غزة

التهجير الجماعي: حرب إسرائيل على غزة وخطر النزوح القسري

ما تخطط له إسرائيل ليس مجرد رد عسكري على هجمات حماس، بل هو تنفيذ لمخطط أكبر يرتبط بمشاريع سياسية طالما طرحت في الماضي، مثل "صفقة القرن" التي كانت تهدف إلى إعادة رسم خريطة فلسطين.

منذ أكثر من 335 يوماً، تشن إسرائيل حرباً غير مسبوقة على قطاع غزة، تضرب فيه الإنسان والحجر على حد سواء. ولم يقتصر عدوانها على القطاع فحسب، بل امتد إلى أهلنا في الضفة الغربية، حيث يتعرض الفلسطينيون هناك لاعتداءات مستمرة تؤكد نية الاحتلال الواضحةكل فلسطيني، مدني كان أم مقاتل، سيكون هدفاً للآلة العسكرية الإسرائيلية. هذه الرسالة التي ترسلها إسرائيل للعالم عبر قصفها المتواصل على غزة والتغول في الضفة، جاءت على إثر هجمات السابع من أكتوبر التي نفذتها حركة حماس. اتخذت إسرائيل من تلك الأحداث ذريعة لشن حرب شاملة، تتجاوز الانتقام من مقاومي حماس والقضاء عليها واستعادة الاسرى بل أيضا أن لا تشكل غزه اى خطر مستقبلى على إسرائيل وهذا يهدف إلى محاولة تصفية الوجود الفلسطيني نفسه في القطاع.

تصريحات بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت كشفت بشكل واضح أهداف هذه الحرب منذ اليوم الأول _ ولكن حماس لم تلتقط الاشاره وتاخدها على محمل الجد وأصرت أن الاحتلال لن يستطيع الدخول إلى غزه_ ليس القضاء على حركة حماس وحدها، بل تدمير قطاع غزة بالكامل. الخطة الإسرائيلية لا تهدف فقط إلى استهداف المقاومين أو البنى التحتية العسكرية، بل تركز على تدمير مناطق مدنية واسعة بهدف خلق بيئة لا تصلح للعيش فيها من جديد، وهو ما قد يُهيئ الأرضية لموجة نزوح جماعي محتملة فى ضل حرب الإبادة الجماعية للغزيين.

سياسة التدمير الشامل وعواقبها الإنسانية

من خلال مراقبة التصريحات والإجراءات العسكرية الإسرائيلية على مدار الأيام الماضية، يبدو أن إسرائيل تسعى لإحداث تغيير ديموغرافي في قطاع غزة. فالتدمير الواسع للمناطق السكنية والمرافق الحيوية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والبنى التحتية، يشير إلى خطة مبيتة لتدمير الحياة المدنية، بما يجعل من الصعب على الفلسطينيين العودة إلى هذه المناطق بعد انتهاء الحرب.

اقرأ ايضا| إسرائيل ظاهرة استعماريّة وعنصريّة ورجعيّة أيضاً

لكن هذا الدمار لن يقف عند حد التهجير القسري فقط. فإسرائيل تراهن على بطء عمليات إعادة الإعمار، أو حتى رفض المجتمع الدولي تمويل إعادة البناء، مما سيجبر سكان غزة على البحث عن ملاذات آمنة خارج القطاع. وفي ظل الحصار المستمر، واستحالة العيش في مناطق مدمرة وغير مؤهلة، قد يختار آلاف الفلسطينيين الهجرة القسرية. هذه الهجرة الطوعية ستكون بداية لمسلسل تهجير جماعي تسعى إسرائيل إلى تحقيقه لتخفيف الضغط السكاني في غزة.

الأبعاد السياسية لمخطط التهجير

ما تخطط له إسرائيل ليس مجرد رد عسكري على هجمات حماس، بل هو تنفيذ لمخطط أكبر يرتبط بمشاريع سياسية طالما طرحت في الماضي، مثل “صفقة القرن” التي كانت تهدف إلى إعادة رسم خريطة فلسطين. هذه الصفقة، التي تم الترويج لها كخطة سلام، كانت تتضمن بشكل غير مباشر تهجير الفلسطينيين أو تقليل أعدادهم داخل المناطق المكتظة بالسكان، وهو ما يتطابق مع ما يحدث اليوم في غزة.

ومع استمرار التدمير وغياب خطة دوليه لوقف الحرب وإعادة الإعمار، يصبح من الواضح أن إسرائيل تسعى إلى إحداث تغيير جذري في الواقع الفلسطيني. لكن ما يثير القلق هو غياب التوافق الفلسطيني الداخلي؛ إذ لا تزال القيادة الفلسطينية منقسمة بين الضفة الغربية وغزة. في الوقت الذي تسعى فيه المقاومة إلى التفاوضلوحدها تجد نفسها دون أوراق قوة مؤثرة أمام الإسرائيليين، وهو ما يعزز فرص إسرائيل في فرض مخططاتها.

الطريق إلى التوحد وإنقاذ غزة

إزاء هذا السيناريو الكارثي، لا بد أن يدرك الشعب الفلسطيني وقيادته أن الحل الوحيد لمواجهة مخططات التهجير هو الوحدة الوطنية. لقد أثبتت التجارب السابقة أن الانقسام الفلسطيني _ وهذا ما عملت عليه إسرائيل _يضعف الموقف الوطني ويمكّن الاحتلال من تنفيذ خططه بأقل الخسائر. لهذا، يجب أن تكون الأولوية الآن هي بناء نظام سياسي فلسطيني موحد، قادر على تمثيل جميع أبناء الشعب الفلسطيني، بما في ذلك غزة. إن توحيد الجبهة السياسية هو السبيل الوحيد لإعادة القطاع إلى حضن الوطن ومنع الاحتلال من التفرد بمصير غزة كما هو الحال اليوم.

إن هذا التوحد سيجعل الفلسطينيين قادرين على رفض مخططات التهجير وفرض شروطهم في أي مفاوضات مستقبلية، كما سيقطع الطريق أمام أي محاولات لفرض واقع جديد على الأرض يستهدف اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى