إبان السابع من أكتوبر 2023م وما قبله كان هناك عدة تصريحات لقيادة حركة حماس تحمل تفاءل كبير لديهم في اطار الحديث عن مرحلة جديدة من التحرر وانهاء وجود الاحتلال في فلسطين، ولعل ذلك يعكس حجم الدعم اللوجستي والعسكري والامكانيات التي تُقدم للحركة على مدار سنوات مضت، ولقد تُرجم حقيقة ذلك من خلال اقدام الحركة على هجوم السابع من اكتوبر الذي يؤكد بأن الامكانيات العسكرية لحركة حماس لم تكن يسيرة وأضف لذلك ومن خلال الاستماع لخطاب قائد الجناح العسكري في الحركة في يوم السابع من أكتوبر تصريحاته بدعوة للتحرك والهجوم من عدة مناطق شمالاً وجنوباً، وهذا ما نحن بصدد الحديث عنه والتوقعات الكبيرة بأنه كان هناك وعودات بالمساندة في ذلك الهجوم ولكن سرعان ما تحولت تلك الخطابات إلى خطابات استعطاف للمجتمع الدولي بضرورة وقف تلك الإبادة.
محور المقاومة دوره ومدى فعاليته ؟
مجرد أن تتعرف على أطراف ذلك التحالف العسكري السياسي تدرك تماماً حجم الاختلاف الايديولوجي وتبدأ تفكر في كيفية وصورة الاتفاق بين تلك الأطراف التي قد تبدو بعيدة والتقارب بينهما قد يخلق حالة يصعب الرهان عليها، وهذا ما جرى بالفعل، الحرب الأخيرة على قطاع غزة ما أطلق عليها “طوفان الأقصى” كشفت حقيقة ذلك التحالف وحددت مدى فعالية وأداء أطراف ذلك التحالف بعيدًا عن ما كان يدور في وسائل الإعلام وتصريحات بعض قيادة وعناصر الأحزاب.
اقرأ أيضا.. الاقتتال الداخلي.. خطة حماس لإبقاء حكمها في غزة
وبمتابعة تصريحات متعددة خلال الحرب على غزة وما أقدمت عليه حركة حماس دون أدنى تنسيق أو ترتيب مع باقي قوى المقاومة في فلسطين خاصة وفي المنطقة ككل وهذا ما لوحظ بحسب تصريحات حسن نصرالله قائد حزب الله في حينه وتصريحات علي الخامنئي، وهذا ما يعكس الفجوة وعدم الانسجام التام بين أطراف ذلك التحالف وقد يكون ذلك نتيجة انخفاض منسوب الثقة بالمفهوم السياسي والعسكري بين المتحالفين.
حركة حماس ومن خلال قرأت المشهد السياسي في السنوات الأخيرة السابقة للحرب تتابعت ممارستها التي تهدف فرض السيطرة على قطاع غزة مع ضمان استمرار حكمها في ظل القناعة التامة بضرورة احلال فترة هدوء نسبي مع الاحتلال الاسرائيلي، وهذا الأمر الذي كان يعتبر عنصر المفاجأة خلال قيام حركة حماس بهجوم أكتوبر 2023م، مما دفع أطراف محور المقاومة من ظهورهم بسرعة كبيرة والتأكيد في تصريحاتهم بعدم مشاركتهم أو علمهم المسبق بذلك الهجوم، أضف لذلك حجم التهديدات الدولية والأمريكية في حال قيام إيران وحزب الله بالدخول في الحرب وما قد يعكسه ذلك على بدء حرب شاملة قد تنتقل إلى حرب دولية كبرى ومن الممكن أن لا تتوقف بتوقف الحرب على غزة.
