في أجواء التوترات التي تشهدها المنطقة بسبب استمرار العدوان الاسرائيلي علی غزة، تناقلت وسائل الاعلام الأميركية معلومات عن مباحثات غير مباشرة أجراها الجانبان الامريكي والايراني في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي في العاصمة العمانية مسقط تناولت التصعيد، الذي تمارسه حركة انصار الله اليمنية في البحر الأحمر علی خلفية سعيها لعرقلة خط الملاحة البحري المتجه للموانئ الاسرائيلية.
الايرانيون الذين اكدوا هذه المعلومات نفوا أن يكونوا قد بحثوا مع الجانب الامريكي التصعيد في البحر الأحمر، وأن هذا الامر لم يكن في أولوية مباحثاتهم مع الجانب الأمريكي الذي تم بوساطة عمانية.
مصادر دبلوماسية مطلعة نقلت أن هذه المباحثات تمت استنادا لرغبة الجانب الامريكي والتي وصلت طهران، عبر الوسيط العماني لاستئناف المباحثات، التي توقفت بين الجانبين بسبب عملية «طوفان الاقصی» التي حدثت في السابع من اكتوبر، والتي تم بموجبها تبادل المعتقلين والافراج عن جزء من الاصول المالية المجمدة في كوريا الجنوبية.
وبعد مباحثات اجراها كبير المفاوضين الايرانيين علي باقري مع مساعد المسؤول عن السياسة الخارجية بالاتحاد الاوروبي «انريكي مورا» وبمساعدة العمانيين تم عقد عدة اجتماعات بشكل غير مباشر بين الجانب الامريكي الذي راسه ممثل البيت الابيض لشؤون الشرق الاوسط «بريت مكغورك» اضافة الی المندوب الامريكي في الشؤون الايرانية «ابرام بيلي» وقد تركزت المباحثات علی آلية ازالة العقوبات الاقتصادية المفروضة علی ايران بعد ان وصلت الجهود لعودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي الموقع عام 2015 لطريق مسدود ؛ لكن هذه المصادر لم تنفِ تناول الجانبين من خلال الرسائل المتبادلة التصعيد في قطاع غزة والبحري الأحمر، حيث أعرب الجانب الايراني عن اعتقاده ان بؤرة التوتر الاساسية ليست في البحر الاحمر كما انها ليست في اي مكان اخر وانما في قطاع غزة حيث يستمر الجيش الاسرائيلي بعدوانه علی المدنين من الاطفال والنساء، والذي تسبب بتداعيات في البحر الاحمر وربما تتسع هذه التداعيات لتشمل مناطق اخری بسبب استمرار هذا العدوان.
وقد اتفق الجانبان علی استمرار هذه المباحثات خلال شهر فبراير/ شباط أو بداية شهر اذار/ مارس الجاري لكنهما قررا ايقافها لافساح المجال امام الجهود المبذولة، التي تقوم بها أطراف عربية ودولية لوقف اطلاق النار في غزة وحتی لاتنسحب اجواء هذه المباحثات علی تلك الجهود المتعلقة بوقف اطلاق في غزة، كما لم يرغب الجانبان ان تقع المباحثات تحت طائلة ظروف حرب غزة وتداعياتها الاقليمية والدولية ؛ لكن ذلك لم يمنع المفاوض الايراني علي باقري من اجراء مباحثات مع الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة الشرق الأوسط «سفين كوبمانز»، ومع مساعد منسق الشؤون الخارجية في الاتحاد الاوربي «انريكي مورا» بشان تطورات الموقف في غزة وضرورت وقف الابادة الجماعية وانقاذ الابرياء في القطاع المحاصر منذ 170
يوما.
هذه ليست المرة الأولی التي يتصل فيها الجانب الامريكي بنظيره الايراني بعد السابع من اكتوبر؛ فقد تبادلت واشنطن وطهران الرسائل بشأن ادارة الموقف وعدم توسيع نطاق الحرب بعد انخراط فصائل المقاومة في الدفاع عن غزة، والتي كان اهمها في البحر الاحمر لحساسية تلك المنطقة وارتباطها بخطوط الملاحة التي تربط قارتي أسيا وافريقيا مع أوربا وامريكا؛ حيث أعربت إيران عن موقفها بعدم اتساع نطاق الحرب لأنها لا تريد ضبط ساعتها علی التوقيت، الذي يريده نتنياهو باستدراج الولايات المتحدة وايران لمواجهة عسكرية مباشرة، لكنها طلبت من واشنطن العمل علی ايقاف الحرب في غزة باعتبارها البؤرة الاساسية للتوتر في المنطقة.
إيران نقلت وبشكل رسمي لمجلس الأمن الدولي في شهر ديسمبر من العام الماضي أنها غير معنية بالتصعيد في البحر الأمر، وأنها غير منخرطة في هذا التصعيد وغير مسؤولة عما يفعله الاخرون في تلك المنطقة. في الجانب الاخر اعلنت واشنطن اكثر من مرة بانها غير راغبة في الدخول بحرب مباشرة مع طهران، لكن مساعيها تنتظر حل بعض ملفاتها في المنطقة من اجل عودة الهدوء لها.
في العام 2003 قامت الولايات المتحدة بغزو العراق وتحملت ضريبة كبيرة، راح ضحيتها مايقارب 5 الاف من عناصرها وهي الآن تتفاوض مع الحكومة العراقية، من أجل ترتيب أوضاعها والانسحاب من العراق، كما فعلت مع افغانستان، ولذلك فإن واشنطن لاتريد فتح حرب مع ايران بسبب ظروف الانتخابات الرئاسية الأميركية؛ وعدم رغبة الديمقراطيين اللعب بهذا الوتر، خصوصا أن القواعد الأميركية لا تنحصر في العراق، فحسب فهي موجودة في الأردن والبحرين وسوريا وقطر ؛ ولذلك تحاول ممارسة سياسة الردع لمواجهة كافة الاحتمالات الممكنة.
وفي هذه الاجواء هل أن الإيرانيين يميلون لعقد صفقة «العقوبات مقابل الامن» في البحر الاحمر مع الأميركيين ؟ مثل هذا السؤال طرح بقوة منذ ان تم نشر المعلومات الخاصة بالمباحثات الايرانية الأميركية الاخيرة، لكن الاعتقاد السائد ان مثل هذا السؤال يستبطن الكثير من المغالطة، بسبب عدم توفر مثل هذه الفرصة لاعند الجانب الأميركي ولا عند الجانب الايراني، وبالتالي لا الحكومة الأميركية تستطيع أن تزيل هذه العقوبات، بسبب ارتباطها بموقف الكونغرس، ولا إيران تستطيع أن توقف حرب غزة، بسبب تعنت نتنياهو واصراره علی تحقيق حلمه، الذي لم يتحقق في اطلاق سراح الرهائن من حماس.
وبانتظار وقف اطلاق النار في غزة تبقی المباحثات الأميركية الايرانية معلقة، وهي تنتظر ايضا ايقاعات اجواء الانتخابات الرئاسية الأميركية التي تجری في نوفمبر القادم.