منذ قدوم الاحتلال إلى فلسطين وهو يسعى إلى سلب الأراضي الفلسطينية والسيطرة عليها من أجل قيام دولته، ولا تزال دولة الاحتلال الإسرائيلي تُمارس العديد من الانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني حتى يومنا هذا، سواء كان ذلك بالقتل والتخريب أو السلب والنهب، في غالبيتها تكون موجهة ضد المدنيين الفلسطينيين، وتمتد لتشمل المباني والمنشآت والعقارات والأراضي أينما كانت داخل أراضي فلسطين التاريخية، بما فيها الاستيطان والاستيلاء على الأرض، بصورة واضحة وصريحة لانتهاك مبادئ حقوق الإنسان المكفولة في القوانين الدولية.
يعتبر الاستيطان جريمة حرب لذلك تحركت القيادة الفلسطينية بشكل فعلي نحو أحد أهم الأجهزة الدولية المختصة في محاكمة مجرمي الحرب، ألا وهي المحكمة الجنائية الدولية بما لها من سلطات واسعة في ملاحقة إسرائيل عن استيطانها الهمجي بحق الشعب الفلسطيني، ولكن لم تعاقب إسرائيل أو تحد من علميات الاستيطان والتوسع به بصورة متزايدة، ففي الاحتلال الاستيطاني الإحلالي يحقق المحتل أهدافه من خلال سيطرته على الأرض على حساب سكانها الأصليين، وإقامة المستوطنات عليها، وهذا الأمر الذي انطبق بشكل كامل على طبيعة الصراع الفلسطيني الصهيوني، حيث هدفت الحركة الصهيونية من مشروعها الاستيطاني إلى تحقيق عدة أهداف وغايات، على حساب حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلة على أرضهم.
يمثل النشاط الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي في فلسطين أحد أخطر الممارسات التي تهدف إلى منع قيام دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، إذ ترى الأدبيات الصهيونية أن المستوطنات مرتكزاً أساسياً لاستراتيجية السيطرة الديمغرافية، والسيطرة على الأرض، ناهيك عن كونها الحزام الأمني والاقتصادي للمجتمع الصهيوني، لذلك تعمل الحكومات الإسرائيلية على بناء المستوطنات وتوسيعها بهدف توطين أكبر عدد من المهاجرين اليهود في الأراضي الفلسطينية للإخلال في الميزان الديمغرافي لصالح اليهود في نهاية المطاف، لذلك تم إخضاع النشاط الاستيطاني الإسرائيلي لمنهاج تدريجي في عملية التوسع غير المحدد برقعة واضحة دلل عليها بشكل جلي وصريح أحد تصريحات بن غوريون وهو: “حدود إسرائيل ستعينها الأجيال القادمة”.
وما نشهده اليوم من توسيع نشاط المستوطنين في الضفة الغربية بصورة عشوائية خاصة في الأراضي الفلسطينية المهددة بالمصادرة الاسرائيلية لكونها منطقة تقع ضمن التصنيف C، أو لأنها تقع بالقرب من مستوطنات إسرائيلية، ويساعد في توسيع المستوطنات في حال تم تهجير سكانها، فالرغم من غطرسة الاحتلال في سياسات الضم والتهويد والاستيطان التي يمارسها إلا أن هنالك أسباب زادت من غطرسته رويداً رويدا فعلى سبيل المثال اليوم ومع تزايد موجات التطبيع العربية الإسرائيلية ولدت لدى إسرائيل فرصة قوية لتحقق ما تريد بدأً من تقوية الاقتصاد الإسرائيلي في المنطقة العربية وأسواقها التي تشكل مراكز استهلاكية مهمة خاصة لدول الخليج التي تضم أكبر وأغنى وأهم الأسواق في منطقة الشرق الأوسط من جهة.
ويشكل أيضا فرصة ذهبية لإسرائيل من حيث تحقيقها لمشروع الشرق الأوسط الجديد ودمجها في المنطقة العربية كأحدي دول المنطقة إذ أن اسرائيل بقيت تكافح طوال السنوات الماضية من أجل الاستفادة من الموقع الجغرافي المميز الذي تهيمن عليه بفضل موانئها المطلة على البحر الأبيض المتوسط، لذا باتت إسرائيل تسعى إلى تسوية علاقتها بالدول المجاورة لها إقليماً معتمدة على مبادئ ومحددات بنيوية معينة كمبدأ إدارة الأزمات بدلاً من حلها هادفة من ذلك الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار في العلاقات الخارجية من خلال تأجيل الصدام أو تحويل إدارة الأزمة الى صراع مباشر.
