«الثلاثية الذهبية» الكاذبة.. هل تقضي على لبنان؟
"حرب الإسناد" لم تمنع إسرائيل من تدمير غزة على رؤوس شعبها الفلسطيني ومن قتل وجرح نحو 150 ألفاً من أبنائها، ومن القضاء على أكثر من ثلثي "مقاتلي حماس" عسكراً ومقاومين وأسلحة وبنية تحتية. لكنها أي إيران أظهرت للعالم كله ولـ"شعوب" لبنان أن "حزب الله" سيُكرَّس قائداً سياسياً وعسكرياً لمحور المقاومة الذي تديره هي وتمدّه بكل أسباب الحياة
لا يستطيع أحد أن ينفي مسؤولية الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن الكارثة التي حلّت بلبنان عامةً وبـ”شعبه” الشيعي خاصةً بعد مبادرة نتنياهو الى شن حربه عليهما في أعقاب سلسلة اغتيالات صادمة جرحت آلافاً من المنتمين بمعظمهم الى “حزب الله” وقتلت أمينه العام السيد حسن نصرالله، ودمّرت مبنى بكامله يُرجّح العارفون أن يكون فيه خليفةٌ محتملٌ له وقائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني اسماعيل قاآني داخله. لا يستطيع أحد أن ينفي أيضاً مسؤولية “حزب الله” عن الذي حل به حتى الآن وبشعبه وجغرافيته من جرّاء شنّه “حرب إسناد” لـ”حماس” في قطاع غزة بعد “طوفان الأقصى” ومن جرّاء استمراره فيها ورفضه وقفها رغم مداخلات دولية وعربية عدّة. علماً بأنها فاقمت إذلال إسرائيل ورئيس حكومتها نتنياهو بعد تهجيرها من سبعين الى مئة ألف من مواطنيها من الشمال الى عمق داخلها. لكن المسؤولية الأكبر عن هذا الموضوع تقع أيضاً على إيران. فهي زعيمة “محور المقاومة” وكان في إمكانها باتصالاتها مع الولايات المتحدة غير المباشرة تلافي وقوع “حزب الله” في كارثة قد تهدّد وجوده ودوره وسمعته مستقبلاً وتُضعف تعلّق جمهوره به بعدما صار بمعظمه لاجئاً في مناطق “الشعوب” اللبنانية الأخرى.
“حرب الإسناد” لم تمنع إسرائيل من تدمير غزة على رؤوس شعبها الفلسطيني ومن قتل وجرح نحو 150 ألفاً من أبنائها، ومن القضاء على أكثر من ثلثي “مقاتلي حماس” عسكراً ومقاومين وأسلحة وبنية تحتية. لكنها أي إيران أظهرت للعالم كله ولـ”شعوب” لبنان أن “حزب الله” سيُكرَّس قائداً سياسياً وعسكرياً لمحور المقاومة الذي تديره هي وتمدّه بكل أسباب الحياة، وبذلك تُظهر إيران أن في إمكانها قلب المعادلات في الشرق الأوسط.
اقرأ أيضًا.. مدارس لبنان تتحول لمراكز إيواء للنازحين
انطلاقاً من ذلك يكون توجيه اللوم الى إيران عن كارثتي غزة ولبنان مشروعاً وفي محله لأنها “الدولة العظمى” إقليمياً وهي تستعيد من جرّاء ذلك كله تاريخها المجيد في الغابر من السنين بل من القرون. كما لأنها أطلقت المحور وقائده الإقليمي “حزب الله” ومكّنته من تحقيق انتصارات كبيرة. لكن ما فاتها بعد بدء الجدّ مع كبار المنطقة والعالم أن إسرائيل ومؤسِّستها وراعيتها أميركا أدركتا أن انتصارها العسكري مستحيل. وهي تردّدت في توظيف انتصاراتها المبدئية في 7 أكتوبر الماضي في لبنان وفي سوريا من أجل استحقاق دور أساسي في الشرق الأوسط مع تركيا وإسرائيل. لا أحد يعرف أسباب التردّد الإيراني. لكن نتائجه كانت واضحة جداً في غزة رغم استمرار الباقي من “حماس” فيها وفي متابعة المقاومة، كما كانت واضحة في لبنان ولا سيما في مناطق حلفائها شيعة لبنان وزعيمهم “حزب الله” الذي كان إلى ما قبل أسابيع قليلة درّة تاجها.
قد يعتقد كثيرون أن في ذلك تجنياً على إيران وابنها المدلّل “حزب الله”. وذلك غير صحيح فـ”حزب الله” لبناني الهوية ولا أحد يضحّي به في لبنان رغم أن محوره يجعل لبنان “الذبيحة” الدسمة على موائد الأعداء في كل شيء إلا في المصالح. والكلام الوارد في “الموقف هذا النهار” اليوم فيه من الأسى والحزن عليه كما على شعبه الكثير الكثير.
لكن حتى لا نبقى في هذا الإطار لا بد من الإشارة بصدق الى أن شعوب لبنان كلها أي الشيعي والسنّي والمسيحي والدرزي تتحمل مسؤوليات متساوية عما يجري في لبنان اليوم من مآسٍ وعن الأخطار الكارثية التي تتهدّده. فهي كلها تبنّت “ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة” في حكوماتها المتعاقبة سواء أيام الوجود السوري في لبنان أو بعد إخراجه منه ووقوعه تحت سيطرة “حزب الله” وشعبه ومؤسِّسته إيران الإسلامية.
وقد وردت الثلاثية هذه في كل البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة التي ضمّت أحياناً كل الأطياف السياسية والطائفية والمذهبية وإن في صيَغ واضحة حيناً وأقل وضوحاً حيناً آخر. علماً بأن المدققين والخبراء يعتبرونها صيغة غير ذهبية، لأن مضمونها غير صحيح. و”يا ريت” كان صحيحاً. فالشعب شعوب مختلفة على كل شيء من نهائية الوطن والدولة والكيان ومن نهائية استقلالها ونظامها و… والجيش موجود ولكنه لا يقوم بدوره الفعلي في البلاد لأنه عاجز عن القيام به لا لأنه لا يريد قائداً وضباطاً وأفراداً القيام به بل لأن الأنقسام الطائفي والمذهبي الحاد بين اللبنانيين جعله دائماً ضعيفاً وتحت سيطرة هؤلاء وعاجزاً عن القيام بأي شيء وحتى عن الحفاظ على وحدته إذا طلبت منه السلطة السياسية الثلاثية أن يقوم بأي عمل يعتبره الآخرون مؤذياً لهم.
فضلاً عن أن تحركه يحتاج دائماً الى إذن من قادة الشعوب وكبارها. وأي محاولة جدية لتنفيذ مهمة وطنية قد تعرّضه للانفراط، علماً بأن الاختلاف شمل أيضاً القضايا “الوطنية”. أما المقاومة فشيعية لبنانية، لكن إيديولوجيتها دينية بل مذهبية وضعتها إيران الإسلامية. واستمرار ذلك خلال الحرب الدائرة وبعد انتهائها إذا انتهت سيحكم على دولة لبنان بالتفكك والزوال وسيوفّر لإسرائيل فكرة فرصة التحكم بمنطقة جنوبي الليطاني أو بغيرها وبتأييد أميركي. ومسؤولية الجميع تشمل الى الشعوب مجالس النواب وأعضاءها ورؤساءها والحكومات وأعضاءها من الوزراء ورؤساءها.