التوترات السياسية تزيد من عزلتهم.. التمييز يحاصر 26 مليون مسلم في أوروبا
تزايدت مظاهر التمييز ضد المسلمين في أوروبا بوتيرة ملحوظة خلال السنوات القليلة الماضية، ما يضع القيم الأساسية للقارة -الحرية، والتسامح، والمساواة- تحت مجهر النقد والتحليل.
وبات المسلمون، الذين يشكلون نحو 5% من سكان الاتحاد الأوروبي، يواجهون سلسلة من التحديات المتراكمة التي تشمل التمييز العنصري، والتمييز في سوق العمل، وتهميشهم في الحياة العامة، ما ينعكس على فرصهم الاجتماعية والاقتصادية ويحد من اندماجهم الفعّال في المجتمعات الأوروبية.
وفقاً لاستطلاع الرأي الذي أجرته وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية (FRA) بين أكتوبر 2021 وأكتوبر 2022، وشمل 9600 مسلم من 13 دولة أوروبية، فإن 50% من المستطلعين أفادوا بأنهم تعرضوا للتمييز في حياتهم اليومية، وهي نسبة تتجاوز الدراسة المماثلة لعام 2016 حين كانت تبلغ 39%.
ويعكس هذا الارتفاع في نسبة التمييز تصاعد الكراهية منذ أكتوبر 2023، على خلفية التوترات في الشرق الأوسط بعد الهجوم الذي شنته حركة حماس على إسرائيل، حيث أُشعلت موجة من العداء تجاه المسلمين في أوروبا، وهو ما أكدت عليه المتحدثة باسم الوكالة الأوروبية، نيكول رومان، التي أعربت عن قلقها إزاء التحديات المتزايدة التي تواجه المسلمين في المجتمعات الأوروبية.
ومن خلال النتائج، يظهر أن النمسا وألمانيا تتصدران قائمة الدول الأوروبية التي سجلت أعلى معدلات التمييز ضد المسلمين، بنسبة 71% و68% على التوالي، فيما كانت النسب أقل نسبياً في فرنسا عند 39%، وأدنى بكثير في إسبانيا والسويد، ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن ظاهرة الإسلاموفوبيا باتت تنتشر في دول أخرى مثل بلجيكا وهولندا، حيث تتنوع أشكال التمييز من تقييد حرية اللباس الديني إلى انتهاكات حقوقية أخرى تشمل الاحتجاز التعسفي والعنف اللفظي والجسدي.
وتشير البيانات إلى أن النساء المسلمات، وخاصة المحجبات، هن الأكثر عرضة للتمييز، حيث يعانين من صعوبة أكبر في الحصول على فرص عمل وتأجير السكن، وكشفت FRA أن 58% من النساء المسلمات اللاتي يرتدين الحجاب واجهن تمييزاً في سوق العمل، هذه الممارسات تشكل تحدياً كبيراً أمام القيم الأوروبية التي تروج للحرية الفردية والمساواة، وتثير تساؤلات حول مدى التزام بعض الحكومات الأوروبية بهذه القيم.
لا يتوقف التمييز ضد المسلمين عند التحديات الفردية، بل يمتد ليشمل سياسات وممارسات حكومية تفرض قيوداً صارمة على الهجرة وتدعم خطابات سياسية تروج لفكرة “التهديد الثقافي” الذي يمثله المسلمون، وتستند هذه السياسات إلى أيديولوجيات عنصرية، حيث تنظر إلى المسلمين كمصدر تهديد للهوية الثقافية الأوروبية، ما يسهم في تعزيز ظاهرة الإسلاموفوبيا ودعم القوى السياسية المتطرفة، التي تستغل المخاوف الثقافية لتعزيز أجنداتها المعادية للإسلام.
اقرأ أيضا.. الحوثيون.. خطة «بوتين» لزعزعة استقرار الغرب
ورغم المبادرات التي تتخذها بعض الجهات الأوروبية، مثل تعيين منسق خاص لمكافحة الكراهية ضد المسلمين من قبل المفوضية الأوروبية، فإن هذه الجهود غالباً ما تكون محدودة التأثير، ويعد إنشاء مثل هذا المنصب خطوة إيجابية، لكن تبقى هناك حاجة ملحة لتغيير السياسات والتشريعات التي تؤدي إلى تفاقم التمييز، ولعل أبرزها تلك التي تتعلق بالتعليم وتطوير سياسات تكافؤ الفرص، فحسب FRA، “مركز مرجعي مستقل للتميز في تعزيز وحماية حقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي” يواجه المسلمون الأوروبيون صعوبة أكبر في الوصول إلى فرص التعليم العالي مقارنة بغيرهم، ما يؤدي إلى تفاقم الفجوة الاقتصادية والاجتماعية بينهم وبين غير المسلمين.
