الأيديولوجيا الكاليفورنية والاستعمار الرقمي الجديد للقارة الإفريقية
تعدّ الأيديولوجيا الكاليفورنية الطوباوية من العوامل التي أثرت في تشكيل المشهد التكنولوجي في أفريقيا، لكنها تحمل في طياتها خطرًا بتكريس تبعية جديدة للغرب، مما يهدد السيادة الرقمية للقارة
الأيديولوجيا الكاليفورنية، مصطلح صاغه ريتشارد باربروك وآندي كاميرون في مقال نشر عام 1995؛ إذ تُمَثّلُ – الأيديولوجيا – اندماجًا بين الطوباوية التكنولوجية ورأسمالية السوق الحرة، مدفوعة بأخلاقيات وادي السيليكون الليبرالية.
وتقوم هذه الأيديولوجيا على فكرة أنّ الابتكار التكنولوجي، خاصة من خلال الإنترنت، يمكن أنْ يُحدث تحولات جذرية في المجتمعات، ويعزز الرخاء الاقتصادي، مع تجاوز الأدوار التقليدية للحكومات في قيادة التنمية الشاملة. وتتضمن هذه الأيديولوجيا مبادئ أساسية، يمكن تلخيصها فيما يلي:
الحتمية التكنولوجية: الاعتقاد بأنّ التكنولوجيا هي القوة الدافعة للتغيير الاجتماعي والاقتصادي.
النزعة الفردية: التركيز على الحرية الفردية والتعبير عن الذات.
الليبرالية السوقية: تعزيز الأسواق الحرة، والحدّ الأدنى من تدخل الحكومة.
مناهضة الدولة: رفض السلطة المركزية والسيطرة البيروقراطية.
الطوباوية التكنولوجية: الإيمان بإمكانية التكنولوجيا في خلق عالم أفضلَ للجميع.
ولقد انتشرت هذه الفلسفة بسرعة حول العالم، مستندة إلى قوة عمالقة التكنولوجيا، مثل: غوغل وميتا (فيسبوك سابقًا) وأمازون. وقد تجاوزت هذه الشركات حدود الولايات المتحدة؛ لتستخدم التكنولوجيا كأداة “قوة ناعمة” تؤثر على الحوكمة، والسياسات الرقمية في دول عديدة، بما فيها الدول الأفريقية.
في السياق الأفريقي، ترسخت هذه الأيديولوجيا في مراكز التكنولوجيا الناشئة، مثل: لاغوس (نيجيريا)، ونيروبي (كينيا)، وكيب تاون (جنوب أفريقيا)؛ حيث يُنظر إلى الابتكار، وريادة الأعمال كمحركات أساسية للنموّ الاقتصاديّ.
اقرأ أيضا.. زيادة دور الأفارقة في البريكس.. الصعوبات وآفاق التعددية القطبية
وتُروَّج التكنولوجيا المالية، والتجارة الإلكترونية، والبنية التحتية الرقمية، كأدوات للتقدم، مع مبادرات مثل: أساسيات ميتا المجانية (Meta’s Free Basics)، ومشروع لوون من غوغل (Google’s Project Loon)، التي تهدف إلى زيادة الوصول إلى الإنترنت، وتحسين الاتصال الرقمي.
ومع ذلك، فإنّ لهذه الأيديولوجيا جوانب سلبية لا يمكن تجاهلها؛ لأنّ الاعتماد المتزايد على الشركات الغربية في بناء البنية التحتية الرقمية في أفريقيا، مع تجاهل الخصائص المحلية، قد يؤدي إلى الاعتماد الاقتصادي المفرط على الغرب، ويفاقم الفجوات الاجتماعية المحلية والإقليمية، كما أنّه يهدد بتقويض الحكم، وخنق الابتكار المحلي.
في هذه المقالة، ستُناقش كيفية توازن هذه الأيديولوجيا بين تقديم فرص للتنمية التكنولوجية والابتكار في أفريقيا، وبين تعزيز استحواذ رقمي جديد، قد يوصف بالاستعمار الرقمي؛ ليُعيد إنتاج أنماط التبعية الاقتصادية.
