راهنت جماعة الإخوان المسلمين وتنظيمها الدولي، بعد السابع من أكتوبر، على الأجندات الإيرانية في المنطقة، بل سوقت لبعض سياسات نظام طهران وتماهت معها في دفع خيار الفوضى في بعض العواصم العربية كطوق نجاة لأذرع المحور التي تهاوت الواحدة تلو الأخرى في معركة إعادة رسم الشرق الأوسط الجديد.
لا يغفل على أحد أن جماعة الإخوان التي أدارت ظهرها لتركيا (رجب طيب أردوغان) في لحظة من اللحظات لصالح القبلة السياسية الجديدة لها في طهران “الملالية”، بعدما طفت على السطح مؤشرات التضييق التركي على أنشطة الإخوان وأعضائهم على أراضي الجمهورية “العلمانية” بعد التقارب الأخير بين أنقرة والقاهرة، حيث وظفتها الجماعة كمحصلة دافعة نحو استدارة سريعة باتجاه البديل الإيراني، الذي كان في شهور الحرب الأولى لغزة يتمتع بغرور القوة الإقليمية القادرة على فرض رؤيتها وأجنداتها، فتوهمت الجماعة بأن ذلك سيكون الطريق والسبيل لتحقيق طموحاتها في انتشال واقعها التنظيمي المنهار، وشعبيتها التي بدأت تتآكل بفعل تجاربها في حكم بعض الدول العربية إبان ما سمّي بثورات الربيع العربي.
الإخوان كانوا يعوّلون على صمود حركة حماس كرافعة تنظيمية لهم، وذهبوا بعيدا في الاستثمار في واقع حرب الإبادة في قطاع غزة ومعاناة سكانه؛ كوسيلة لغاية العودة مجددا إلى حكم بعض الدول العربية كجزء من صفقة إقليمية أو دولية عابرة من إدارة جو بايدن إلى نائبته كامالا هاريس التي اتكل الإخوان على فوزها المحقق آنذاك، حيث رأت فيها الجماعة امتدادا لعهد باراك أوباما الذي أبرم تفاهمات مع الجماعة ساهمت باستغلال فوضى ما نتج عن الربيع العربي للوصول إلى حكم عواصم عربية.
تعنت رأس المنظومة اليمينية الحاكمة في تل أبيب بنيامين نتنياهو في استكمال مخططاته، وعودة الرئيس دونالد ترامب إلى سدة الحكم في واشنطن، حسما الصراع الدائر في المنطقة، وكسرا معادلاته النمطية، وأسقطا عواصم النفوذ الإيراني التي كانت قبل السابع من أكتوبر، ليفاجأ الإخوان بأن قراءتهم الاستشرافية للصراع خاطئة تماما، وأن قرار القوى الدولية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي بإعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط أصبح أمرا واقعا.
عجز العقلية التحليلية السياسية الإخوانية عن قراءة المشهد السياسي العام الحالي للشرق الأوسط، بل وعجزها عن إنتاج مقاربات قادرة على التعامل مع ارتدادات الصراع من تدمير قطاع غزة عن بكرة أبيه، واندثار القدرات العسكرية والتنظيمية لحركة حماس بداخله، وما تلاه من انهيار المشروع الإيراني بسقوط شعاره العريض المتمثل بوحدة الساحات من اغتيال رموز المحور، وهزيمة حزب الله في جنوب لبنان، وتحييد جبهة العراق وميليشياتها الطائفية، وسقوط نظام بشار الأسد في دمشق، أما الحوثي فالأيام القليلة المقبلة ستحدد مصيره على مقصلة الشرق الأوسط الجديد.
إقرأ أيضا : حسابات أردوغان الخاطئة في سوريا!
مجددا ضاق الهامش السياسي للإخوان عموما، فلم تفلح تشابك تحالفاتهم وعلاقاتهم الولائية الإقليمية في إخراجهم من استمرار افتقار رهاناتهم إلى صيغ إستراتيجية تفضي إلى قرارات تحمي الجماعة وتجدد فكرها الذي أصيب بحالة جمود عقائدي خلال العقد الماضي، ولعل من النتائج غير المباشرة للصراع، والتي هي في حاجة إلى تعمق أكبر بالدراسة والتمحيص والتحليل، التراجع الحتمي لمكانة جماعة الإخوان المسلمين في عموم الشرق الأوسط، أمام تجربة وليدة يرعاها رجل يتقاطع معهم بقواسم مشتركة في الأيديولوجيا السياسية الدينية.
سقوط نظام بشار الأسد وتولي أحمد الشرع (أبومحمد الجولاني سابقا) زمام الأمور في دمشق، سيقرأه الإخوان على أنه بارقة أمل جديدة لإعادة طرح الجماعة مجددا كحل بديل عن أنظمة سياسية في المنطقة، خاصة وكما جاء في المقال، أن الإخوان كانوا يعوّلون على حركة حماس في انتشال واقعهم التنظيمي، ورفع شعبيتهم المتآكلة، ليأتي أحمد الشرع الآن بمسار سياسي واقعي براغماتي مدعوم من تركيا (أردوغان) ينسف ثقافة السلفية الجهادية التي شكلت شخصية الرجل الرجعية.
وهو ما يفتح باب التساؤلات والتكهنات، هل سنرى في الأيام القليلة المقبلة خطابا إخوانيا جديدا يفضي إلى “نيو إخوان” بثقافة سياسية أكثر مدنية بعيدا عن الراديكالية التي تغولت في شخصية الإخوان الجمعية؛ خطاب وثقافة يغازلان إدارة الرئيس ترامب، ويتصالحان مع أنظمة عربية ويراعيان مصالحها، ويخففان حدة العدوانية في المفاهيم والمصطلحات مع الكيان الإسرائيلي، ويقبلان بالحلول السلمية والتطبيع بعيدا عن شعارات غوغائية ما زالت تصدح بها عناصر الجماعة وأنصارها.