ليس شعب غانا فحسب، بل أيضًا دول غرب إفريقيا المجاورة، والشركاء الدوليون، ينتظرون بفارغ الصبر مسار الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة ونتائجها المُحتملة.
وفي منطقة تتّسم بوتيرة متزايدة من عدم الاستقرار السياسي والتهديدات الأمنية، وإضعاف التحالفات الإقليمية، والابتعاد عن الشركاء الغربيين، لا يزال الكثيرون ينظرون إلى غانا باعتبارها “منارة للديمقراطية”.
وفي السياق الإقليمي، تُعدّ غانا واحدة من الجهات الفاعلة القليلة المتبقية التي لا تزال مستقرة وقادرة، وتحظى بالثقة في خليج غينيا. وفيما يتصل بالتعاون الأمني في غرب إفريقيا، تحديدًا، يبدو أن غانا أصبحت الآن أكثر شعبيةً من أيّ وقتٍ مضى بين الشركاء الغربيين، نظرًا لانهيار الشراكات الأخرى، وخاصةً في بلدان الساحل.
وفي الوقت الحالي، يتركز الاهتمام، في الأساس، على دعم التدابير التي اتخذتها الحكومة في غانا لمكافحة بؤر نشاط الجماعات المسلحة على الحدود الشمالية للبلاد. وفي السنوات الأخيرة، أسهَم هذا الانتشار، بشكل كبير، في زعزعة الاستقرار السياسي في دول الساحل، مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وهو الآن يفرض أيضًا تحديات أمنية خطيرة على الدول المجاورة لغانا مثل “توجو” و”بنين” و”كوت ديفوار”.
ما هي القضايا التي تهيمن على الحملة الانتخابية؟
في أفضل الأحوال، يلعب الأمن دورًا ثانويًّا في الحياة اليومية لغالبية المواطنين في غانا، وكذلك في الحملة الانتخابية الحالية. ومن الواضح أن الناخبين أكثر انشغالًا بأمور أخرى؛ أهمها: الوضع المالي والاقتصادي المتردي باستمرار والتوترات الاجتماعية الناجمة عن ذلك.
إن غانا، التي كانت ذات يوم دولة “رائدة” اقتصاديًّا، لم تتعافِ بعدُ من واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية التي عصفت بها خلال ثلاثين عامًا. ويتجلى ذلك في الحياة اليومية، وتحديدًا، في ارتفاع تكاليف المعيشة وارتفاع معدلات التضخم بوتيرة مستمرة. والواقع أن أسباب الأزمة الاقتصادية مُعقَّدة، وترجع إلى مجموعة من العوامل الخارجية والداخلية.
لم تُؤدِّ جائحة كورونا بالتزامن مع عمليات الإغلاق والاضطرابات التجارية، إلى تعطيل السوق المحلية وسلاسل التوريد العالمية التي تعتمد عليها غانا في العديد من السلع والبضائع فحسب، بل أدت أيضًا إلى انخفاض الطلب على المواد الخام مثل الذهب؛ باعتباره أحد صادرات غانا الرئيسية.
ربما كان من الممكن أن يكون لهذه الأحداث تأثير أقل جذرية وديمومة على اقتصاد غانا لو لم تكن نقاط الضعف الداخلية الصارخة موجودة بالفعل. لذلك، بعد فوزها في الانتخابات عام 2016م، بدأت الحكومة الحالية في الوفاء ببعض أكبر وعود حملتها الانتخابية: التعليم المجاني في المدارس الثانوية العامة وإعادة تقديم الحوافز والعلاوات لكادر التمريض والمُعلمين المتميزين. وكلاهما يُشكِّل ضغطًا هائلًا على الخزانة العامة. وفي الوقت نفسه، إلغاء مجموعة واسعة من الضرائب، مثل ضريبة القيمة المضافة على الخدمات المالية والعقارات، مما أدى لاحقًا إلى انخفاض ملحوظ في الإيرادات الحكومية. لقد أنفقت الحكومة أكثر مما كسبت. ولذلك، اضطرت في النهاية إلى الحصول على قروض إضافية لتعويض ما فقدته من إجمالي الدخل. ولكنَّ عدم استخدام هذه القروض بحكمة كافية، وعدم استثمارها الجيد في القطاعات الاقتصادية الحيوية أثار حفيظة الخبراء والمحللين الاقتصاديين في غانا.