لقد أسهمت الأيديولوجيا الكاليفورنية، التي ترتكز على الابتكار التكنولوجي وريادة الأعمال، في إحداث طفرة ملحوظة في مراكز التكنولوجيا الناشئة في أفريقيا، مثل: نيروبي، ولاغوس، وكيب تاون.
فهذه المدن، المستلهَمة من نموذج وادي السيليكون، باتت محاور حيوية للابتكار الرقمي القارّي؛ حيث تظهر الشركات الناشئة لمعالجة التحديات المحلية باستخدام التكنولوجيا.
إنّ نيروبي، التي تُلقب بـ”سافانا السيليكون”، أصبحت مركزًا رئيسًا يعزز ثقافة الابتكار، بدعم جيل شاب، متمرس في مجال التكنولوجيا. وعلى المنوال نفسه، تحتضن لاغوس قطاع التكنولوجيا المالية المتنامي، بينما تتميز كيب تاون بمشهدها التكنولوجي المتنوع الذي يشمل التجارة الإلكترونية، وتطوير البرمجيات.
وتُعدّ زيادة الاتصالات إحدى أبرز الفوائد للنمو التكنولوجي في أفريقيا؛ حيث أدّى انتشار الإنترنت عبر الهواتف المحمولة إلى إدخال الملايين من الأفارقة إلى الشبكة الرقمية الدولية، ما أتاح لهم الوصول إلى المعلومات، والخدمات المالية، والأسواق العالمية.
فعلى سبيل المثال، أحدثت خدمة M-Pesa، وهي خدمة تحويل أموال عبر الهاتف المحمول ووسيلة دفع في كينيا، ثورة في الشمول المالي؛ حيث أتاحت للأفراد غير المتعاملين مع البنوك الانخراط في الأنشطة الاقتصادية.
وقد حفز نجاح M-Pesa انتشار الابتكارات المالية عبر القارة؛ حيث تسعى الشركات الناشئة في لاغوس وكيب تاون إلى استخدام التكنولوجيا لتقديم خدمات مالية للمجتمعات المحرومة من الوصول إلى التمويل.
تعدّ الأيديولوجيا الكاليفورنية الطوباوية من العوامل التي أثرت في تشكيل المشهد التكنولوجي في أفريقيا، لكنها تحمل في طياتها خطرًا بتكريس تبعية جديدة للغرب، مما يهدد السيادة الرقمية للقارة.
ومع ازدهار هذه الابتكارات، برزت شركات ناشئة، مثل: فلاتر ويف (Flutterwave) وبايستاك (Paystack) في نيجيريا كمحركات لتغيير المدفوعات الرقمية، مما أسهم في تعزيز التجارة عبر الحدود، وربط الشركات الأفريقية بالأسواق العالمية.
وعلى الرغم منْ أنّ هذه التطورات تبدو، ظاهريًّا، وكأنها تكرّس مبادئ الديمقراطية الرقمية، فإنّ تجاهلها للخصائص الاجتماعية والثقافية المحلية يبقى خطرًا قائمًا؛ حيث تُسْهم هذه المبادرات في ترسيخ تبعية جديدة للغرب، بدلًا من خلق حلول مستدامة.
وإلى جانب التكنولوجيا المالية، استفادت مراكز التكنولوجيا الأفريقية من الاتصال العالمي، الأمر الذي مكّن روَّاد الأعمال من الوصول إلى الأسواق الدولية، وجذب رأس المال الاستثماري، والتعاون مع شركات عالمية. هذا الاتصال لا شك ضروري لتوسيع نطاق الشركات الناشئة، ودمج الاقتصادات الأفريقية في النظام الرقمي العالمي.
ومن جهة أخرى، سهّلت منصات التجارة الإلكترونية مثل “جوميا” توسُّع الأعمال التجارية عبر الحدود، كما أتاحت شركة أنديلا للمطورين الأفارقة العمل عن بُعد في شركات تكنولوجية عالمية، مما خلق فرصًا وظيفية جديدة في مجالات متقدمة دون الحاجة إلى الهجرة الجسدية.
ومع ذلك، وفي ظل زحف عمالقة التكنولوجيا الغربية مثل غوغل وفيسبوك إلى أفريقيا، يجدر التوقف عند أبعاد هذه المبادرات. فعلى الرغم من أنّ خدمات مثل “فري بيسكس” (Free Basics) من فيسبوك، ومشروع “لوون” (Loon) – السابق ذكرهما – من غوغل تهدف إلى “ربط غير المتصلين”، فإنّ هذه المشاريع – في جوهرها – تعزز هيمنة الغرب على البنية التحتية الرقمية الأفريقية، مما يثير تساؤلات عن السيادة الرقمية واستقلالية القارة.
إنّ هذه الجهود، وإن كانت تقدم بعض الفوائد، إلا أنها تضع أفريقيا في مسار اعتماد متزايد على الحلول التكنولوجية الغربية، وهو مسار يحتاج إلى تقييم نقدي أعمق؛ لضمان أن تلبي التكنولوجيا احتياجات أفريقيا التنموية الفعلية بعيدًا عن قيود التبعية الجديدة.
بينما تَعد الأيديولوجيا الكاليفورنية بالازدهار والنمو والربط الشبكي، فإنّ تمددها في القارة الأفريقية يُثير مخاوف جوهرية تتعلق بما يمكن وصفه بـ”الاستعمار الرقمي الجديد”.
إنّ الأسواق الأفريقية باتت تعتمد بشكل متزايد ومقلق على شركات التكنولوجيا الغربية في توفير البنية التحتية الرقمية، وخدمات التخزين السحابي، والمعاملات المالية الإلكترونية، مما يُرسّخ نوعًا من التبعية التكنولوجية الخطيرة.
وتحتل الشركات العملاقة، مثل: أمازون، وغوغل، ومايكروسوفت، موقع الصدارة في مشهد الحوسبة السحابية وتخزين البيانات في أفريقيا، ما يجبر الحكومات والشركات المحلية على الاعتماد على منصات أجنبية؛ لتأمين الخدمات الرقمية الحيوية.
هذا الاعتماد، في جوهره، يُخاطر بإعادة إنتاج أنماط التبعية الاقتصادية التي عرفتها القارة خلال حقبة الاستعمار التقليدي؛ حيث تظل الاقتصادات المحلية مسخّرة لخدمة مصالح القوى الغربية وأجنداتها، بدلًا من أن تكون موجهة نحو تحقيق التنمية الذاتية المستدامة.
إنّ إحدى الإشكاليات المحورية في هذا الاستعمار الرقمي، هي قضية سيادة البيانات. فمع ازدياد تبني الأفراد والمؤسسات في أفريقيا للخدمات الرقمية التي توفرها الشركات الأجنبية، تُجَمَّعُ كميات ضخمة من البيانات التي تُخَزَّن وتُسْتَثْمَرُ من قبل هذه الشركات، غالبًا دون أيّ عائد فعّال على الحكومات، أو الاقتصادات المحلية.
وفي ظلّ الافتقار إلى الأطر التنظيمية، والبنية التكنولوجية المناسبة، تجد الدول الأفريقية نفسها عاجزة عن التحكم في هذه البيانات، أو الاستفادة منها. وفي الوقت الذي تُعتبر فيه البيانات من أثمن الموارد في الاقتصاد العالمي، تبقى أفريقيا مُهمّشة؛ حيث تجد الحكومات صعوبة في فرض قوانين تحمي بياناتها من الاستغلال الخارجي الذي لا يُسْهم في نمو الاقتصادات المحلية بقدر ما يستنزف مواردها المختلفة.
قد يخلق هذا الوضع ديناميكية خطيرة؛ حيث تُصبح الدول الأفريقية مُجرد مستهلكة للتكنولوجيا بدلًا من أنْ تكون مُنتجة لها. وبدلًا من الاستثمار في البنية التحتية الرقمية الوطنية، وتعزيز الصناعات التكنولوجية المحلية، تزداد تبعية أفريقيا للتقنيات الغربية؛ لتلبية احتياجاتها الأساسية. هذا الاعتماد لا يُقيّد فقط قدرة القارة على الابتكار التكنولوجي؛ بل يُكرّس أيضًا موقعها الهامشي في النظام الرقمي العالمي.
