معركة أميركا ضد التضخم لم تنته بعد
حتى الآن، لم ينهَر شيء أو يتدهور، وتحسنت فرص استمرار الوضع على ذلك المنوال. لكن ذلك ما يزال معتمداً على التضخم في الولايات المتحدة.
ظهرت دلائل في 15 مايو الماضي تشير إلى إجماع في الآراء بدرجة ما في مكتب إحصاءات العمل. فالمؤشرات الرئيسية أكدت على توقعات التراجع الطفيف لتضخم أسعار المستهلكين، وخففت القلق المتزايد إزاء احتمال عودته للتسارع، فيما تنفست الأصول الخطرة الصعداء في جميع أنحاء العالم بقية اليوم.
فقد كان من الممكن أن تصبح البيانات أسوأ، وبعد شهر خفضت فيه الأسعار المخاطر المتزايدة للتضخم، أصبح اتجاه انتقال التأثير إلى الأسواق منطقياً. من الواضح أن عائدات السندات كان يجب أن تنخفض قليلاً في ظل تلك الأوضاع، فيما ترتفع الأسهم. مع ذلك، فمن المعقول التساؤل عما إذا كانت تلك الأرقام تمثل نقطة تحول في المعركة ضد التضخم.
أسعار الخدمات مسؤولة عن التضخم
بدايةً، يقسّم الرسم البياني التالي الذي أعدته “بلومبرغ إيكونوميك أناليسيس” مؤشر أسعار المستهلكين إلى 4 عناصر رئيسية، الغذاء والوقود والسلع والخدمات الأخرى. قبل عامين، حدثت صدمات كبرى في أسعار السلع والغذاء والطاقة، إلا أنها تبددت في الفترة الحالية، ما يفسر سبب التراجع الكبير في معدل التضخم حالياً. تكمن المشكلة في أن تضخم أسعار الخدمات ما يزال مرتفعاً بشكل مستعصٍ، وهو مسؤول من الناحية الجوهرية عن التضخم الكلي في هذه المرحلة.
تعد الخدمات أنشطة كثيفة الاعتماد على الموارد البشرية، وتمثل فيها الأجور قوة دافعة بالغة الأهمية في تحديد الأسعار. وعلى خلاف الغذاء والوقود، يمكن أن تصبح السياسة النقدية أداة ناجحة لمواجهة تضخم الأجور، ما يعتبر دافعاً لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لإبقاء أسعار الفائدة كما هي من دون تغيير.
لتفصيل أعمق، يوضح الرسم البياني التالي التضخم في مكافئ الإيجار لمالكي المنازل، وهو مقياس لتكاليف المسكن يحيط به جدل كبير، ومقياسين نادراً ما أُشير إليهما قبل بدء هذا الارتفاع في الأسعار، لكنهما باتا الآن محور النقاش، الأول يطلق عليه “التضخم الأساسي الفائق”، الذي يقيس أسعار الخدمات باستثناء المسكن، ويعتبره الاحتياطي الفيدرالي مؤشراً بالغ الأهمية، ومؤشر أسعار المستهلكين الذي يستبعد أسعار الغذاء والمساكن والطاقة والسيارات المستعملة. يضطر معظم الناس لشراء كل تلك العناصر، لكن مكتب إحصاءات العمل بدأ نشر هذا المؤشر في 2021، عندما تركزت الضغوط التضخمية في تلك العناصر، وهذا ما يبدو عليه كلا المقياسين.
هناك منطق يشير إلى إمكانية انخفاض تضخم الإيجارات بوتيرة أسرع في حالة قياسه بشكل أفضل، وقد ناقشه قسم “بوينتس أوف ريترن” سابقاً. فرغم أن البيانات الرسمية تظهر تراجعه، إلا أن ذلك يحدث بمنتهى البطء. فمؤشر “ستبفورد” (Stepford) للتضخم، الذي يستبعد كل ما أراد الناس استبعاده في 2021، انخفض عن أعلى مستوياته بكثير، غير أنه اتجه للارتفاع بشكل مقلق في الآونة الأخيرة، دون أن ينخفض على الإطلاق إلى المعدل المستهدف عند 2%. لذلك؛ لا يمكننا أن نلقي باللوم على تلك العناصر وحدها في عودة الضغوط التضخمية كلها للارتفاع.