وعلى الرغم من هذه التحديات المتعددة، لطالما كانت الحكومة متفائلة بأن الاقتصاد سوف يتعافى عقب الجائحة. ولكن بعد ذلك اندلعت الحرب في أوكرانيا، وسرعان ما أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية وغيرها من السلع الأساسية في غانا، وهي دولة تستورد بالكامل المواد الغذائية مثل القمح. وفي نهاية الأمر، أدَّى التضخم المفرط وانخفاض قيمة العملة، بالإضافة إلى ارتفاع الدَّيْن الوطني وما يقابله من التزامات السداد، إلى وضع اقتصاد غانا على المحك. لقد ارتفعت نسبة الدين العام في غانا إلى أكثر من 80% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية عام 2022م، وفي ديسمبر 2022م أعلنت الدولة رسميًّا إفلاسها. وفي مايو 2023م، جرى التوصل أخيرًا إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن حزمة إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار. وفي المقابل، التزمت غانا، إلى جانب أمور أخرى، بإعادة الهيكلة الشاملة لديونها الخارجية، وإجراء إصلاحات في السياسة الضريبية، والإدارة المالية العامة، وتشجيع الاستثمار الخاص.
وهناك قضية أخرى صارت من القضايا المهيمنة في الحملة الانتخابية خلال الأسابيع الأخيرة وهي قضية غالامسي؛ ويُقصَد بالمصطلح عمليات تعدين الذهب غير القانونية في غانا، والتي أصبحت تُشكِّل تهديدًا خطيرًا للبيئة والاقتصاد وصحة المواطنين في غانا من خلال إزالة الغابات، وتدمير الأراضي الزراعية وتلوث التربة والمياه بواسطة استخدام المواد الكيميائية السامة.
ومن المفترض أن أكثر من 40 ألف هكتار من مساحة زراعة الكاكاو -إحدى أهم السلع التصديرية في غانا والدعامة الأساسية للاقتصاد- قد وقعت بالفعل ضحية لأنشطة التعدين غير القانونية. وهذه الظاهرة ليست جديدة، ولكنها تحظى باهتمام شعبي وسياسي متزايد، نظرًا لزيادة الوعي بآثارها العميقة وطويلة الأمد.
وقد شهدت الأشهر الأخيرة احتجاجات متكررة ضد “غالامسي”؛ فعلى سبيل المثال، أعلن حزب العمل المنظم، وهو ائتلاف غاني يتكون من النقابات والجمعيات، عن إضراب واسع النطاق في أكتوبر، والذي تم تلافيه في اللحظة الأخيرة بعد أن تفاوض الرئيس “أكوفو أدو” مع الائتلاف، وقدم خطة عمل ملموسة من أربع نقاط ضد عمليات “غالاماسي”.
“التحديث” مقابل “إعادة الضبط”: نهجان مختلفان لمواجهة التحديات المُعقدة
فيما يتعلق بأفضل السُّبل لمعالجة هذه التحديات المعقدة، فإن الحزبين السياسيين المهيمنين في البلاد ومرشحيهما، جون ماهاما (حزب المؤتمر الوطني الديمقراطي) ومحمدو باوميا (الحزب الوطني الجديد)، لديهما أفكار وأساليب مختلفة.
من ناحية، يدعو “ماهاما” إلى “إعادة ضبط” سياسي بالكامل -أي بداية جديدة- للسياسة الغانية، ومِن ثَم فهو ينأى بنفسه بوضوح عن حكومة الحزب الوطني الجديد الحالية، والتي ينتقدها العديد من الغانيين على نحوٍ متزايدٍ، خاصة بسبب الادعاءات المتكررة بالفساد والأزمة الاقتصادية المستمرة. من ناحية أخرى، يعتمد “باوميا” على “التحديث” والتطوير الإضافي المستهدف للاتجاه السياسي المُتَّبَع مع الحزب الوطني الجديد.