وبدون استثمار قويّ في البنية التكنولوجية المحلية، وتطوير تشريعات تحمي سيادة البيانات، فإنّ دول القارة مُعرّضة لخطر البقاء كمجرد طرف سلبي في الاقتصاد الرقمي العالمي، دون قدرة فعلية على تشكيل مستقبلها أو الدفاع عن مصالحها الإستراتيجية.
وفي المحصلة، فإنّ التوسع غير المنضبط للأيديولوجيا الكاليفورنية في أفريقيا قد يؤدي إلى تفاقم الفجوات الاجتماعية والاقتصادية الحالية، ويُعيق قدرة دول القارة على تحقيق التنمية المستدامة والمستقلة.
ومن الضروري أن ندرك أنّ هذا الشكل الجديد من التبعية لا يقل خطورة عن أشكال الاستعمار التقليدية، ويحتاج إلى مراجعة نقدية صارمة؛ لضمان أن تكون التكنولوجيا في خدمة التنمية الحقيقية لأفريقيا، وليس مجرد أداة لتعميق التبعية واستنزاف الموارد المحلية.
أسطورة الحياد التكنولوجي
إحدى الركائز الأساسية للأيديولوجيا الكاليفورنية هي الاعتقاد بأن التكنولوجيا محايدة وغير سياسية، وقادرة على تقديم فوائد شاملة تحل المشكلات المجتمعية، بغض النظر عن السياقات المحلية. ولكن هذا الاعتقاد يتجاهل حقيقة أن التكنولوجيا ليست معزولة عن تأثيرات السلطة والأيديولوجيات المنشئة لها.
ففي أفريقيا تحديدًا، تُظهر التجربة أن نشر الأدوات الرقمية غالبًا ما يعزز هياكل السلطة القائمة؛ حيث يستفيد الأثرياء وأصحاب النفوذ الاقتصادي والسياسي أكثر من غيرهم، بينما تزداد الفجوات الاجتماعية اتساعًا.
فعلى الرغم من أن الابتكارات في التكنولوجيا المالية قد وسعت الشمول المالي لبعض الفئات، فإن المجتمعات الريفية، والفئات المحرومة تظل بعيدة عن هذه التحسينات؛ بسبب عدم توفر الإنترنت، أو ضعف البنية التحتية الرقمية، مما يعمق الفجوة بين الحضر والريف.
إن الفجوة الرقمية تظل إحدى التحديات الكبرى في القارة؛ حيث يستفيد الأثرياء في المناطق الحضرية من سرعة الاتصال وتوافر الموارد التقنية، بينما تظل المناطق الريفية والمهمشة، وخاصة النساء، على هامش هذا التطور.
وتتجلى الفجوة بين الجنسين (الجندرية) بوضوح في قدرة النساء على الوصول إلى التكنولوجيا؛ حيث تعيقهن مستويات التعليم المنخفضة، وقلة الموارد الاقتصادية، ومحو الأمية الرقمية. ومن دون تدخلات موجهة، فإن الانتشار غير المنظم للتكنولوجيا سيؤدي إلى تفاقم هذه التفاوتات، بدلًا من تقليصها.
وفضلًا عن ذلك، فإن إدخال التقنيات الجديدة في أفريقيا قد أفرز عواقب اجتماعية سلبية غير متوقعة. فعلى سبيل المثال، أسهمت الأتمتة في فقدان العمال ذوي المهارات المنخفضة وظائفَهم في قطاعات حيوية، مثل: الزراعة والصناعة؛ حيث حلت الحلول الرقمية محل العمالة التقليدية. هذا التحول أدّى إلى زيادة البطالة، خاصة في ظل غياب شبكات الأمان الاجتماعي.
