الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين بالجامعات تضغط على “بايدن” في اتجاه وقف الحرب
سيطرت الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين والاشتباكات مع سلطات إنفاذ القانون في حرم بعض الجامعات الأمريكية على المشهد الإعلامي تزامناً مع انطلاق المحادثات بين الدبلوماسيين الذين يسعون جاهدين للتوسط في وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس في الشرق الأوسط.
ويشكل ازدياد حدة هذه المظاهرات المزيد من الضغط على الرئيس الأمريكي جو بايدن، واضعاً الإدارة الأمريكية في مأزق سياسي على المستوى المحلي.
وأصبح بايدن عالقاً بين اليسار الذي يطالب بالسلام، والأمريكيين الذين يشعرون بالقلق نظرا لتعطل التعليم الجامعي بسبب الاضطرابات التي تشكل تهديداً للنظام المدني وفق شبكة “بي بي سي”.
وأظهرت رسالة مكتوبة على خيمة في مخيم للاجئين في رفح، المدينة المحاصرة جنوب قطاع غزة، إلى أي مدى يمكن أن تصل كلمة المشاركين في احتجاجات الحرم الجامعي في الولايات المتحدة وكيف يمكنها أن تكون كلمات عابرة للقارات.
وجاء في هذه الرسالة: “شكراً لكم طلاب كولومبيا، شكراً لكم. شكراً لكم. شكراً لكم”.
وحملت خيام أخرى رسائل مماثلة تنطوي على الامتنان والتضامن، والتي وُثقت بالفيديو والصور الفوتوغرافية التي التقطها صحفيون أمريكيون في المخيم الفلسطيني.
وعلى مدار الأسابيع القليلة الماضية، ألقت الشرطة القبض على أكثر من 2000 متظاهر في العشرات من الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
وفي وقت متأخر من مساء الثلاثاء الماضي في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، هاجمت مجموعة من الملثمين المؤيدين لإسرائيل مخيم احتجاج طلابيا مؤيدا للفلسطينيين قبل استدعاء الضباط إلى الحرم الجامعي ووقف الدراسة. كما أزالت شرطة كاليفورنيا يوم الخميس الماضي المخيم المؤيد للفلسطينيين.
وتكرر هذا المشهد في جامعة كولومبيا، إذ فضت شرطة مدينة نيويورك مظاهرة طلابية مؤيدة للفلسطينيين بالقوة باستخدام معدات مكافحة الشغب وفرقت المتظاهرين الذين كانوا متحصنين في أحد مباني الدراسة. كما أزالت الشرطة المخيم الذي أقامه الطلاب المؤيدون للفلسطينيين داخل الجامعة.
تأتي هذه الاضطرابات في الجامعات الأمريكية تزامنا مع احتدام الصراع في غزة.
ويبدو أن قوات الجيش الإسرائيلي تستعد لعملية عسكرية واسعة النطاق في مدينة رفح، التي يقيم فيها مئات الآلاف من النازحين المدنيين من سكان غزة. ويقول الجانب الإسرائيلي إن هذا هو المعقل الأخير لقوات حركة حماس.
في نفس الوقت، تضغط الولايات المتحدة على الإسرائيليين وحماس للموافقة على وقف إطلاق النار الذي قد يستمر لأسابيع. ويتضمن الاتفاق أيضاً إطلاق سراح بعض الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس، وزيادة تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة، وعودة الفلسطينيين إلى الجزء الشمالي من القطاع، وهي المنطقة التي بدأ منها التوغل الإسرائيلي قبل أشهر.
واختتم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن جولته السابعة في المنطقة منذ اندلاع الحرب في غزة، إذ التقى القادة العرب والإسرائيليين في محاولة أخيرة لإحباط عملية رفح التي يقول مراقبون إنها قد تسبب كارثة إنسانية.
وفي مؤتمر صحفي عقدته الخارجية الأمريكية الخميس الماضي، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية مات ميلر إن الإسرائيليين قدموا تنازلات كبيرة في المفاوضات الأخيرة، حيث وافقوا على الشروط التي قالت حماس إنها ضرورية للتوصل إلى اتفاق.
وقال ميلر: “كل يوم يمر دون وقف إطلاق النار في الوقت الحالي تتحمل حماس مسؤوليته. فهم الذين يضعون العراقيل أمام الرد على هذا الاقتراح، وهم الذين يعطلون وقفاً فورياً لإطلاق النار”.
وقال أحد قيادات حماس الجمعة الماضية إن الحركة تراجع الاقتراح الأخير “بروح إيجابية”، كما وصل وفد من حماس إلى القاهرة لإجراء محادثات لوقف إطلاق النار يوم السبت الماضي.
ومن المرجح أن ترحب إدارة بايدن بأي إشارة على إحراز تقدم في المحادثات الحالية بين طرفي الصراع تزامناً مع ضغوط متزايدة تتعرض لها واشنطن لوقف إراقة دماء المدنيين ومعاناتهم في غزة، ولو بصفة مؤقتة على الأقل.