التضخم الأساسي الفائق مستمر في الارتفاع
الأمر الأكثر مدعاة للقلق هو أن مؤشر التضخم الأساسي الفائق يتجه إلى ارتفاع مستمر، فيحوم قرب 5%، وأعلى بكثير عن أي مستوى قد يطمئن البنك المركزي. تحوّل هذا المؤشر إلى الارتفاع في الخريف الماضي- سواء تزامن ذلك بشكل عرضي أو لا مع موعد تنفيذ رئيس “الاحتياطي الفيدرالي” جيروم باول “التحول” المشؤوم تجاه خفض أسعار الفائدة- وما يزال آخذاً في الارتفاع. وفقاً لمراجعة بيانات مؤشر التضخم الأساسي الفائق على أساس شهري، فقد أظهرت ارتفاعه في أبريل بمعدل أقل عن الشهور الثلاثة السابقة من العام، إلا أنه ما يزال مرتفعاً وفق البيانات التاريخية. وهذا وحده كفيل تقريباً باستبعاد خفض أسعار الفائدة في موعد أقربه الشهر المقبل.
يتكرر هذا النمط في المؤشرات الإحصائية المتنوعة التي تعدها مجموعات بحثية مختلفة في “الاحتياطي الفيدرالي”. فقد خفض “الاحتياطي الفيدرالي” في كليفلاند مقياس المتوسط الذي يستبعد أكبر القيم المتطرفة في كلا الاتجاهين، ويحتسب متوسط القيم المتبقية.
رغم تجاوزه مؤشر أسعار المستهلكين الذي يستبعد الغذاء والطاقة، وهو التعريف المتفق عليه لمؤشر التضخم الأساسي، إلا أنه وصل إلى المستوى نفسه في الفترة الحالية، وتؤكد البيانات الشهرية الانخفاض. ما يزال هذا المؤشر مرتفعاً أكثر من المعدل الذي يستهدفه “الاحتياطي الفيدرالي”، إلا أن من الواضح أنه يتجه إلى الانخفاض.
عدم التسارع دليل على تراجع التضخم
تأكد هذا الاتجاه من خلال مؤشر ثبات الأسعار في “الاحتياطي الفيدرالي” في أتلانتا، الذي يركز على السلع والخدمات التي تستغرق أسعارها بعض الوقت للتغير، ونادراً ما تنخفض. يعتبر هذا تضخماً يصعب عكس مساره بدرجة كبيرة، لذا؛ فأي ارتفاع سيقلق البنك المركزي. ورغم انخفاضه، وإن كان ببطء شديد، فلا يزال أعلى من معدل 4%.
أخذ تلك العوامل مجتمعة في الحسبان يؤكد أن تراجع التضخم ما يزال جارياً، في ضوء عدم وجود أي إشارة على التسارع الصريح. لذا؛ يبدو رفع أسعار الفائدة أمراً مستبعداً، وكذلك يمكن استبعاد خفضها في المدى القريب، حيث ما تزال قراءات عدد من المؤشرات الرئيسية ثابتة وأعلى مما يجب.
كذلك؛ ما تزال بعض الأوضاع غير المعتادة الناتجة عن اضطرابات العرض إبان الجائحة مستمرة. فتضخم إيجارات السيارات تجاوز معدل 100% في مرحلة ما، إلا أنه بلغ سالب 10% حالياً. مع ذلك، تستمر التبعات على التكاليف الأخرى التي يتحملها سائقو السيارات؛ تجاوز ارتفاع رسوم المواقف حالياً معدل 7%، فيما تخطى التضخم في تكاليف التأمين على السيارات 20%، وهو آخذ في الارتفاع.
ظهرت دلائل في 15 مايو الماضي تشير إلى إجماع في الآراء بدرجة ما في مكتب إحصاءات العمل. فالمؤشرات الرئيسية أكدت على توقعات التراجع الطفيف لتضخم أسعار المستهلكين، وخففت القلق المتزايد إزاء احتمال عودته للتسارع، فيما تنفست الأصول الخطرة الصعداء في جميع أنحاء العالم بقية اليوم.
فقد كان من الممكن أن تصبح البيانات أسوأ، وبعد شهر خفضت فيه الأسعار المخاطر المتزايدة للتضخم، أصبح اتجاه انتقال التأثير إلى الأسواق منطقياً. من الواضح أن عائدات السندات كان يجب أن تنخفض قليلاً في ظل تلك الأوضاع، فيما ترتفع الأسهم. مع ذلك، فمن المعقول التساؤل عما إذا كانت تلك الأرقام تمثل نقطة تحول في المعركة ضد التضخم.