ومن أجل تحفيز الاقتصاد، يخطط البرنامج الوطني للطاقة إلى تعزيز القطاع الخاص والشراكات بين القطاعين العام والخاص. وهناك أيضًا خطط لتوفير الإنفاق الحكومي، والذي سيتم استثماره في مشاريع البنية التحتية التي ستفيد شبكة الطرق والسكك الحديدية في البلاد.
ومن الركائز الأساسية لبرنامج الحزب الوطني الجديد أيضًا مسألة الرقمنة: فلا ينبغي أن يؤدي ذلك إلى خلق مليون فرصة عمل للشباب الغانيين والمساعدة في مكافحة البطالة على نطاق واسع بين الشباب فحسب، بل من شأنه أيضًا أن يجعل غانا أكثر جاذبية كموقع للاستثمار. كما ينبغي أن تعمل “الخدمات الصحية عن بُعْد” على جعل الخدمات الصحية في متناول عدد أكبر من المواطنين، وخاصةً في المناطق الريفية. بل إن الهدف من الرقمنة هو تقديم مساهمة مهمة في مضمار مكافحة الفساد. وفي هذا السياق، تتضمن المقترحات إدخال اقتصاد غير نقدي وعملة سيدي الإلكترونية (العملة الوطنية الغانية). وفيما يتعلق بنظام التعليم، سيتم توسيع نطاق برنامج “SHS المجاني” الحالي، أي الوصول المجاني إلى التعليم الثانوي. ويُولي الحزب الوطني الجديد أيضًا أهمية كبرى لقضية الأمن، وبالتالي فهو يدرك أهمية التطورات، وخاصة في شمال غانا: إذ يخطط الحزب لإنشاء 15 قاعدة عسكرية جديدة في المناطق الحدودية وتوظيف عشرين ألف جندي جديد من قوات الأمن. ويتعين أيضًا تعزيز العلاقات مع دول الساحل بروح إستراتيجية مشتركة لمكافحة التطرف في المنطقة.
على صعيد آخر، يتبنَّى حزب “المؤتمر الوطني الديمقراطي” نهجًا مختلفًا عندما يتعلق الأمر بالسياسة الاقتصادية؛ على سبيل المثال، ينبغي زيادة الملكية المحلية لمشاريع النفط والتعدين المستقبلية من أجل تحقيق مشاركة حكومية أكبر وزيادة الضرائب من هذه القطاعات. وتلعب قضية البنية التحتية أيضًا دورًا مركزيًّا في برنامج الحزب: يقترح الحزب مشاريع بنية تحتية عامة واسعة النطاق مثل ما يسمى مبادرة “الدفعة الكبيرة” لتحفيز النمو الاقتصادي وجذب الاستثمار الأجنبي في قطاع البناء والقطاعات المرتبطة به.
ومن المشكوك فيه ما إذا كانت آليات التمويل المقترحة لمثل هذه المشاريع واسعة النطاق واقعية. وينعكس موضوع الرقمنة أيضًا في برنامج المساهمات الوطنية، ويهدف من خلال ما يسمى بـ “مبادرة الوظائف الرقمية” إلى خلق 300 ألف فرصة عمل جديدة، بينما يهدف في الوقت نفسه إلى إنشاء “صندوق دعم التكنولوجيا” لتحفيز النمو الاقتصادي من خلال الابتكار.
وفيما يتعلق بمقاربات السياسة الأمنية؛ يركز حزب المؤتمر الوطني الديمقراطي أيضًا على توسيع قوات الأمن، لكنه يؤكد أيضًا على أهمية تعزيز قدرة المجتمعات المحلية على الصمود؛ ولا بد أن يُسهم في تحقيق ذلك إنشاء شبكات الأمان المالي، التي من شأنها أن تجعل المواطنين أقل عُرْضة لممارسات تجنيد المتطرفين.
وبالإضافة إلى برامج الحزب؛ فإن مرشحي الحزبين للرئاسة يستحقان أيضًا أن نلقي نظرة فاحصة عليهما. أما بالنسبة إلى “باوميا”، نائب الرئيس الحالي، فقد اختار “الحزب الوطني الجديد” مرشحًا يتمتع للوهلة الأولى بشخصية غير عادية إلى حد ما بالنسبة للحزب؛ فـ”باوميا” ينحدر من شمال غانا، وينتمي إلى مجموعة مامبروسي العرقية، وهو مسلم.
ويجب فَهم تعيينه بشكل إستراتيجي، في الأساس، للأسباب التالية: يعتبر الكثيرون أن الحزب الوطني الجديد هو حزب (أكان) أو (أشانتي)، وهو أحد أكبر المجموعات العرقية في غانا، والتي تتركز، بشكل خاص، في جنوب ووسط غانا.
وعلى هذه الخلفية، يهدف تعيين “باوميا” إلى الاستفادة من مجموعات جديدة من الناخبين في المناطق التي لا تشعر، تقليديًّا، أن الموقف السياسي للحزب الوطني الجديد وسياساته يخاطبها. ويشمل ذلك أجزاء كبيرة من شمال غانا.
ويُعدّ ملف “باوميا” المهني مثيرًا للاهتمام أيضًا في ضوء الوضع الاقتصادي الحالي؛ فهو خبير اقتصادي يتمتع بخبرة سنوات عديدة في مجال الأعمال المصرفية، ويؤكد، في أكثر من مناسبة، على أهمية التكنولوجيا والابتكار للتنمية الاقتصادية.
ولكن بالنسبة لحزب المؤتمر الوطني الديمقراطي، يترشح الرئيس السابق “جون ماهاما”، وهو مرشح ذو خبرة سياسية كبيرة؛ فقد كان “ماهاما” عضوًا في البرلمان خلال الفترة من عام 1997 إلى عام 2009م، وشغل منصب نائب الرئيس الغاني من عام 2009 إلى عام 2012م. وبعد وفاة الرئيس “أتا ميلز”، تولى منصب الرئيس في يوليو 2012م، والذي شغله حتى يناير 2017م. وإذا فاز “ماهاما” بالانتخابات، فلن يكون من المتوقع أن يكون هناك قدر كبير من الابتكار السياسي، بل من المتوقع أن يستمر التوجه السياسي السائد.
من المرجَّح أن تكون نتيجة الانتخابات متقاربة… والشباب عامل حاسم
سيكون من الواضح في السابع من ديسمبر الجاري أيّ حزب ومرشح يتمتع بأكبر قدر من الثقة في التغلب على التحديات القائمة. ولكن، من الصعب وضع توقعات موثوقة فيما يتعلق بالفوز في الانتخابات؛ حيث إن نتائج الانتخابات في غانا غالبًا ما تكون متقاربة للغاية. ففي حين فاز الحزب الوطني الجديد بزعامة أكوفو-أدو في انتخابات عام 2016م بشكل واضح نسبيًّا بنسبة 53% من الأصوات (حصل جون ماهاما على 44.4% فقط من الأصوات مع حزب المؤتمر الوطني الديمقراطي)، فإن سباق 2020م كان بالفعل متقاربًا بشكل ملحوظ. لقد تمكَّن الحزب الوطني الجديد من الدفاع عن الرئاسة بفارق ضئيل بحوالي 51.5%، لكنَّ حزب المؤتمر الوطني الديمقراطي كان بالفعل أقوى بكثير مما كان عليه في عام 2016م؛ حيث حصل على 47.3% من الأصوات، وحقق نتائج جيدة في الانتخابات البرلمانية، وبالتالي فإن التوقعات الموثوقة صعبة والاستطلاعات الحالية واضحة للغاية؛ في بعض الأحيان “ماهاما”، وأحيانًا “باوميا” باعتباره الفائز الأكثر احتمالًا بالمنصب الرئاسي. ولكن، هناك بالتأكيد بعض المؤشرات التي يمكن أن تشير إلى فوز محتمل لحزب المؤتمر الوطني وتغيير الحكومة.
منذ بداية الجمهورية الرابعة، لم يتمكَّن أيّ حزب من البقاء في السلطة لأكثر من دورتين تشريعيتين متتاليتين. وبعد ثماني سنوات من حكومة الحزب الوطني الجديد، سيكون في الواقع حدثًا تاريخيًّا إذا تمكن الحزب من الفوز في انتخابات أخرى. كما أن حقيقة أن سمعة الحزب الوطني الجديد تضررت كثيرًا في الأعوام الأخيرة بسبب الاتهامات المتكررة بالفساد وسوء الإدارة تشير أيضًا إلى ضرورة تغيير الحكومة. ونظرًا للوضع الاقتصادي السيئ المستمر، فإن المزيد من المواطنين يشككون فيما إذا كانت الحكومة الحالية قادرة حقًّا على إخراج غانا من الأزمة.