تاريخياً، يعود العديد من المسلمين في أوروبا إلى مهاجرين من دول تعاني من صراعات مسلحة ونزاعات سياسية، مثل سوريا والعراق وأفغانستان. ويبلغ عدد المسلمين في أوروبا اليوم نحو 26 مليون نسمة، مع تركز كبير في ألمانيا وفرنسا، وبدلاً من توفير بيئة استيعابية لهؤلاء اللاجئين، تبرز معوقات تجعل من عملية اندماجهم أمراً عسيراً، حيث يتم تصويرهم بشكل نمطي كتهديد على الهوية القومية. بحسب FRA.
إن هذه التصورات التي تغذيها وسائل الإعلام والسياسات التمييزية تنعكس سلباً على حياة المسلمين وتجعلهم فريسة للعنف اللفظي والجسدي.
ويرى حقوقيون أن التعامل مع هذه التحديات يتطلب نهجاً شاملاً يبدأ من مراجعة الخطابات السياسية والإعلامية في أوروبا، والعمل على تعزيز بيئة قانونية تضمن حماية حقوق المسلمين وتكافؤ الفرص، وفي ظل تزايد تأثير التيارات اليمينية المتطرفة التي تدعم سياسات مناهضة للمهاجرين، فإن هناك حاجة ملحة إلى تعزيز قيم التعددية والتسامح الثقافي، وتفعيل قوانين تكافؤ الفرص في ميادين العمل والسكن والتعليم.
سلسلة من حوادث التمييز
على مدار السنوات الأخيرة وقعت سلسلة من الحوادث التمييزية التي تستهدف المسلمين، سواء من حيث القيود القانونية أو الإجراءات الأمنية أو الممارسات المجتمعية.
تتجلى أبرز مظاهر التمييز في حوادث عدة توضح الضغط المتزايد الذي يتعرض له المسلمون في أوروبا، حيث تأتي هذه الحالات كأمثلة واضحة على التحديات التي تواجهها هذه الأقلية الدينية، في ظل تصاعد خطاب اليمين المتطرف والأحكام المسبقة.
في فرنسا، أدى فرض قانون حظر الحجاب عام 2004 في المدارس والمؤسسات الحكومية إلى تقييد حرية الفتيات المسلمات في ارتداء الرموز الدينية، حيث برر السياسيون هذا الإجراء بفصل الدين عن الدولة، لكن أثره الواقعي طال فقط المسلمين، خاصة النساء، ما سبب قيودًا ثقيلة على حريتهن الشخصية والدينية، وقد تطورت هذه السياسة إلى منع شامل للحجاب في مجالات أخرى مثل حظر البوركيني في بعض المدن الساحلية، ما أدى إلى تصاعد الانقسام المجتمعي وانتشار الانتقادات الدولية حول مدى ملاءمة هذه السياسات لحقوق الإنسان.
في النمسا، أُقرّ قانون يُلزم الأئمة المسجلين بتقديم تقارير منتظمة عن خطبهم ومحتوى دروسهم، في خطوة يصفها البعض بأنها تهدف إلى “مراقبة الإسلام”، جاء هذا القانون كجزء من إجراءات تهدف لمكافحة التطرف، ولكنه يعكس تمييزًا من نوع آخر، حيث يُحمّل الجالية المسلمة عبء إثبات براءتها، ويعتبر هذا الإجراء تقييدًا غير مباشر على حرية التعبير الديني، ويعزز من مشاعر الاغتراب والاستهداف.
أما في بريطانيا، فقد أظهرت تقارير عدة أن المسلمين يواجهون معدلات أعلى من التمييز عند التقدم للوظائف، حيث وجدت دراسة أجرتها جامعة أكسفورد أن الطلبات المقدمة من أشخاص يحملون أسماء إسلامية تُرفض بمعدل أعلى من تلك المقدمة بأسماء بريطانية تقليدية، وتعتبر هذه الحادثة مؤشرًا على أن المسلمين يواجهون عوائق اجتماعية واقتصادية تمنعهم من المشاركة الكاملة في سوق العمل، ما يعزز من مشاعر العزلة ويعمق الفجوات الاقتصادية.
