تقارير

“الإنهاك الحراري”.. قاتل صامت يتوحش في عصر الغليان العالمي

تعد دول منطقة الخليج العربي مؤهلة عن نظيرتها في شمال إفريقيا في اتخاذ إجراءات صارمة لحماية العاملين في المناطق المكشوفة، إذ قررت دولة الإمارات العربية المتحدة، حظر تأدية الأعمال تحت الشمس وفي الأماكن المكشوفة، منذ الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً وحتى الساعة الثالثة عصرا خلال الفترة من 15 يونيو وحتى 15 سبتمبر من كل عام، وذلك لتجنب مخاطر الإصابات الناتجة عن الإنهاك الحراري.

في صيف العام الماضي اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن درجات الحرارة المرتفعة بشكل كبير تؤشر إلى بدء “عصر الغليان العالمي”.

وبالتزامن، حذّر علماء المناخ من أن “الغليان العالمي” ليس مجرد مصطلح علمي، وأن المسؤولين منذ سنوات قد تنبؤوا بالفعل بتوالي تلك الظواهر المتطرفة للمناخ.

وتتصاعد موجة الحر لتطلق تحذيرا صارخا لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي تعد من المناطق الأكثر جفافاً وسخونة على كوكب الأرض.

وتعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أكثر مناطق العالم عرضة لتغير المناخ، بدءاً من ارتفاع درجات الحرارة إلى دورات الجفاف والفيضانات، وارتفاع منسوب مياه البحار، وندرة المياه العذبة.

وتشير التوقعات إلى أنه بحلول نهاية القرن، قد يواجه نصف سكان المنطقة ظواهر مناخية “شديدة التطرف” مع تجاوز الحرارة 60 درجة مئوية، وتحول المدن إلى بؤر غير صالحة للحياة.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، إن متوسط درجة الحرارة العالمية لشهر يوليو 2023 بلغ أعلى مستوى تم تسجيله على الإطلاق، فيما تشير الترجيحات إلى أنه كان الأكثر احترارا منذ 120 ألف عام على الأقل.

وبطبيعة الحال، ستكون أزمة المناخ مدمرة بشكل خاص للفئات الاجتماعية الأدنى والأكثر ضعفا، مثل الفقراء وكبار السنّ والنساء والأطفال والأفراد الذين يعملون في المناطق المكشوفة تحت درجات حرارة مرتفعة.

ويتسبب الاحتباس الحراري في نقص حاد بالمياه في منطقة تضم 14 من بين الدول الثلاثة والثلاثين الأكثر معاناة من الإجهاد المائي في العالم. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 90 بالمئة من سكان المنطقة سيعيشون في بلدان تعاني ندرة في المياه بحلول عام 2025، إذ لن يتجاوز توافر المياه 500 متر مكعب للفرد سنوياً، وهو ما تصفه الأمم المتحدة بـ”الندرة الشديدة”.

وتضاعف التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الممثلة في الحروب والصراعات في تفاقم الأزمة المناخية بالمنطقة، لا سيما في ظل توقعات مقلقة بجفاف الأنهار بحلول عام 2040.

إجهاد قاتل

ويتعرض العاملون في المناطق المكشوفة لآثار الظواهر المناخية المتطرفة وارتفاع درجات الحرارة، والتي تصل مداها إلى حد الوفاة جراء الإصابة بالإنهاك الحراري.

الإنهاك الحراري حالة تحدث عند تعرض الجسم للحرارة الزائدة، وتشمل أعراضه التعرق بغزارة وتسارع نبضات القلب، وذلك جراء التعرض لدرجات حرارة مرتفعة، خاصة عندما يصاحبها ارتفاع في درجة الرطوبة وممارسة نشاط بدني شاق.

كما يعد الإنهاك الحراري واحدا من بين الأمراض الثلاثة المتعلقة بالحرارة، إذ يقع في مرتبة أعلى من التقلصات الحرارية وأقل من ضربة الشمس.

ويقع الإجهاد الحراري عندما يفقد الجسم كميات زائدة من الماء والملح، عادة بسبب التعرق الشديد، ومن أعراض الإجهاد الحراري أيضاً الشعور بالضعف العام، وارتفاع ضربات القلب، والغثيان والقيء، وربما يصل الأمر إلى الإغماء.

وكشفت دراسة في المجلة الطبية “JAMA Network” لعام 2022، ارتفاع أيام العمل غير الآمنة بحلول عام 2050 بالنسبة للعاملين بالمناطق غير المحمية من حرارة الشمس، إلى جانب تكبد خسارة مالية قدرها 55.4 مليار دولار سنويا، وذلك إذ لم يتم تخفيض انبعاثات الوقود الأحفوري.

وتعد ضربة الشمس والإرهاق الحراري من أكثر الأعراض التي تصيب العاملين في وظائف تتطلب مجهوداً بدنياً، كما أن زيادة الملوثات في الهواء سواء نتيجة ارتفاع الانبعاثات الكربونية أو تكرار حرائق الغابات تتسبب أحيانا في الإصابة بانخفاض في وظائف الرئة، وأكثر المصابين بذلك هم العاملون في الدفاع المدني أو الحماية المدنية.

وعزا العديد من العلماء أسباب تفشي مرض الكلى المزمن بين المجتمعات الزراعية في المناطق الحارة والرطبة، إلى ارتفاع درجات الحرارة أثناء العمل وتعرض العاملين للجفاف.