وهناك عامل ثالث يجب أن يُؤخَذ في الاعتبار أيضًا، وهو العدد الذي يفوق متوسط أعداد الناخبين الذين سجلوا أسمائهم لأول مرة في انتخابات هذا العام. ومن المتوقع أن يؤثر سلوكهم التصويتي، بشكل كبير، على نتيجة الانتخابات.
من جهة أخرى، يتمتع الناخبون الشباب عمومًا بولاء أقل لأحد الحزبين الرئيسيين؛ نظرًا لأعمارهم، فمن غير المرجح أيضًا أن يكون لدى معظم الناخبين للمرة الأولى أيّ ذكريات شخصية عن حكومة حزب المؤتمر الوطني الديمقراطي الأخيرة وسِجِلّها السياسي المختلط للغاية، مما قد يؤدي إلى قدر ما من الحياد تجاه الحزب. في ذلك الوقت، تمكن ماهاما من إحراز تقدُّم في مجالات تطوير البنية التحتية والرعاية الاجتماعية؛ وبعد انتهاء فترة حكمه، ترك وراءه أيضًا معدلات تضخم مرتفعة وتكاليف معيشة مرتفعة وديونًا وطنية متزايدة. إن الغانيين الأكبر سنًّا هم الذين يربطون بين إدارة حزب المؤتمر الوطني الديمقراطي وولاية ماهاما الأخيرة وما يسمى بـ “أزمة دومسور”؛ أي الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، والذين ما زالوا يتذكرون فضائح الفساد الكبرى التي ألقت أيضًا بظلالها على عهد ماهاما.
وعلى الرغم من ذلك، من الممكن أيضًا أن يقرّر العديد من الناخبين، لأول مرة هذا العام، خلال مهلة قصيرة، عدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع في يوم الانتخابات أو حتى إعطاء أصواتهم لمرشح لا يمثل “الحزب الوطني الجديد”، ولا “حزب المؤتمر الوطني الديمقراطي”؛ احتجاجًا على السياسات المتقادمة الراسخة. فعلى سبيل المثال، يمكن انتخاب “نانا كوامي بيدياكو”، أو “آلان كيريماتن”؛ إذ يحظى “بيدياكو”، على وجه الخصوص، بإعجاب العديد من شباب غانا بفضل حملته الإعلامية والتأثير العام، وعمره الصغير نسبيًّا البالغ 44 عامًا وشعبيته الرقمية بين الشباب. وفي غانا أيضًا، هناك خيبة أمل سياسية متزايدة بين الشباب. وبحسب استطلاع أجرته مؤسسة أفروباروميتر، فإن الغالبية العظمى لا تزال مقتنعة بأن الديمقراطية هي أفضل أشكال الحكم. ولكن في الوقت نفسه، هناك استياء متزايد إزاء النتائج التي تتوصل إليها الحكومات الديمقراطية التي لا تُحقّق ما وعدت به. ويُظْهِر الاستطلاع نفسه أيضًا فقدانًا كبيرًا للثقة في المؤسسات الديمقراطية وممثليها، فضلًا عن وجود تصور مرتفع للفساد -من جانب مسؤولي الضرائب إلى الشرطة إلى القضاة إلى الرئيس-، ويبدو أن معظم الغانيين لا يثقون كثيرًا في الموظفين العموميين والمنتخبين والممثلين السياسيين.