أسعار الخدمات مسؤولة عن التضخم
بدايةً، يقسّم الرسم البياني التالي الذي أعدته “بلومبرغ إيكونوميك أناليسيس” مؤشر أسعار المستهلكين إلى 4 عناصر رئيسية، الغذاء والوقود والسلع والخدمات الأخرى. قبل عامين، حدثت صدمات كبرى في أسعار السلع والغذاء والطاقة، إلا أنها تبددت في الفترة الحالية، ما يفسر سبب التراجع الكبير في معدل التضخم حالياً. تكمن المشكلة في أن تضخم أسعار الخدمات ما يزال مرتفعاً بشكل مستعصٍ، وهو مسؤول من الناحية الجوهرية عن التضخم الكلي في هذه المرحلة.
تعد الخدمات أنشطة كثيفة الاعتماد على الموارد البشرية، وتمثل فيها الأجور قوة دافعة بالغة الأهمية في تحديد الأسعار. وعلى خلاف الغذاء والوقود، يمكن أن تصبح السياسة النقدية أداة ناجحة لمواجهة تضخم الأجور، ما يعتبر دافعاً لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لإبقاء أسعار الفائدة كما هي من دون تغيير.
لتفصيل أعمق، يوضح الرسم البياني التالي التضخم في مكافئ الإيجار لمالكي المنازل، وهو مقياس لتكاليف المسكن يحيط به جدل كبير، ومقياسين نادراً ما أُشير إليهما قبل بدء هذا الارتفاع في الأسعار، لكنهما باتا الآن محور النقاش، الأول يطلق عليه “التضخم الأساسي الفائق”، الذي يقيس أسعار الخدمات باستثناء المسكن، ويعتبره الاحتياطي الفيدرالي مؤشراً بالغ الأهمية، ومؤشر أسعار المستهلكين الذي يستبعد أسعار الغذاء والمساكن والطاقة والسيارات المستعملة. يضطر معظم الناس لشراء كل تلك العناصر، لكن مكتب إحصاءات العمل بدأ نشر هذا المؤشر في 2021، عندما تركزت الضغوط التضخمية في تلك العناصر، وهذا ما يبدو عليه كلا المقياسين.
هناك منطق يشير إلى إمكانية انخفاض تضخم الإيجارات بوتيرة أسرع في حالة قياسه بشكل أفضل، وقد ناقشه قسم “بوينتس أوف ريترن” سابقاً. فرغم أن البيانات الرسمية تظهر تراجعه، إلا أن ذلك يحدث بمنتهى البطء. فمؤشر “ستبفورد” (Stepford) للتضخم، الذي يستبعد كل ما أراد الناس استبعاده في 2021، انخفض عن أعلى مستوياته بكثير، غير أنه اتجه للارتفاع بشكل مقلق في الآونة الأخيرة، دون أن ينخفض على الإطلاق إلى المعدل المستهدف عند 2%. لذلك؛ لا يمكننا أن نلقي باللوم على تلك العناصر وحدها في عودة الضغوط التضخمية كلها للارتفاع.
التضخم الأساسي الفائق مستمر في الارتفاع
الأمر الأكثر مدعاة للقلق هو أن مؤشر التضخم الأساسي الفائق يتجه إلى ارتفاع مستمر، فيحوم قرب 5%، وأعلى بكثير عن أي مستوى قد يطمئن البنك المركزي. تحوّل هذا المؤشر إلى الارتفاع في الخريف الماضي- سواء تزامن ذلك بشكل عرضي أو لا مع موعد تنفيذ رئيس “الاحتياطي الفيدرالي” جيروم باول “التحول” المشؤوم تجاه خفض أسعار الفائدة- وما يزال آخذاً في الارتفاع. وفقاً لمراجعة بيانات مؤشر التضخم الأساسي الفائق على أساس شهري، فقد أظهرت ارتفاعه في أبريل بمعدل أقل عن الشهور الثلاثة السابقة من العام، إلا أنه ما يزال مرتفعاً وفق البيانات التاريخية. وهذا وحده كفيل تقريباً باستبعاد خفض أسعار الفائدة في موعد أقربه الشهر المقبل.