وفي ألمانيا، بعد الهجمات الإرهابية في برلين عام 2016، ازدادت المداهمات الأمنية للمساجد والأماكن التي يتجمع فيها المسلمون، وتم اعتقال العديد منهم لفترات قصيرة دون وجود أدلة كافية. وأدى ذلك إلى تصاعد الشعور بعدم الأمان لدى الجالية المسلمة، التي ترى نفسها مستهدفة كجماعة، حتى في غياب أدلة فعلية، وقد اعتبرت منظمات حقوقية أن هذه الإجراءات تخالف مبادئ الحقوق الأساسية في القانون الأوروبي.
وفي الدنمارك، أُقرّ قانون “الحيادية الدينية” في بعض الوظائف العامة، الذي يمنع الموظفين الحكوميين من ارتداء الرموز الدينية، بما في ذلك الحجاب، هذا القرار كان له أثر كبير على النساء المسلمات الراغبات في العمل في القطاع العام، ما أدى إلى تقييد فرصهن الوظيفية، وتسبب هذا القانون في جدل واسع، حيث وُجهت انتقادات كثيرة بأنه ينتهك مبدأ المساواة وحرية الدين.
أخيرًا، في السويد، شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعًا في الاعتداءات التي تستهدف المساجد، حيث تم توثيق عشرات الهجمات على دور العبادة الإسلامية، بما في ذلك إحراق مساجد وتدنيس جدرانها برسائل تهديدية. وتُعزى هذه الجرائم إلى تصاعد نشاطات اليمين المتطرف والتحريض المستمر ضد المسلمين، ما يعكس بيئة عدائية تُشعر الجالية المسلمة بأن حقوقها الأساسية ليست محمية بالكامل.
تحديات التمييز في سويسرا
وعن تجربته، سرد خالد علي، مصري مقيم في أوروبا، قائلا: كمحامي مقيم في سويسرا، أواجه تحديات حياتية عديدة تعكس تجارب متنوعة من التمييز على الرغم من سمعة سويسرا كمكان آمن ومتقدم، إلا أنني أدركت أن التمييز ليس غريبًا عن الحياة اليومية.
وأضاف في تصريحات لـ”جسور بوست”، في البداية، تأتي اللغة كواحدة من أكبر الحواجز، وعلى الرغم من أنني أتمتع بمستوى جيد من الكفاءة في اللغتين الألمانية والفرنسية، فإن لهجتي أحيانًا تؤدي إلى سوء الفهم أو التحيز، كثيرًا ما أشعر أن بعض العملاء أو الزملاء يفضلون التعامل مع المتحدثين الأصليين، ما يجعلني أشعر بنوع من الإقصاء، تمثل هذه الديناميكية تحديًا كبيرًا في مجال المحاماة، حيث التواصل الفعال هو المفتاح لبناء الثقة.
واسترسل، تواجه النساء المحاميات، خاصة المسلمات، نوعًا مختلفًا من التمييز. على سبيل المثال، ألاحظ أن هناك قلة في تمثيل النساء في المناصب العليا بالمكاتب القانونية، ما يؤدي إلى نقص الفرص للأجيال القادمة من المحاميات، كما أن النساء في سويسرا، خصوصًا في مجالات القانون، يتعرضن للتمييز في الترقيات مقارنة بالرجال، حتى عندما يكن مؤهلات بشكل متساوٍ، إلى جانب ذلك، أشعر بأن هناك انقسامًا اجتماعيًا في بعض الأحيان، حيث تكون المجتمعات التي تنتمي إلى خلفيات ثقافية معينة، مثل المسلمين، عرضة لتوجهات سلبية، في بعض المناسبات الاجتماعية، ألاحظ نظرات استنكار أو تمييز في التفاعل، ما يزيد من الشعور بالعزلة، بينما قد يبدو أن الكثير من الناس في سويسرا يعتنون بحقوق الإنسان، إلا أن الواقع يبين أن هناك فجوة بين المثالية والتطبيق.
ولتحسين هذه الظروف، قال، أرى ضرورة العمل على عدة جبهات، أولًا، يجب تعزيز التعليم حول التعددية الثقافية في المدارس، ما يساعد الأطفال على فهم وتقبل الثقافات المختلفة منذ الصغر. كما أن هناك حاجة ملحة لتعزيز برامج التدريب المهني التي تستهدف تعزيز الفرص للجميع، خاصة النساء والأقليات، ثانيًا، أعتقد أن الشركات والمؤسسات القانونية تحتاج إلى إعادة التفكير في سياسات التنوع والشمولية. إن دمج سياسات فعالة، مثل التوظيف العادل وتقديم الفرص المتساوية، يمكن أن يحدث فارقًا كبيرًا، يجب أن تُخصص المنظمات الحقوقية المزيد من الموارد لدعم الأفراد الذين يعانون من التمييز، هذا يشمل توفير المشورة القانونية والمساعدة، فضلاً عن تعزيز الحوار المجتمعي لمواجهة الصور النمطية السلبية.