إقرأ أيضا : سقوط أحجار الدومينو الإيرانية في الشرق الأوسط
في النهاية، سيكون هناك عاملان حاسمان لنتيجة الانتخابات؛ أولًا، أيّ من الأحزاب سيكون أفضل في تحفيز الناخبين (الشباب)، خاصةً في معاقلهم الراسخة والمناطق ذات القاعدة الحزبية المستقرة، للذهاب فعليًّا إلى صناديق الاقتراع والتصويت والإدلاء بأصواتهم. وثانيًا، أيّ حزب يمكنه إقناع الناس فيما يسمى بـ”الولايات المتأرجحة” أو “المناطق المتأرجحة”؛ إذ تلعب هذه المناطق دورًا حاسمًا؛ حيث يمكن لنتائجها، في كثير من الأحيان، أن تحسم النصر الشامل، خاصةً عندما تكون النتيجة متقاربة. وبناءً على ذلك، فإن الحملة الانتخابية تكون مكثفة هناك، ويدفع الطرفان مبالغ كبيرة في الحملات المقابلة.
غانا تحافظ على سمعتها كمرساة للاستقرار… لكن الإصلاحات لا تزال مطلوبة بشكل عاجل
رغم أن نتيجة الانتخابات ذاتها غير مؤكدة، إلا أن هناك أمرًا واحدًا مؤكدًا؛ ألا وهو أنه من غير المتوقع حدوث أعمال شغب عنيفة كبرى، أو حتى زعزعة الاستقرار السياسي في الانتخابات المقبلة. وتعتبر غانا بحقّ ديمقراطية مستقرة متواكبة مع انتقال سلمي للسلطة، حتى لو كانت هناك حوادث عنف متفرقة أثناء الانتخابات في الماضي (وهذا من المُرجَّح أن يحدث في الانتخابات المقبلة أيضًا). وانطلاقًا من ذلك، فإن البلاد ترقى إلى مستوى سُمْعتها باعتبارها “منارة للديمقراطية” ومرساة للاستقرار، وبالتالي ستظل شريكًا مهمًّا وموثوقًا به في خليج غينيا في المستقبل.
ومع ذلك، يمكن ملاحظة اتجاهات من شأنها أن تؤثر سلبًا على ديمقراطية البلاد واستقرارها على المدى المتوسط والطويل، والتي يجب على الحكومة الغانية الجديدة مواجهتها. وتظهر بداية تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية المُعلنة نجاحات أولية في تحقيق الاستقرار. ولتحقيق الانتعاش الاقتصادي على المدى الطويل والحفاظ على القدرة التنافسية الإقليمية لغانا؛ فإن الإصلاحات الهيكلية الشاملة وطويلة الأجل بالإضافة إلى خطوات ملموسة لتحقيق مزيد من التنويع الاقتصادي وخلق القيمة ضرورية للغاية. ويحتاج الشباب، تحديدًا، إلى فرص أفضل للحصول على تدريب مهني جيد يلبي احتياجات سوق العمل ويفتح أمامهم آفاقًا وظيفية. ويحتاج المواطنون في المناطق الريفية، وخاصة في الشمال المُهمَّش سياسيًّا واقتصاديًّا، إلى تحسين فرص الحصول على الخدمات وفرص الدخل.
هذه هي الطريقة الوحيدة لمنع التوترات الاجتماعية والاقتصادية والعرقية، وخاصة في المنطقة الحدودية، لإزالة الذرائع التي تُنْعِش جهود التجنيد التي تقوم بها الجهات الفاعلة المتطرفة. وسيتعين على الحكومة الجديدة أيضًا التعامل مع قضية “غالامسي” بشكل أكثر حسمًا في المستقبل من أجل الحفاظ على سُبل العيش والأساس الاقتصادي للبلاد للأجيال القادمة.
إن الإصلاحات مطلوبة ليس فقط في الاقتصاد، بل وأيضًا في السياسة؛ لأنه لا يوجد في أيّ من هذه المجالات نقص في القوانين القائمة بالفعل، أو المؤسسات المسؤولة أو المبادئ التوجيهية الضرورية، بل هناك حاجة إلى التنفيذ، وفي كثير من الأحيان إلى الإرادة السياسية. وبناء على ذلك، فإن تنفيذ التدابير الملموسة والفعَّالة في الوقت المناسب سيكون بمثابة خطوة أولية لاستعادة ثقة المواطنين في حكومتهم المنتخبة ديمقراطيًّا وممثليهم، وبالتالي ضمان استمرار الشباب، تحديدًا، في الشعور بالالتزام بالديمقراطية في غانا على المدى الطويل.