منذ بداية عام 2002، بدأت “إسرائيل” تضغط بأساليب مباشرة، وأخرى غير مباشرة من أجل حث الإدارة الأمريكية على غزو العراق، وأدت هذه الضغوط إلى إقناع الولايات المتحدة الامريكية بعدم التساهل مع دول منطقة الشرق الأوسط، الذي تتنامى فيه مشاعر المعاداة للولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن التهديدات التي تحيط ب “إسرائيل” ومنابع النفط. كتب ”أيهود باراك” رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق في صحيفة “النيويورك تايمز”.
“محذراً من أن الخطر الأكبر يكمن في عدم اتخاذ إجراء” وعقب سلفه السابق “بنيامين نتنياهو” في مقال منشور بصحيفة “وول ستريت جورنال” بالقول: “في هذه الأيام ليس هناك أقل أهمية من إسقاط النظام العراقي”، وأضاف قائلاً:” أنا على يقين كما قلت للأغلبية الساحقة من الإسرائيليين يجب أن ندعم الضربة الوقائية ضد نظام صدام حسين”، وفى فبراير 2003، ذكرت صحيفة “هاآرتس” الاسرائيلية: “أن القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية تتوق إلى شن الحرب على العراق”.
وفى الحقيقة، فإن معظم الإسرائيليين، أبدوا رغبتهم الجامحة في الحرب ضد العراق، لدرجة أن حلفاءهم الأمريكيين أخبروهم بتخفيف تعبيرهم عن هذه الرغبة الجامحة، خشية أن تبدو هذه الحرب، كأنها حرب من أجل “إسرائيل”. تمثلت القوة الرئيسية المحركة للحرب على العراق، داخل الولايات المتحدة الأمريكية في فئة صغيرة من “المحافظين الجدد”، والذين لهم روابط قوية مع حزب ”الليكود الإسرائيلي”، بالإضافة على أن القادة الفاعلين لجماعات اللوبي، أعطت أصواتها لصالح شن الحرب على العراق.كما أن الجماعات اليهودية حشدت كافة قواها من أجل الدفاع عن نية الرئيس الأمريكي للحرب على العراق، وفى مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” الاسرائيلية ذكرت “إن قادة اللوبي اليهودي في أمريكا، أكدوا على ضرورة تخليص العالم من صدام حسين وأسلحته ذات التدمير الشامل، كما ذكرت افتتاحيات الصحف والصحفيين الأمريكيين” بأن موضوع أمن “إسرائيل” يُسرع عوامل الحرب”.
لقد كان المحافظون الجدد مصممين على إسقاط نظام صدام حسين، قبل أن يصبح بوش رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، بل أرسلوا في عام 1998 رسالتين منشورتين إلى الرئيس كلينتون، يطالبون فيها بإزاحة نظام صدام حسين، وكان معظم الموقعين على هاتين الرسالتين، من أقرب الناس إلى الجماعات التي تتبنى وجهة النظر الإسرائيلية، مثل: “اليوت إبرامز، وجون بولتون، ودوجلاس فيث، وريتشارد بيرل، وبول وولفوتيز”.
وفي ضوء معطيات تأييد المحافظين الجدد “لإسرائيل”، وهاجسهم تجاه العراق وخطورته، وتأثيرهم في إدارة الرئيس بوش، لم يكن غريباً أن عدداً من الأمريكيين شكوا، وانتابهم الخوف من أن هذه الحرب صممت وخططت لصالح “إسرائيل”، على المدى البعيد، ومثال ذلك اعتراف “بارى جاكوب” من لجنة “الشؤون الأمريكية الإسرائيلية العامة” في مارس 2005: “أن الاعتقاد الموحى بتآمر إسرائيل والمحافظين الجدد على الولايات المتحدة الأمريكية لدفعها إلى الحرب على العراق، كان تدخلاً وتغلغلاً من الاستخبارات الأمريكية من هذين الطرفين. وحتى الآن فإن فئة قليلة من الشعب تذكر ذلك علانية، وأن الأغلبية منهم ومن ضمنهم السناتور “إيرنست هولنفر”، والممثل “جيمس موران”، قد أدينوا بمجرد رفعهم لهذا الصوت إزاء هذه القضية، لقد كان السبب لهذه المعارضة – كما يتضح – هو الخوف من أن يوصف من يتبناها بتهمة معاداة السامية.
وبالرغم من ذلك، فهناك اتجاه واضح، أن”إسرائيل”واللوبي اليهودي، كانا عاملين رئيسيين لرسم القرار الأمريكي لشن الحرب على العراق. وقد أثبتت المعطيات بأن غالبية من يمسك بالملف العراقي في (وزارة الخارجية الأمريكية) و(وزارة الدفاع البنتاغون) و(البيت الأبيض) هم من أعضاء “اليمين الإنجيلي الأمريكي المتصهين”، وجلهم من أعضاء منظمة (الآيباك) والجميع يدفع باتجاه شن الحرب على العراق،وكشف (بروس رايدل) المُستشار الخاص للرئيس الأمريكي الأسبق (جورج بوش) الابن في ندوةٍ نظّمها (مُنتدى السادات) في واشنطن بمُناسبة الذكرى العشرين لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، سِرًّا خطيرًا وعلى دَرجةٍ كبيرةٍ من الأهمية عندما قال: “في (14/9/2001م)، أيّ بعد ثلاثة أيّام من الهجمات التي شنّها تنظيم (القاعدة)الارهابي.
اتّصل الرئيس (جورج بوش) الابن (بتوني بلير) رئيس الوزراء البريطاني في حينها وأبلغه أنّ أمريكا ستُهاجم العِراق وليس أفغانستان فقط”؛ حيث لعب “المحافظون الجدد” مثل: (سكوتر ليبى) و(بول وولفوتيز)، والمؤرخ (برنارد لويس)، دورًا كبيرًا وهامًا وخاصًا في إقناع الرئيس الأمريكي ونائبه على شن هذه الحرب، حيث نصح (وولفويتز) الرئيس بوش الابن “بمهاجمة العراق قبل أفغانستان”، حتى وإن لم يكن هناك دليل على أن (صدام حسين) كان مشاركًا في أحداث (11 أيلول/ سبتمبر)، ولكن بوش رفض هذه النصيحة واختار أن يبدأ بأفغانستان أولًا”، وهذا يعني إن غزو العراق أصبح احتمالًا قائمًا، وبالفعل ففي ( 21نوفمبر عام2001م)، أوكل بوش للعسكريين الأمريكيين مهمة التخطيط والإعداد لغزو العراق، وهذا يعطي صورة واضحة بأن قرار غزو العراق اتخذته الإدارة الأمريكية لتنفيذ مشروعها في المنطقة، بغض النظر عن جميع الذرائع التي تم تسويقها لشن هذه الحرب. إن العداء بين الدولة العراقية و”اسرائيل “هو عدائي تأريخي.
العراق قبل الاحتلال لا يعترف بدولة اسمها “إسرائيل”، وقد شارك في جميع الحروب العربية ضد “اسرائيل” كدولة مواجهة على الرغم من عدم وجود حدود برية مشتركة معها،كما إن (إسرائيل) ترى بأن العراق يشكل تهديدًا قويًا ومباشرًا للأمن القومي (الإسرائيلي)، وقد عملت على تدمير مفاعل تموز العراقي عام (1981م) وساهمت في تدمير البنى التحتية العراقية في حرب الخليج الثانية عام (1991م)، عندما قدمت “بنك معلومات” مفصل عن القدرات العسكرية والاقتصادية ومنشآت التصنيع العسكري، ثم ساهمت بفرض الحصار الاقتصادي الظالم على العراق بعد عام (1991م)، ثم حرضت وشاركت في الإطاحة بالدولة العراقية السابقة عام(2003م)؛ لتبدأ مرحلة جديدة فيها آفاق واسعة للتنسيق والتعاون والاختراق لمؤسسات الدولة العراقية التي تم تشكيلها بعد الاحتلال.