ورفض ميلر ما تردد عن أن احتجاجات الحرم الجامعي الأمريكي كانت هي المحرك للجهود الأمريكية، لكنه اعترف بأنه كان من الصعب تجنب التغطية الإعلامية الأمريكية للاضطرابات حتى في الخارج، مؤكداً أن مسألة المظاهرات الطلابية طُرحت للنقاش أثناء مؤتمر صحفي عقده بلينكن أثناء جولته في الشرق الأوسط.
وبغض النظر عن الرفض الرسمي لما يقال عن أن تلك الاحتجاجات هي السبب وراء تسريع وتيرة الجهود لأمريكية الرامية إلى وقف إطلاق النار في غزة، يبدو أن الضغوط السياسية على بايدن بسبب هذه الاحتجاجات تتزايد باستمرار.
وعلى مدار الأشهر القليلة الماضية، يقاوم الرئيس الأمريكي مطالبات اليسار الديمقراطي له بالتراجع عن دعمه الصريح لإسرائيل.
وأقدم بايدن على ذلك على الرغم مما ينطوي عليه من مخاطر سياسية واضحة، إذ أصبح الناخبون الأكثر ليبرالية -خاصة الشباب والملونين الذين يشكلون جزءاً رئيسياً من ائتلافه الانتخابي- ينتقدون بشكل متزايد ما يعتبرونه سياسة متسامحة، إن لم تكن داعمة، للأعمال العدائية الإسرائيلية في غزة.
وأظهرت استطلاعات رأي أُجريت في الفترة الأخيرة أن بايدن يخوض معركة صعبة لإعادة انتخابه في نوفمبر المقبل، إذ يتوقع أن يكون أي تراجع، ولو محدود، في الدعم في الولايات لإسرائيل هو الفارق بين الفوز و4 سنوات أخرى لدونالد ترامب في البيت الأبيض.
وقالت أستاذة العلوم السياسية في جامعة ويسكنسن جيسيكا ويكس: “هناك فوارق ضئيلة للغاية في بعض الأماكن مثل ويسكنسن وميشيغان التي ستكون ذات أهمية محورية في الانتخابات، وأعتقد أن ذلك قد يزيد من أهمية حرب غزة”. يُذكر أن ولاية ويسكنسن شهدت العدد الأكبر من مخيمات المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين والاعتقالات التي ترتبت على تلك الاحتجاجات.
ويبدو أن الرئيس بايدن لا يزال يظهر استعداداً للاستمرار في هذه المخاطرة، على الأقل حتى الآن.
وتكررت الاعتراضات الصريحة من جانب معسكر اليسار في الحزب الديمقراطي الحاكم على دعم الإدارة الأمريكية لإسرائيل كثيراً في الأشهر التي أعقبت بدء الاجتياح البري الإسرائيلي لغزة. لكن الجديد -وربما الأكثر تعقيداً- هو الضغط الذي بدأت إدارة بايدن تواجهه من اليمين والوسط الديمقراطي منذ سيطرت الاضطرابات في الحرم الجامعي على عناوين الأخبار.
ويواصل الجمهوريون -الذين يشعرون أنهم في موقف ضعيف- الهجوم على بايدن زاعمين أنه غير قادر على الحفاظ على القانون والنظام ويغض الطرف عن معاداة السامية.
ووصف دونالد ترامب، المرشح الرئاسي الجمهوري المحتمل، المتظاهرين بأنهم “مجانين غاضبون ومتعاطفون مع حماس”، وذلك أثناء مؤتمر انتخابي حاشد في ولاية ويسكنسن الأربعاء الماضي.
وطالب ترامب: “بإزالة المخيمات على الفور، وكسر شوكة المتطرفين واستعادة حرمنا الجامعي لجميع الطلاب الذين يريدون مكاناً آمناً للتعلم فيه”.
وفي صباح اليوم التالي، بعد عدة ليال من قمع الشرطة للمتظاهرين، ظهر بايدن على عجل في البيت الأبيض لإدانة ما قال إنه خروج على القانون أثناء بعض الاحتجاجات، بما في ذلك التخريب والتعدي على ممتلكات الغير وتعطيل الأنشطة الجامعية.
وأضاف: “نحن مجتمع مدني، ويجب أن يسود النظام”.
وجرى العرف على أن انتخابات الرئاسة الأمريكية لا تحسم على أساس قضايا السياسة الخارجية إلا إذا كان الجنود الأمريكيون يموتون في الخارج، ولكن قضايا القانون والنظام والهدوء الداخلي يمكن أن تكون أكثر تصدراً للمشهد، خاصة بالنسبة للناخبين الأمريكيين من الطبقة المتوسطة الذين يعيشون في المدن التي بها جامعات أو يرسلون أبناءهم إلى الجامعات المرموقة.