التلاعب بالمآسي.. حين تصبح معاناة غزة مادة للدعاية السياسية
في ظل الأحداث الجارية في قطاع غزة، وتحديدًا في المناطق الشمالية كجباليا، يزداد الشعور بالإحباط والغضب بين الناس نتيجة التناقض الكبير بين الواقع الذي يعيشه المواطنون والتصريحات السياسية التي تحاول تجميل الكارثة.
يبدو أن البعض، بدلاً من تحمل المسؤولية أو على الأقل مواجهة الحقيقة المؤلمة، يختارون التلاعب بالمآسي وتحويلها إلى مادة للدعاية السياسية الرخيصة.
لقد سمعنا كثيرًا عن “التكتكة” التي يُروج لها، وكأنها إنجاز بطولي. ولكن السؤال الحقيقي هو: أين نحن من الواقع؟ ما هو الثمن الذي يدفعه الناس في جباليا وشمال غزة؟
عندما يُصور الموت والدمار على أنه مجرد “إزعاج بسيط” أو “دغدغة”، تُفقد الكلمات قيمتها وتُطمس الحقيقة.
إن هذه التصريحات، التي تُقدم النصر على طبق من ذهب بينما الموت يُخيّم على الأحياء، ليست إلا إهانة لعقول الناس ومشاعرهم. إن التقليل من حجم الكارثة والتصريحات التي تصف ما يحدث بأنه مجرد “تحدي بسيط” هو محاولة فاشلة لتغطية الفشل والتقصير.
اقرأ أيضا| تقسيم غزة ومسعى لـ ضم شماله.. فهل من تحرك أممي؟
ما يحدث في شمال غزة ليس “دغدغة”، بل هو معاناة حقيقية تعيشها العائلات التي فقدت أحباءها، والبيوت التي دُمرت، والآمال التي تلاشت. الحديث عن النصر وكأنه قاب قوسين أو أدنى في ظل هذا الواقع المأساوي ليس إلا محاولة يائسة للحفاظ على وجه سياسي.
لكن ما لا يدركه من يروجون لهذه الأفكار أن الشعب لا يمكن خداعه بهذه السهولة. الناس تعلم جيدًا أن هذا اليوم الأسود الذي طالت فيه الكارثة حياتهم كان نتيجة سياسات عقيمة ورؤى قصيرة النظر.
لا يمكن أن يُحل هذا الواقع المؤلم بمجرد خطابات رنانة أو وعود جوفاء. بل يحتاج إلى تغيير حقيقي، وإلى قيادة تستشعر حجم المسؤولية وتتحمل تبعات قراراتها.
لا يمكن لغزة أن تتحرر من هذا الواقع المظلم إلا عندما يتحرر الخطاب السياسي من لغة التجميل والخداع. هذا التحرر يتطلب أولاً مواجهة الحقيقة و أن ما يحدث هو نتيجة سلسلة طويلة من الأخطاء التي يجب أن تُصحح.
يتطلب الخلاص أيضًا وحدة وطنية حقيقية، حيث تتضافر الجهود لبناء مستقبل أفضل لشعب يستحق الحياة الكريمة والآمنة. وهذا لن يتحقق إلا بإزاحة الغبار الذي تراكم على قلوب وعقول السياسيين، ليترك المجال للشفافية والصدق في التعامل مع الشعب.
لا يمكن أن تستمر لعبة التلاعب بالمآسي على حساب أرواح الناس ومستقبلهم. يجب أن يعترف الجميع بحجم الكارثة وأن يتحركوا فورًا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.