وأتم، على الرغم من التحديات التي أواجهها، فإنني أؤمن بأن العمل المستمر والتوعية يمكن أن تسهم في إحداث تغيير إيجابي. سويسرا يمكن أن تكون نموذجًا للتنوع والقبول، ولكن يجب أن تتضافر الجهود لتحقيق ذلك.
أبعاد اجتماعية وحقوقية
وقال الخبير الاجتماعي العراقي والأكاديمي، محمد حمدان، يُعتبر التمييز ضد المسلمين في أوروبا قضية معقدة تستدعي التحليل من زوايا متعددة، تتجلى مظاهر هذا التمييز في مختلف جوانب الحياة اليومية، من التوظيف إلى التعليم، ومن الخدمات الصحية إلى التفاعل الاجتماعي، هذا التمييز لا يعكس فقط الصور النمطية السلبية، بل أيضاً يبرز تأثير العوامل الاقتصادية والسياسية والثقافية على النظرة العامة تجاه المسلمين.
وأضاف “حمدان”، في تصريحات لـ”جسور بوست”، من الناحية الاجتماعية، يُعاني المسلمون في أوروبا من تشويه للهوية بسبب انتشار الخطاب المعادي للإسلام، هذه الصور النمطية السلبية، التي تتكرر في الإعلام والسياسة، تُساهم في تعزيز انطباعات غير صحيحة حول المسلمين كخطر على المجتمعات الغربية، بحسب دراسة أجرتها وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية، فإن نصف المسلمين في دول الاتحاد الأوروبي قد واجهوا التمييز في حياتهم اليومية، ما يدل على أن هذا الأمر لم يعد مجرد حالات فردية، بل ظاهرة متفشية تتطلب تدخلاً حاسماً.
واسترسل، التمييز ضد المسلمين مرتبط بشكل وثيق بالانتماءات الثقافية والدينية، و يُعتبر ارتداء الحجاب أو غيره من الرموز الدينية سببًا رئيسيًا لاستهداف النساء المسلمات بشكل خاص، حيث يُواجهن التمييز في سوق العمل، ويعانين من صعوبات في الحصول على فرص التعليم والسكن، هذه الحالة تُعزز من الفجوة الاجتماعية، حيث يجد الأفراد من خلفيات دينية معينة أنفسهم مُستبعدين من المشاركة الكاملة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
وتابع، النقطة الأخرى التي تثير القلق هي السياسة الأوروبية تجاه الهجرة واللجوء، حيث يزداد النفور من المهاجرين المسلمين مع تزايد الأزمات السياسية في مناطقهم الأصلية، هذا النفور لا يؤثر فقط على حياة المسلمين، بل يعكس أيضًا تحولات في الفكر الاجتماعي والسياسي في أوروبا، حيث يتم تصوير المسلمين كمهاجرين غير مرغوب فيهم، هذه الديناميات تسهم في خلق بيئة من الخوف وعدم الثقة، ما يزيد من التوترات الاجتماعية.
وأشار الخبير الاجتماعي إلى أنه وعلى المستوى الحقوقي، تُعد قلة الحماية القانونية الممنوحة للمسلمين ضد التمييز من القضايا الرئيسية التي تتطلب الانتباه، ورغم أن هناك تشريعات تهدف إلى مكافحة التمييز العنصري والديني، فإن تنفيذ هذه القوانين غالبًا ما يكون ضعيفًا، يبرز هذا في عدم كفاية آليات الشكاوى والمراقبة، ما يجعل من الصعب على الضحايا الحصول على العدالة، ومن المهم أن نؤكد دور المؤسسات التعليمية والإعلامية في معالجة هذه القضايا. يجب أن تُسهم البرامج التعليمية في تعزيز التفاهم بين الثقافات وتفكيك الصور النمطية، في حين يجب على وسائل الإعلام أن تُمارس مسؤوليتها في نقل المعلومات بدقة وتحليلها بموضوعية.
وأتم، يُظهر الواقع أن المسلمين في أوروبا يتعرضون لتمييز ممنهج يعكس تعقيدات الهوية والانتماء، ويتطلب التصدي لهذا التمييز جهودًا متعددة الجوانب تشمل تعزيز الوعي، وتطبيق القوانين بشكل فعال، وتطوير سياسات تضمن المساواة والعدالة الاجتماعية لجميع الأفراد بغض النظر عن خلفياتهم الدينية أو الثقافية.