ساهمت عمليات التطبيع العربية الإسرائيلية في ازدياد حدة الاستيطان في فلسطين فمثلاً عملت الامارات من خلال إعلان تطبيعها مع إسرائيل واعترافها بيهودية الدولة العبرية أدى إلى تخطيط إسرائيلي ممنهجا لزيادة المستوطنات ومساحة الدولة لتحقيق حلمها الكبير” إسرائيل من البحر للنهر”، حيث جاءت الامارات مدعية أن هذا الاتفاق الذي وقع بين الطرفين كان بهدف منع الإسرائيليين من فرض السيادة على أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، وتأجيل خطة الضم الإسرائيلية التي كانت ستقضي تماما على حل الدولتين للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، إلا أن إسرائيل لم توافق إلا على تأجيل خطتها، وليس وقفها نهائيا، فبعد شهر واحد من اعلان هذا الاتفاق شرعت الحكومة الإسرائيلية باستعدادها للتصديق على مخطط استيطاني، يهدف لبناء 5400 وحدة استيطانية جديدة في عدد من مستوطنات الضفة الغربية.
اقرأ أيضا| أربع سنوات عجاف في انتظار الفلسطينيين
إن الاتفاقيات الإبراهيمية كما تم تسميتها جاءت بعد علاقات دبلوماسية بذرائع سياسية تتمثل في القضاء على الإرهاب السياسي في المنطقة، وعلاقات اقتصادية بين بالبلدين بالرغم من الاقتصاد القوي للكيان الإسرائيلي إلا أن المشاريع المتبادلة بين الدول المطبعة وإسرائيل تزيد من الاقتصاد الوطني وبالتالي تساهم في انشاء وتطوير خططها التنموية والاستيطانية وبذلك تحولت إسرائيل من عدو إلى صديق مقرب لها تجمعهما مصالح وصفقات متنوعة شاملة.
لقد تصاعدت حملات الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية بعد توقيع اتفاقيات التطبيع، وبهنا وجب التنويه إلى المناطق المنوي ضمّها إسرائيليا إذ تعد أرض ذات مخزون قوي للموارد الطبيعية الفلسطينية، فمثلا أقدم جيش الاحتلال على تدمير خط للمياه، يخدم قرى مدينة يطا الشرقية والجنوبية في محافظة الخليل (أقصى جنوب الضفة الغربية)، وكذلك هدم عدة مبانٍ في المنطقة نفسها، والتي تشكّل جزءاً كبيراً من المناطق المنوي ضمها، وتضم حوالي ثماني قرى فلسطينية في منطقة مسافر يطا، والممتدة من الخليل غربا وحتى البحر الميت والحدود الأردنية شرقا، وفي ضوء ذلك أشار معهد عكيفوت الإسرائيلي لدراسة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أنه عثر على وثيقة صادرة عن ارائيل شارون في 1981، تدعو إلى طرد مواطني تلك القرى الفلسطينيين وترحيلهم، إذ سماهم شارون في الوثيقة “العرب القرويين في جبل الخليل”.
ولتحقيق ذلك طالب شارون الجيش الإسرائيلي على إقامة معسكرات تدريبات له في تلك المناطق، وطرد الفلسطينيين منها بذريعة حاجة الجيش الإسرائيلي لكل المنطقة للتدريبات، وعدم السماح لهم بفلاحة أراضيهم وزراعتها بحجة أنها منطقة نيران، الأمر الذي تستخدمه المحاكم الإسرائيلية اليوم لتسجيلها أراضي دولة، بحجّة أن صور الأقمار الصناعية الملتقطة في الثلاثين عاماً الأخيرة تكشف أن أصحابها لم يقوموا بحراثتها أو فلاحتها، وهذا الأمر سيسهل مصادرتها وتسجيلها للمستوطنين أو للدولة، في تجاهل أن الجيش الإسرائيلي هو الذي منع أصحابها الفلسطينيين من الوصول إليها وزراعتها لاستخدامها للتدريبات العسكرية.
في الأربع أعوام الأخيرة وحتى اليوم بتنا نرى أن إسرائيل وحكومتها لا تعد العدة والحساب لأي كيان كان ويعود ذلك إلى المتغيرات الجيوسياسية الواقعة في المنطقة، وكان من أهمها موجات التطبيع العربية الإسرائيلية التي أثرت بصورة كبيرة وواضحة على القضية الفلسطينية ومصيرها حيث ساهم الاعتراف العربي بيهودية الدولة الإسرائيلية في إضعاف القضية الفلسطينية وانحراف البوصلة عنها وتحقيق إسرائيل لخططها ومشاريعها التي تسعى لها خاصة فيما يتعلق بضم الأراضي الفلسطينية وزيادة حدة الاستيطان التي ستؤدي إلى ارتفاع وتيرة الهجرة القسرية للفلسطينيين من هذه الأراضي.
أما بعد وقوع الحرب الأخيرة في فلسطين عادت البوصلة اتجاه القضية الفلسطينية وباتت من أهم القضايا الحالية في العالم حيث عاد مناصرو القضية يهتفون باسمها وبالرغم من ذلك لا تزال إسرائيل تعمل على ضم الأراضي الفلسطينية وسلبها وتوسيع المستوطنات والطرق الواصلة بينها على حساب الأراضي الفلسطينية وسكانها لتنفذ مشروعها الصهيوني الكبير فوفقا لها بعد بناء المستوطنات والقضاء على القضية الفلسطينية ستنتقل إلى دولة أخرى لتحقق هدفها “إسرائيل الكبرى”.