واقع ومستقبل وحدة الساحات؟
يمكن القول بأن مصطلح وحده الساحات ظهر بوضوح بعد معركة سيف القدس/ مايو2021م وقد جاء ذلك المصطلح كنوع من الرد على الانتهاكات الاسرائيلية المستمرة للمسجد الاقصى وباحاته إضافة إلى محاولة الاحتلال طمس معالم حي الشيخ جراح، في حينها تمكنت عدة جبهات من اطلاق الصواريخ بإتجاه اسرائيل من قطاع غزة ومن جنوب لبنان بالاضافة إلى سوريا مع استمرار حراكات ومواجهات في الأراضي المحتلة، وكان من الطبيعي وتبعاً لتلك التجربة أن يكون هناك تحرك مستمر يأتي في ذات السياق بالحفاظ على وحدة الساحات، ولكن ومع بداية حرب 2023م بدأت تتراجع تلك الرؤية وصولاً لابرام اتفاقيات منفصلة بين اسرائيل والجبهة اللبنانية وحزب الله من ناحية وبين اسرائيل وحماس والجهاد الاسلامي من ناحية أخرى، وهنا يمكن القول بأن مصطلح وحدة الساحات قد بدأ يتلاشى دون العلم بمصيره بعد انتهاء مراحل وقف إطلاق النار وتثبيته.
يعتبر هجوم السابع من أكتوبر بمثابة اختبار حقيقي لفعالية تلك التحالفات، بعد أن أكدت التجربة بأن التحالفات الداخلية أكثر نجاح وفعالية على صعيد الحروب المباشرة لذلك أدركت حركة حماس أن وسيلة الضغط الوحيدة والناجحة هي ما تملكه من أوراق رابحة تمكنها من الاستمرار في مواجهة الاحتلال حفاظاً على وجودها، ولعل التغيير الكبير الذي شاهدناه في موقف الحركة اتجاه وقف إطلاق النار والقبول بذلك على عدة مراحل وحفاظ إسرائيل على مبدأ الحل الجزئي وصولاً للكلي مع التمسك بملف الأسرى يؤكد بأن حركة حماس باتت تراهن فقط على ما تملكه وما تستطيع أن تدفعه عنها وما دون ذلك هو وهم وصدى إعلامي.
التحول في موقف وأهداف حركة حماس
بدأت حركة حماس الإعلان عن أهدافها التي قد وضعتها لهجوم السابع من اكتوبر 2023م وكانت تتلخص تلك الأهداف في ثلاثة محاور اساسية :-
– المحور الأول يتحدث عن تبييض السجون الاسرائيلية وتحرير كافة الاسرى الفلسطينيين.
– المحور الثاني الذي يهدف الى التخلص من الاحتلال والحصول على الاستقلال والحرية.
– المحور الثالث الذي يعني بوقف جرائم الاحتلال الاسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني.
ولكن لم تكن ردة الفعل الاسرائيلية متوقعة وجاءت متختلفة تلك المرة، حيث أن الجيش الاسرائيلي شن حرباً شرساً فاقت كل الجرائم السابقة في ظل الدعم الأمريكي والدولي لاسرائيل بذريعة الدفاع عن نفسها ولكن لم تكن ردة الفعل مساوية للفعل، ووسيلة الدفاع ليست مشروعة أساساً، لأن كل الحقائق تؤكد أن الوجود الاسرائيلي هو وجود احتلال في فلسطين، كل ذلك أجبر حركة حماس على التحول في تصريحاتها وأهدافها وبدأت تفاوض على كيفية العودة لما قبل السابع من أكتوبر وقد تناست الأهداف التي صيغت بداية الحرب، في ظل محاولة استجداء واستعطاف المجتمع الدولي لوقف الإبادة في قطاع غزة.
قد يكون ذلك يعود لاسباب ومنعطفات حقيقية مرت بها حركة حماس خلال فترة الحرب -خمسة عشر شهراً- سواء كان ذلك على الصعيد الداخلي وحجم التراجع والانهيار العكسري بالإضافة إلى فقدان عدد كبير من قادتها السياسيين والعسكرين وحالة الشارع الفلسطيني الذي يعاني ويلات تلك الحرب، أو على الصعيد الخارجي والتحالفات الاقليمية التي المحت إلى انهيار وتفكك وحدة الساحات، أضف لذلك الموقف الدولي والعربي الذي يَعتبر هجوم السابع من أكتوبر هو السبب الرئيسي لتلك الحرب وأن حركة حماس هي من أشعلت فتيل تلك الأزمة، كل ما تم ذكره أخرج لنا مشهد تحول فيه موقف حركة حماس وبدأت تعكس تلك الأزمة حقيقة ما تمر به الحركة.