ويحذر أطباء من تعرض الأطفال للإجهاد الحراري، إذ إن أجسامهم تفتقر إلى آليات التعويض، فهم يتعرقون أقل وقد لا يرطبون أجسامهم بدرجة كافية.

وتشير التوصيات الطبية إلى ضرورة تجنيب التعرض لأشعة الشمس لكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، مثل السكري وأمراض الكلى والقلب، وضغط الدم، وبعض أمراض الاكتئاب، إذ إنهم الفئات الأكثر عرضة للإجهاد الحراري.

إجراءات وقائية

وتعد دول منطقة الخليج العربي مؤهلة عن نظيرتها في شمال إفريقيا في اتخاذ إجراءات صارمة لحماية العاملين في المناطق المكشوفة، إذ قررت دولة الإمارات العربية المتحدة، حظر تأدية الأعمال تحت الشمس وفي الأماكن المكشوفة، منذ الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً وحتى الساعة الثالثة عصرا خلال الفترة من 15 يونيو وحتى 15 سبتمبر من كل عام، وذلك لتجنب مخاطر الإصابات الناتجة عن الإنهاك الحراري.

وقررت أيضا وقف العمل إذا ارتفعت الحرارة عن 32.1 درجة في مكان عمل معين، مع الأخذ في الاعتبار مستوى الرطوبة والإشعاع الشمسي وسرعة الرياح، إضافة إلى إجراء فحوصات طبية سنوية للعاملين، وإلزام الشركات بإجراء تقييمات المخاطر.

ومن جانبها، اعتمدت قطر في عام 2021 قواعد بعدم تأدية العمال مهام عملهم بالخارج بين الساعة العاشرة صباحاً حتى الثالثة والنصف عصراً بداية من شهر يونيو حتى منتصف شهر سبتمبر من كل عام.

وحظرت المملكة العربية السعودية أيضا العمل بالمناطق المكشوفة من الساعة الثانية عشرة ظهرا وحتى الثالثة عصرا بدءا من شهر يوليو حتى نهاية شهر أغسطس من كل عام.

وتتزايد حدة التغيرات المناخية، لتنذر بتنامي المخاطر والتهديدات الصحية للعاملين، ما يستدعي إصدار قرارات أو سن تشريعات قادرة على حماية حقوق العمال وإنقاذ حياتهم من شبح الموت المفاجئ.

ووفق تقديرات البنك الدولي، يتسبب تغير المناخ في نزوح نحو 20 مليون شخص في المنطقة، ما يؤدي إلى تفاقم أزمات اللاجئين القائمة بالفعل في العديد من الدول كالسودان وسوريا واليمن.

وستؤدي ظواهر التغير المناخي إلى انخفاض الناتج المحلّي الإجمالي في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة تراوح بين 0.4 بالمئة و1.3 بالمئة سنوياً، فيما يُقدر بعض الخبراء أن الناتج المحلّي الإجمالي قد ينخفض بنسبة قد تصل إلى 14 في المئة ما لم تتخذ تدابير جدية للتكيف.

تعليمات ونصائح

وتقدم وزارات الصحة في البلدان العربية عددا من النصائح لتجنب الإصابة بالإنهاك الحراري، أبرزها الابتعاد عن أشعة الشمس المباشرة، وارتداء ملابس قطنية خفيفة، واستخدام المظلة الشمسية للوقاية من حرارة الشمس أثناء المشي، وتفادي البقاء تحت أشعة الشمس بملابس خفيفة لفترة طويلة متصلة.

يأتي ذلك إلى جانب تفادي الخروج خلال ساعات الذروة من الحرارة “من الساعة 1 ظهراً إلى 4 مساءً”، والحرص على الحصول على تهوية طبيعية بصورة جيدة وتقليل الاعتماد على مكيفات الهواء، وتناول السوائل بكثرة كالماء والمشروبات الباردة، وعدم الانتقال بين الجو الحار والبارد باستمرار، فضلا عن عدم ترك كبار السن والأطفال بالسيارات وغلق النوافذ مدة طويلة.

ومع زيادة الإجهاد الحراري ينصح الأطباء بالاستحمام بماء بارد وتناول السوائل لتعويض الجسم بما فقده من مياه وأملاح، وقد يحتاج الجسم إلى الدخول في بيئة باردة، وسرعة ترطيب الجسم بسرعة، مثل ركوب السيارة أو تشغيل مبرد الهواء.

وبخلاف تناول المياه والعصائر، ينصح الأطباء بتجنب ممارسة الرياضة وتناول الأطعمة الحارة مثل الشطة أثناء الجو الحار، مقابل الإكثار من تناول الخضراوات والفاكهة التي تساعد في تبريد الجسم.

ويوصي الأطباء والخبراء في حالة الشك في الإصابة بالإنهاك الحراري بأن يتم نقل الشخص خارج المكان الحار إلى مكان ظليل أو مكيف هواء، وجعل الشخص المصاب يستلقي على ظهره مع رفع الساقين والقدمين قليلاً، ونزع الملابس الضيقة أو الثقيلة.

وينصحون بتجنب تناول المصاب بالإنهاك الحراري المشروبات الكحولية أو التي تحتوي على الكافيين، والاتصال بالطبيب إذا ساءت الأعراض أو إذا لم يتحسن الشخص بعد إجراءات الإسعافات الأولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى