التغيير بالسلاح لن يضمن غداً أفضل لسوريا

لا يمكن أن نتوقع من التغيير الذي يُفرض بقوة السلاح ما يؤسس لديمقراطية تشاركية تسمح بتداول السلطة.

فجأة ومن دون مقدمات إستفاقت الخلايا العسكرية النائمة في الشمال السوري من سباتها وإندفعت على نحو مباغت صوب مدينة حلب ثاني أكبر المدن السورية ولغاية كتابة هذه الأسطر تشير الأنباء عن سيطرتها على مدينة حماة، في تطور لافت يعيد المشهد السوري مجددا الى صناعة الحدث بعد سنوات من الهدوء الميداني إستعاد النظام السوري خلالها توازنه الذي عزز فرص كسر عزلته العربية ودفع أنقرة الى إعادة حساباتها وإظهار نوع من المرونة والإنفتاح على دمشق كنوع من الإعتراف الضمني بأن الأسد قد فاز وأن التسوية السياسية التي تضع الأسد خارج المعادلة قد بات من الصعب فرضها لأسباب أبرزها نجاح روسيا في فرض واقع مغاير على الأرض وتراجع الزخم الغربي عن الملف السوري وتخبط المعارضة السورية في تصفية الحسابات فيما بينها والإنفتاح العربي على سوريا.

قبل أسابيع جدد الرئيس التركي رجب طيب دعوته لمقابلة الأسد لكنه تلقى نفس الإشارات من دمشق ردا دعوته الأولى؛ لم تكن تلك الإنعطافة الكبيرة في الموقف التركي مغرية للأسد بما فيه الكفاية ببساطة لأنها تراعي مصالح طرف واحد وتفرض واقعا تمليه البراغماتية التركية التي تبحث فقط عن معالجة الهواجس الأمنية ومشاكل اللاجئين دون أن تلبي الحد الأدنى من المطالب السورية المتعلقة بالسيادة وبطبيعة الحال فإن دمشق كانت ترى أن خطوة التقارب لم تنضج بعد وقد تحتاج الى اختبار صدق النوايا حتى يمكن التجاوب معها، وفي ظل غياب الإشارات الإيجابية كان من المتوقع أن نستبق فشل بغداد في عقد قمة تاريخية بين بشار الأسد وأردوغان بالنظر إلى أرضية هذا اللقاء الذي تم التسويق له بنيت على أساس هش.

تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان من قبة البرلمان التركي يوم 22 نوفمبر الماضي والتي تطرق فيها الى الملف السوري معتبرا أن بشار الأسد يفتقد الإرادة السياسية ولا يريد تحريك عملية السلام في سوريا كانت إشارة واضحة بأن أنقرة قد طوت صفحة التقارب مع نظام الأسد، وأن أنقرة قد بدأت بالفعل في التفكير في خطط بديلة، واليوم وفي خضم الأوضاع الميدانية في الشمال السوري يتحدث أردوغان عن مرحلة جديدة في سوريا تتم إداراتها بهدوء ليعيد التأكيد على نفس تصريحات هاكان فيدان ويزيل الضبابية التي كانت تكتنف الموقف التركي في ظل ما يجري في شمال سوريا.

هنالك من يرى بأن الأسد أخطأ التقدير في رفض اليد التركية الممدودة لأنها ربما كانت كفيلة بأن تؤجل الحرب الدائرة حاليا وخسارة حلب وحماة وخلق ديناميكيات جديدة تزيد من ضعف النظام السوري، لكنها في الأساس يد ممدودة تبحث عن مكاسب على حساب المصالح السورية، وتجبره على قبول الأمر الواقع في الشمال السوري بما يجعل التقارب فارغا من أي مضامين وفي كلتا الحالتين فإن تقارب الاسد وأردوغان من عدمه يصل إلى نتيجة واحدة: إما الخضوع للمنطق التركي أو فتح الدفاتر القديمة.

إقرأ أيضا : سوريا.. الجهات الفاعلة مع الاستراتيجيات المتنافسة

اذا كانت الغاية مما يجري في سوريا هي التهيئة لمشهد جديد يكون مقدمة لمشروع تفكيك سوريا وإدارتها عبر وكلاء فإن الأحاديث عن تطلعات الشعب السوري وعن التسوية السياسية التي تنهي حمام الدماء هي مجرد “ذر رماد في العيون” وخطاب يستغبي العقول من أجل الوصول الى الغاية، لا يمكن أن نتوقع من التغيير الذي يفرض بقوة السلاح ما يؤسس لديمقراطية تشاركية تسمح بتداول السلطة.

سقوط نظام عائلة الأسد وفراره بهذه الطريقة ربما يكون الحدث الذي ينسينا لبعض الساعات مرارة ماحدث ويحدث في غزة بالنظر حجم الإضطهاد الذي عايشه السوريون على مدار أزيد من 5 عقود لكن الأهم أن تمضي سوريا في مسيرة بناء لدولة عظيمة بتاريخها وبتضحيات أبناءها.

 

 

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?