لبنان
الاعتراض السوري على أبراج المراقبة ..اعتداء على السيادة اللبنانية
لبنان لايريد العودة إلى زمن الوصاية
دمشق تعترض لدى لبنان على ابراج المراقبة الحدودية القائمة منذ عشر سنين، وتعتبر انها تهدد الامن القومي لسوريا. الخبر هو الاكثر طرافة في هذا الجو القاتم، والذي يخيم عليه شبح الحروب والازمات المتراكمة والمتتالية. تدخل جديد من النظام السوري في امر يرتبط بسيادة لبنان، يذكرنا بزمن الوصاية التي لم يتمكن النظام من تجاوزها، او يمكن تفسير الطلب في اطار الوصاية الايرانية على النظام السوري لزيادة التضييق على لبنان والمجتمع الدولي، في رسالة غير مباشرة الى رفض اقامة ابراج مراقبة مماثلة على الحدود الجنوبية في اطار تطبيق بنود القرار 1701.
لكن الطلب في ذاته يطرح تساؤلات ويثير الريبة. فدمشق لا تريد ضبط الحدود بين البلدين، تريدها سائبة كما كانت على الدوام. النظام السوري يريدها متفلتة، للتهريب بين البلدين، خصوصا تهريب المخدرات في الاتجاهين، لمصالح مشتركة ومتبادلة، ولامرار الاسلحة الايرانية الى “حزب الله” ومجموعات مسلحة موالية لها في الداخل اللبناني، وتريد تصدير الارهابيين عبر الحدود، وتطمح في عز ازمتها الى مواصلة تهريب الفيول وبضائع اخرى عبر معابر غير شرعية من لبنان.
لا تريد للبنان ان يتعافى، ولو بجزء يسير، اذ ان ضبط الحدود ومنع تهريب البضائع، قبل كل شيء اخر، يوفر على خزينته ويخفف من نزف اقتصاده، ويؤكد سيادته على حدوده المعترف بها من العالم كله الا من النظام السوري.
اما الامن القومي، فحديث اخر. تهدده ابراج المراقبة، ولا يهدده التفلت المسلح حتى في مناطق النظام، ومصادرة قراره من الحرس الثوري تحديدا. والامن القومي السوري لا تهدده الغارات الاسرائيلية التي تصيب عمق المناطق الداخلية بعيدا من حدود لبنان ورقابة ابراجه، والميليشيات التي تسيطر على غير منطقة في سوريا لا تهدد الامن القومي. ولا يرى الى وجود مراقبين وخبراء وعسكريين من روسيا وايران و”حزب الله” يمسكون بالقرار وبالشارع اي تهديد للأمن القومي.
والاخطر، ان وجود مليوني لاجىء سوري ترفض دمشق اعادتهم، ربما ترى انه يساعد الامن القومي للبنان “الشقيق”، وكذلك استمرار تهريب السلاح والمخدرات، والتدخل في الداخل اللبناني، كلها امور تعبر عن مدى تقدير النظام للامن القومي للجار “الشقيق”.
حوّلت وزارة الخارجية الطلب السوري الى السرايا الحكومية وقيادة الجيش لاعداد جواب تقني يؤكد ان المعلومات التي تجمعها ابراج المراقبة لا يتقاسمها لبنان مع اي فريق خارجي، وان السفارة البريطانية قدمت الدعم التقني لاقامة الابراج من دون تدخل في عملها اللاحق لانشائها.
لكن الرد الحقيقي يجب ان يكون سياسيا، والا يأتي متخاذلا، بضغط من جهات لبنانية معروفة، وتاليا مطالبة سوريا باستعادة مليوني نازح، ومراقبة الحدود من الجهة المقابلة ومنع التهريب، وتسليم لبنان كل الفارين الى اراضيها من المجرمين المطلوبين، ورفض تحول اراضيها معبرا للسلاح الايراني الى لبنان… امام كل المطالب المقابلة يمكن الحوار حول الهواجس السورية، فلا تكون تلبية المطالب في اتجاه واحد، لانه يعيدنا الى زمن الوصاية.