البوابة العالمية الأوروبية والصراع على الموارد!
هدف مشروع البوابة العالمية هو منافسة الصين، لكن السؤال هل سيكتب له النجاح؟!
أعلن الاتحاد الأوروبي بدوله ال/27/ والمؤسسات المالية التابعة له وخاصة بنك الاستثمار الأوروبي مبادرة (البوابة العالمية Global Gate Way) وعقد مؤتمرها الأول بتاريخ 13/12/2021. والسؤال ماذا حققت هذه المبادرة؟!، ولا سيما في المشاريع التي عبرت عنها رئيسة المفوضية الأوروبية السيدة (أور سولا فون دير لاين) من: تعزيز الاقتصاد الأخضر واعتماد الرقمية عالمياً، وربط الاتحاد الأوروبي مع دول العالم اقتصادياً، واستخدام الطاقة النظيفة ومكافحة تغيرات المناخ وتوفير فرص عمل والتعافي الاقتصادي، وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتفعيل النقل والتجارة وتقديم المساعدات الفنية، ودعم عمل المرأة وزيادة تدفقات السلع والخدمات وسلاسل التوريد والقيم المضافة، وتحقيق الأمن والتنمية المستدامة، وزيادة الاستثمارات وتحسين الصحة والتعليم والاقتصاد الدائري (أي تقليل الهدر وإعادة استخدام مخلفات الإنتاج الناجمة عن استخدام الموارد) …إلخ.
وأيدت هذه الشعارات مجموعة الدول السبع الصناعية G7 أي أمريكا- بريطانيا- فرنسا-ألمانيا -اليابان -كندا- إيطاليا، بتاريخ 26/6/2023 في ألمانيا، والآن بدأ الكثير من الاقتصاديين ونحن منهم يسألون ماذا تحقق من هذه المشاريع والشعارات الوردية ؟!، أم إن هدف المبادرة هو مواجهة التوسع الاقتصادي (الروسي- الصيني)، وخاصة مشروع الحزام والطريق أو خط الحرير الجديد سنة 2013.
والهدف من المبادرة الأوروبية هو السيطرة على القسم الأكبر من الثروة العالمية والموارد الاقتصادية تطبيقاً لمقولة العالم الاقتصادي الإنكليزي الكبير (آدم سميث 1723- 1790) بأن “الثروة ليست لمن يجمعها، بل لمن يستمتع بها”، و قد عبرت (أور سولا فوند ير لاين) عن موقفها هذا بشكل صريح حيث قالت: ليس من المنطقي لأوروبا بناء طريق بين منجم نحاس وميناء مملوكين للصيني!.
إذاً هدف مشروع البوابة العالمية هو منافسة الصين، لكن السؤال هل سيكتب له النجاح؟!، ومن خلال تحليلنا لواقع المشروعين وجدنا أنه يوجد فروقات كبيرة بينهما: الصين تمتلك قدرات اقتصادية ومالية واستثمارية أكبر بكثير من قدرات أوروبا، وبدأت تتوسع في دول العالم معتمدة على تمويل مشاريعها بكفالة وضمانة من الدولة، بعكس أوروبا التي تعتمد على تمويل مشاريعها مناصفة مع القطاع الخاص وبنسبة /50%/ لكل منهما، وقرار الصين السياسي والاقتصادي يصدر عن الحكومة الصينية فقط، أما دول الاتحاد الأوروبي فتشهد خلافات كبيرة وخاصة حول الموازنات السنوية ومعالجة ارتفاع معدلات التضخم، كما تمتلك الصين احتياطيات نقدية اكثر من الاتحاد الأوروبي..الخ، وهذا كله دفع الاتحاد الأوروبي للإسراع في اعتماد مبادرة (البوابة العالمية).
وبرأينا أنها لن تحقق النجاح المتوقع منها لعدة أسباب ومن أهمها: تراجع ثقة دول العالم النامية في الدول الأوروبية بعد ماضيها الاستعماري الأسود من نهب لثروات الدول النامية وتصنيعها وإعادة تصديرها وتراكم ثرواتها من خلال ما نفضل تسميته (مقص الأسعار) أي الفارق بين أسعار المواد الأولية وأسعار السلع المصنعة منها، أي ربط اقتصاديات دول الجنوب بعجلة الاقتصاد الأوروبي، اقتناع أغلب قادة أوروبا بأن قارتهم هي مركز العالم وبقية العالم أطراف ولم يعترفوا بالمتغيرات الجيوسياسية خلال هذه الألفية، فشل مشاريعهم الاستثمارية، وكمثال على ذلك أن البنك الأوروبي للاستثمار لم يحقق غايات مشاريعه منذ أكثر من /55/ سنة واستثمر في أكثر من /40/ بلداً إفريقياً لكن من دون أن يحدث نقلة اقتصادية نوعية في (المياه والتعليم والتقنيات المبتكرة والطاقة الخضراء والزراعة والصناعة والاتصالات والصحة)، الخضوع الأوربي للقرارات الأمريكية مثل تطبيق العقوبات الاقتصادية المفروضة على دول العالم (الصين وروسيا وإيران وسورية وكوبا وفنزويلا) وغيرها، عدم التزام أوروبا بميثاق الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية WTO، فمثلاً طالب مفوض السياسة الخارجية الأوروبي (جوزيب بوريل) بتحويل عائدات الأصول الروسية المجمدة حوالي/300/ مليار دولار لصالح (أوكرانيا) ضد روسيا بتحويل /90%/ من عائدات الأصول الروسية المجمدة لشراء أسلحة من خلال صندوق (السلام الأوروبي) وتحويل /10%/ المتبقية إلى موازنة الاتحاد الأوروبي لاستخدامها في تعزيز قدرة صناعة الدفاع الأوكرانية مستغلاً أن أكثر من /70%/ من الأصول الروسية المجمدة موجودة في عاصمة الاتحاد الأوروبي (بروكسل) وتحديداً في (هيئة الإيداع المركزية للأوراق المالية البلجيكية (يورو كلير)، وتقدر بأكثر من /190/ مليار يورو من الأوراق المالية والنقدية والتي تعود ملكيتها للبنك المركزي الروسي…إلخ.
وهكذا نرى أن ظاهر هذه المبادرة الأوروبية يختلف عن مضمونها وهدفها استمرار سيطرة الغرب وليس تنمية دول الجنوب، وهذه الدول ترى كيف تبرعت روسيا بالقمح لصالح الدول الفقيرة وخاصة في إفريقيا، وكل هذا يجعل من مبادرة (البوابة العالمية) ليست أكثر من كونها خديعة أوروبية جديدة لسرقة موارد دول الجنوب فقط وقطع الطريق على المشروع الصيني.