يتكرر هذا النمط في المؤشرات الإحصائية المتنوعة التي تعدها مجموعات بحثية مختلفة في “الاحتياطي الفيدرالي”. فقد خفض “الاحتياطي الفيدرالي” في كليفلاند مقياس المتوسط الذي يستبعد أكبر القيم المتطرفة في كلا الاتجاهين، ويحتسب متوسط القيم المتبقية.
رغم تجاوزه مؤشر أسعار المستهلكين الذي يستبعد الغذاء والطاقة، وهو التعريف المتفق عليه لمؤشر التضخم الأساسي، إلا أنه وصل إلى المستوى نفسه في الفترة الحالية، وتؤكد البيانات الشهرية الانخفاض. ما يزال هذا المؤشر مرتفعاً أكثر من المعدل الذي يستهدفه “الاحتياطي الفيدرالي”، إلا أن من الواضح أنه يتجه إلى الانخفاض.
عدم التسارع دليل على تراجع التضخم
تأكد هذا الاتجاه من خلال مؤشر ثبات الأسعار في “الاحتياطي الفيدرالي” في أتلانتا، الذي يركز على السلع والخدمات التي تستغرق أسعارها بعض الوقت للتغير، ونادراً ما تنخفض. يعتبر هذا تضخماً يصعب عكس مساره بدرجة كبيرة، لذا؛ فأي ارتفاع سيقلق البنك المركزي. ورغم انخفاضه، وإن كان ببطء شديد، فلا يزال أعلى من معدل 4%.
أخذ تلك العوامل مجتمعة في الحسبان يؤكد أن تراجع التضخم ما يزال جارياً، في ضوء عدم وجود أي إشارة على التسارع الصريح. لذا؛ يبدو رفع أسعار الفائدة أمراً مستبعداً، وكذلك يمكن استبعاد خفضها في المدى القريب، حيث ما تزال قراءات عدد من المؤشرات الرئيسية ثابتة وأعلى مما يجب.
كذلك؛ ما تزال بعض الأوضاع غير المعتادة الناتجة عن اضطرابات العرض إبان الجائحة مستمرة. فتضخم إيجارات السيارات تجاوز معدل 100% في مرحلة ما، إلا أنه بلغ سالب 10% حالياً. مع ذلك، تستمر التبعات على التكاليف الأخرى التي يتحملها سائقو السيارات؛ تجاوز ارتفاع رسوم المواقف حالياً معدل 7%، فيما تخطى التضخم في تكاليف التأمين على السيارات 20%، وهو آخذ في الارتفاع.
ماذا عن أسعار الفائدة؟
تميل الأسواق للنظر إلى التضخم من منظور التبعات على “الاحتياطي الفيدرالي” وأسعار الفائدة. وعلى ذلك الصعيد، أشارت بيانات اقتصادية أخرى إلى احتمال وجود ما يبرر خفض أسعار الفائدة قريباً، حيث بدأ نمو مبيعات التجزئة في الانخفاض بعد ارتفاعه في مطلع العام، كما أظهر مسح شهري أجرته الرابطة الوطنية لشركات بناء المساكن (National Association of Home Builders) تحولاً سلبياً في الثقة في قطاع الإسكان مرة أخرى.
عن مبيعات التجزئة، يشير تروي لودتكا من شركة “إس إم بي سي نيكو” (SMBC Nikko) أيضاً إلى أنه من خلال أخذ العوامل المؤثرة الأخرى في الحسبان-قسمة المبيعات الإجمالية على مؤشر أسعار المستهلكين-فإنها تتراجع في الفترة الحالية، أو أنها انخفضت حتى بمقدار ضئيل، عن الاتجاه الصعودي الذي ساد في الفترة ما بين الأزمة المالية العالمية والجائحة. ومن شأن وجود أي إشارة على إنهاك المستهلك أن تدعم فرص خفض أسعار الفائدة.
مع ذلك، تراجع التأثير على أسعار الفائدة الفيدرالية المقدرة في سوق العقود المستقبلية. فالجميع تقريباً يتفق على أن خفض أسعار الفائدة في يونيو غير وارد، وإجراؤه في يوليو مستبعد. لكن سوق العقود المستقبلية للأموال الفيدرالية تتوقع حالياً بشكل كامل خفض أسعار الفائدة مرتين بمقدار 25 نقطة أساس، بحلول نهاية العام.
ما يزال ذلك الخفض أقل من التيسير النقدي الكبير الذي كان إجراؤه مرتقباً في يناير الماضي، لكنه كان كافياً لإقناع المستثمرين بشراء السندات مرة أخرى، لا سيما أن عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات- الذي يعد معياراً للسوق- الذي تؤثر فيه بشدة توقعات أسعار الفائدة، يتماشى مجدداً مع الاتجاهات السائدة. فقبل أسابيع قليلة فقط، بدا تجاوزه نسبة 5% احتمالاً واقعياً، لذا؛ فذلك مبعث طمأنينة لكثيرين.
زخم في سوق الأسهم
أما بالنسبة إلى سوق الأسهم، فالنبأ السار بشأن خفض أسعار الفائدة قابله خبر سيئ يفيد بتباطؤ حقيقي في الاقتصاد، ورجحت الكفة المرتبطة بأسعار الفائدة، فسجل مؤشر “إس آند بي 500” أعلى مستوياته على الإطلاق للمرة الأولى منذ مارس، فيما بلغ مؤشر “فوتسي” لبقية دول العالم حالياً أعلى مستوياته منذ مطلع 2022. تعافى كلا المؤشرين بشكل كامل من موجة البيع الكثيف في الشهر الماضي، والتي لم تكن في حقيقتها تصحيحاً.
كما وصلت أسعار أسهم “العظماء السبعة” إلى مستوى قياسي جديد، بينما لم تتحقق عودة أسعار أسهم القيمة منخفضة التكلفة للارتفاع الذي طال انتظاره، مقارنة بأسهم النمو، حتى الآن.
هناك زخم في الأسواق، ويجب أن تكون آمنة من أي صدمات كبيرة بشأن أسعار الفائدة لمدة أسبوع أو أسبوعين، لذا؛ من المنطقي، في المدى القصير، توقع استمرار الصعود لمدة أطول. كما يساعد ضعف الدولار الأميركي في تهدئة المخاوف.
أما في المدى الطويل، فتتسق أحداث الآونة الأخيرة مع سرديتين، الأولى أن يظل معدل التضخم أعلى مما يجب مع تباطؤ الاقتصاد، ما يشير إلى هبوط حاد محتمل، والثانية أن يتباطأ التضخم تدريجياً دون إعاقة النمو الاقتصادي، ما سيؤدي إلى نتيجة متوازنة. ولا يمكن استبعاد أي من السرديتين.
ضعف الدولار يمدد المهلة المتاحة
يعد تراجع التضخم في الولايات المتحدة نبأً ساراً للبنوك المركزية في أنحاء العالم، والتي توجب عليها التعامل مع قوة الدولار. ففي ظل موجة البيع الكثيف توقعاً لتراجع التضخم، فاقمت الأرقام الحقيقية الضغوط التي تسببها العملة الخضراء. كما أن ارتفاع أسعار الفائدة في أميركا منع البنوك المركزية الأخرى من خفض أسعار الفائدة، حتى عندما اتضحت حاجة اقتصاداتها لذلك، لكن الأوضاع تحسنت الآن.
اتضح ذلك في قوة عملاتها مقابل الدولار بعد صدور بيانات التضخم، كما نالت توقعات اقتراب البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا إزاء خفض أسعار الفائدة دفعة مع ارتفاع عملتيهما، فيما يتجه الين إلى الاستفادة من الدعم الذي طال انتظاره.
الأمر المنطقي، من الناحية التاريخية، أن تتبع البنوك المركزية مسار “الاحتياطي الفيدرالي” في دورة التيسير النقدي، وكان الاستثناء الوحيد هو عام 1998. فبعد خفض “ريكس بنك” (Riksbank)- البنك المركزي السويدي-والبنك الوطني السويسري أسعار الفائدة في الآونة الأخيرة، يخالف الوضع في العام الجاري الاتجاه السائد، فيما يتراجع دور “الاحتياطي الفيدرالي”.
في كل تلك الحالات، تمكنت البنوك المركزية التي سبقت “الاحتياطي الفيدرالي” من ذلك بعد السيطرة على التضخم، وكذلك تجاوباً مع جمود النمو الاقتصادي، لكن حتى في ذلك الوقت، شكّل خطر هبوط العملات المحلية عاملاً كبيراً. ما يزال من مصلحة البنوك المركزية الأخرى ألا تنحرف أكثر مما يجب عن مسار “الاحتياطي الفيدرالي”، وعلى النحو الذي أوضحته شركة “نيد دافيس ريسيرش” (Ned Davis Research) للبحوث، فالبنوك المركزية تولت مقاليد الأمور عند الضرورة.
نجاح السيطرة على التضخم في أوروبا وبريطانيا
مع عودة التفاؤل إزاء خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، تتزايد احتمالات أن يسبقه “المركزي الأوروبي” وبنك إنجلترا في هذه الخطوة، ففي النهاية، كانت نتيجة معركتهما ضد التضخم أكثر نجاحاً من نظرائهما على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي. ترجح أداة “توقعات بلومبرغ لأسعار الفائدة العالمية” (Bloomberg World Interest Rate Projection) أن تقوم المملكة المتحدة بأول خفض لأسعار الفائدة في أغسطس، فيما قد تجريه فرانكفورت في موعد أقربه يونيو المقبل.
من المثير رؤية الإجراءات التي سيتخذها هذان البنكان لإنقاذ اقتصاديهما دون زيادة الضغوط على عملتيهما، كتب محللو “نيد دافيس ريسيرش” تعليقاً مشابهاً: “تعمل معظم البنوك المركزية الكبرى في سبيل مصلحتها. فعادة ما نرى تزامناً في دورات البنوك المركزية نظراً لميل نمطي النمو والتضخم للتحرك جنباً إلى جنب نتيجة العولمة. السبب الرئيسي لارتفاع التضخم في الولايات المتحدة خاص بالبلاد هذه المرة“.
ما يزال خطر ارتفاع التضخم في أوروبا مرة أخرى قائماً، وإن كان جوزيف لافورنا من شركة “إس إم بي سي نيكو سكيوريتيز” يشك في ابتلاع المركزي الأوروبي الطعم، وقال: “ربما بمقدور البنك خفض أسعار الفائدة مرة واحدة فقط، لكنني أرى أنه في حال عدم خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، سيواجه المركزي الأوروبي صعوبة في خفضها، لا سيما في ضوء إمكانية الارتفاع الكبير للدولار مقابل اليورو، ما سيعقّد وضع التضخم في أوروبا. أظن أن هناك احتمالاً بأن يكون المركزي الأوروبي أكثر تشدداً مما يتوقعه الناس”.
حتى الآن، لم ينهَر شيء أو يتدهور، وتحسنت فرص استمرار الوضع على ذلك المنوال. لكن ذلك ما يزال معتمداً على التضخم في الولايات المتحدة.
المناظرات مصدر ترفيه
يبدو أن لدينا عدداً من المناظرات الرئاسية سنتطلع إليها في النهاية، ولابد أن تبدأ في موعد أبكر من المعتاد، في يونيو. فالمناظرات قد تكون مصدر ترفيه ممتاز. تحيط الشكوك بما إذا كانت ستنير بصيرة الناخبين بشأن ما سيفعله المرشحون في المنصب، لكنها تكشف عن الشخصيات بشكل مذهل. كما تعد مصدراً ممتازاً لمواد البرنامج الكوميدي “سترداي نايت لايف” (Saturday Night Live)، والذي عادة ما يركز بلا هوادة على تلك السمات الشخصية.
والعرض الذي أفضّله شخصياً هو نسخة البرنامج من المناظرة الرئاسية الأولى بين آل غور وجورج بوش في عام 2000، فبينما ظهر بوش غبياً، بدا “غور” شخصاً لا يطاق. فيما سخرت الفقرة الفكاهية القصيرة عن المناظرة الثالثة ذلك العام من فكرة إقامة مناظرات أمام ناخبين لم يحسموا قرارهم بعد، كما ظهر فيها الممثل دانا كافري في دور جورج بوش الأب.
ثم قلّد الممثلان جاسون سوديكيس وتينا فاي المناظرة بين جو بايدن وسارة بالين، المرشحين لمنصب نائب الرئيس في انتخابات 2008، فيما أدى جون لوفيتز دور مايكل دوكاكيس، الذي ظهر متبلد الأحاسيس في مناظرته مع جورج بوش الأب في 1988، وهناك أيضاً المناظرة بين أليك بولدوين وكيت مكينون التي سخرت من كل ما لا يحبه الناس في دونالد ترمب وهيلاري كلينتون في 2016.
هذا هو الترفيه الحقيقي. صحيح أن المناظرة الأولى بين ترمب–الذي اتضحت إصابته بكورونا بعد أيام من إقامتها-وبايدن في 2020 كانت كارثية، إلا أن الأمل ما زال باقياً.
نقلا عن بلومبرغ