الوضع في إيران ومنطقة الشرق الأوسط حساس للغاية وقابل للانفجار، وتكشف التحولات في العام الماضي عن تغييرات كبيرة في هذه المنطقة من العالم. لأكثر من 40 عامًا، نقول إنَّ استراتيجية بقاء النظام الإيراني مبنية على القمع الداخلي وتصدير التطرف والإرهاب وإثارة الحروب.
كان الرهان الإستراتيجي للنظام منذ البداية مرتكزًا على هذين العنصرين. اعتمد النظام في الداخل الإيراني على القمع، وفي الخارج على إشعال الحروب وتصدير ما يسمى بالثورة. الإعدامات الجماعية في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، ومجزرة الثلاثين ألف سجين سياسي في صيف عام 1988، والتعذيب الوحشي في السجون الإيرانية، وأخيرًا القمع الدموي في الانتفاضات الشعبية في 2017 و2019 و2022، كلها حقائق لا يمكن إنكارها حول القمع المطلق داخل البلاد.
اقرأ أيضا.. 6 سيناريوهات للهجوم الإيراني الثالث المرتقب على إسرائيل
على الصعيد الخارجي، ومنذ وصول الخميني إلى السلطة، شهدنا تدخلًا مباشرًا في العراق ودعوات من الخميني وبقية قادته للشعب العراقي للتمرد ضد حكومته، مما أدى إلى اندلاع الحرب. وبعد انسحاب القوات العراقية من إيران، استمر النظام في الحرب حتى عام 1988 بشعار “تحرير القدس عبر كربلاء”. ومن ثم، أنشأ حزب الله وبدأ بسياسة احتجاز الرهائن. وبعد الحرب، أنشأ فيلق القدس وبدأ في تشكيل وكلائه في المنطقة. أما سعي النظام للحصول على القنبلة النووية فهو جزء من هذه الاستراتيجية، ليس فقط كعامل ردع ضد دولة أجنبية، ولكن لضمان استمرارية سياساته التدخلية في المنطقة.
التحول المهم في هذه المرحلة هو أن النظام وصل إلى أقصى حد من حيث القمع الداخلي والتدخل الإقليمي، مما أدى إلى ظهور اتجاه معاكس. السمة الخاصة لهذه الفترة هي أن النظام واجه طريقًا مسدودًا في كلا المجالين، فلم يعد القمع والتدخل الإقليمي مفيدين له كما كانا من قبل.
داخليًا، في انتفاضة عام 2022، حاولت القوى الاستعمارية وحلفاؤها والعناصر المنشقة عن النظام بكل قوتهم منع الحركة من الراديكالية اللازمة لإسقاط النظام. شعارهم المركزي كان “المرأة، الحياة، الحرية”، بدلاً من شعار “المرأة، المقاومة، الحرية” وكانوا يسعون لعدم راديكالية الحركة وجعل التغيير في إطار مصالحهم.
لكن الحقيقة القاسية كانت أن هذه الحركات لم ولن تسقط النظام. استطاعت المقاومة الإيرانية أن تثبت الشعار “الموت للظالم سواء كان الشاه أو الزعيم”، وهو أكبر تمييز سياسي في هذا السياق. بصرف النظر عن هذه القضايا، فإن مشاركة الشباب في الانتفاضة كانت بمثابة تحول كبير في المجتمع، بسبب عنصرين: أولاً، وصول النظام الإيراني إلى طريق مسدود، وثانيًا، دور أربعين عامًا من المقاومة التي أرست ثقافة المقاومة في صميم المجتمع الإيراني.
اجتماعيًا، كان هذا تحولًا كبيرًا. من هذا المنطلق، كانت انتفاضة 2022 تعبيرًا عن تحول اجتماعي. ضع هذا جنبًا إلى جنب مع الطريق المسدود الذي يواجهه النظام في المجال الاقتصادي والفقر وآلاف المشاكل المعيشية التي تعاني منها غالبية المجتمع الإيراني. وهكذا، يتضح أن النظام في أضعف نقطة له منذ 45 عامًا. خاصة بعد الانتفاضة، لم يساعد تشديد القبضة النظام، ولم يساهم قدوم بعض الشخصيات مثل پزشکیان. بل بالعكس، زادت أوضاع النظام سوءًا.
لهذا السبب، يحاول النظام، وعلى رأسه خامنئي، بكل قوته منع اندلاع انتفاضة أخرى، لأنه يعلم أن الانتفاضة القادمة ستكون أكثر راديكالية واتساعًا، بينما يكون النظام في أضعف حالاته. أطلق خامنئي الحرب في المنطقة لمنع انتفاضة أخرى، وهذا لم يكن من موقف قوة. بصرف النظر عن آليات التدخل، من الواضح أنه لو لم يكن للنظام الإرادة والرغبة، لما حدث الهجوم في 7 تشرين الأول (أكتوبر). تشير التقييمات خلال العام الماضي إلى أن النظام قد ارتكب خطأً كبيرًا في حساباته، مما قاده إلى اتخاذ قرارات خاطئة خلال هذه الفترة. تاريخيًا، عندما يصل الطغاة إلى مراحلهم الأخيرة، يرتكبون أخطاء قد لا يفهمها المراقبون في البداية، حيث يرون تحركات الديكتاتور كعلامات على القوة، في حين أن الواقع غير ذلك.
كان تقييم النظام الأولي أن هذا الهجوم سيوجه ضربة حاسمة وأنه سيواجه رد فعل محدودًا من الطرف الآخر، معتقدًا أنه سيتم التوصل إلى اتفاق بعد شهرين، وأنه بعد هذه الضربة سيحظى بمكانة أعلى في المنطقة، وسيتمكن من انتزاع تنازلات أكبر من الغرب لتعويض الضربة التي تلقاها في انتفاضة 2022، ويمنع اندلاع انتفاضة أخرى، ويستغل السياسة الاسترضائية للحصول على تنازلات لحل بعض مشاكله الداخلية.
وهكذا، ما يحدث حاليًا، والذي نعتبره وضعًا غير مسبوق خلال الـ45 عامًا الماضية، هو الحقيقة أن كلا الركيزتين الأساسيتين لبقاء النظام، وهما القمع الداخلي وسياسة الحرب، قد تلقيا ضربات جوهرية، مما جعل النظام أكثر هشاشة من أي وقت مضى.