزيز حرية التعبير لطلابها وأعضاء هيئة التدريس، خاصة عندما يكون هذا الخطاب مثيرًا للجدل أو انتقادًا للجامعة. ويجب على الجامعات أن تهتم بتعزيز التبادل الحر للأفكار، والسعي غير المقيد للحقيقة، وتنفيذ توصيات مؤسسة الحقوق الفردية والتعبير، التي دعت إلى حرية التعبير لأعضاء هيئة التدريس والموظفين والطلاب.
ما يحدث الآن في الجامعات الأوروبية، ما هو إلا حصار غير مباشر، على حرية الرأي والتعبير، من خلال تقييد الطلاب الراغبين في إجراء أبحاث، خاصة فيما يخص القضية الفلسطينية، والدمار الذي يشهده قطاع غزة، على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، في محاولة لعدم تأريخ القضية، وغض الطرف عن الجرائم التي ترتكب بحق المدنيين الأبرياء.
ومن الواضح أن التوجهات الأوروبية، التي ترجح كفة إسرائيل، هي التي تتبني عمليات التضييق على الطلاب في الجامعات، ولكن القضية الفلسطينية، حاضرة وراسخة في وجدان وعقول كل من آمن بها ودافع عنها، ولن تنتهي حتى يتحقق النصر ويعود الحق لأصحابه.