إضافة إلى ذلك، أسهم انتشار المعلومات المضللة، وخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في زعزعة الاستقرار السياسيّ في عدة دول أفريقية. هذه الأمثلة تسلّط الضوء على المخاطر الناجمة عن الافتراض غير الدقيق بأن التكنولوجيا دائمًا ما تكون إيجابية، مما يشير إلى ضرورة إدارة تبعاتها بعناية؛ لتجنب تفاقم الانقسامات القائمة.
الرؤية الطوباوية لمستقبل رقمي بلا حدود، والتي تُرَوّج لها الأيديولوجيا الكاليفورنية، تتناقض بشكل كبير مع الواقع التنموي لأفريقيا. في حين يُفتَرَض أنّ التكنولوجيا يمكن أنْ تتجاوز الحواجز السياسية والاقتصادية، فإنّ القارة تواجه تحديات بنْيوية كبيرة تُعقّد هذه الفكرة.
إذ تفتقر العديد من الدول الأفريقية إلى القدرة على تأسيس بنية تحتية رقمية قوية، وخاصة في المناطق الريفية؛ حيث تعيق هذه الفجوات – إلى جانب نقص التعليم والتدريب التكنولوجي – تحقيق الفوائد المحتملة للتكنولوجيا على المستوى الاقتصادي.
إنّ تدفق رأس المال الاستثماري الغربي، وإنْ كان يُسْهم في تعزيز النمو الرقمي، فإنه يُشكل خطرًا على الابتكار المحلي أيضًا. لأنّ رواد الأعمال الأفارقة غالبًا ما يجدون أنفسهم غير قادرين على منافسة الشركات المدعومة من الخارج، والتي تمتلك موارد مالية وخبرات تقنية أضخم.
بينما تَعد الأيديولوجيا الكاليفورنية بالازدهار، فإن تمددها في أفريقيا يُثير تساؤلات حول السيادة الرقمية واستقلالية القارة، مما يتطلب تقييمًا نقديًا لضمان ألا تكون التكنولوجيا أداة للتبعية
هذا الوضع، يهدد بتهميش الحلول التكنولوجية المحلية، التي قد تكون أكثر توافقًا مع احتياجات أفريقيا الفعلية. فضلًا عن ذلك، إنّ الاستثمارات الغربية غالبًا ما تركز على التوسُّع السريع والربح الفوري، ما يؤدي إلى إهمال المشاريع التنموية، ذات الأهداف الاجتماعية التي تركز على تجاوز تحديات محلية مستدامة.
وعلى الرغم من هذه التحديات، تعمل بعض الحكومات الأفريقية، مثل: كينيا ورواندا، على تسخير التكنولوجيا لدعم التنمية المحلية من خلال سياسات تدعم الابتكار التكنولوجي؛ ولكن غالبًا ما تواجه هذه الجهود عقبات نتيجة نقص الموارد، وتعدد الأولويات.
وفي المقابل، قد لا يكون النهج الحرّ غير المنظم الذي يتبناه مشروع وادي السيليكون متناسبًا مع واقع أفريقيا؛ حيث تتطلب التنمية المستدامة تدخل الدولة لدعم النمو العادل والشامل.
الخلاصة
قد تُقَدّم الأيديولوجيا الكاليفورنية، بما تحمله من وعود التكنولوجيا الطوباوية وريادة الأعمال فرصًا حقيقية لتنمية الكثير من دول القارة الأفريقية؛ لكن في الوقت ذاته تحمل مخاطر جمّة تتعلق بالاستعمار الرقمي الجديد.
ولقد أسْهم انتشار هذه الأيديولوجيا في دفع الابتكار والنمو التكنولوجي في مدن، مثل: نيروبي، ولاغوس، وكيب تاون؛ إلا أنه أدى أيضًا إلى تفاقم التبعية الاقتصادية، وتوسيع الفجوات الاجتماعية والمعرفية. وفي هذا السياق، يجب أنْ تتعامل الدول الأفريقية مع هذه الأيديولوجيا بحذر، ووعي نقديّ.
إنّ الدعوات لتبني التكنولوجيا على أنها “خيٌر عالميٌّ مطلقٌ”، تتجاهل واقع أنّ التكنولوجيا إذا ما أُديرت بشكل غير مدروس، يمكن أنْ تُعمّق الانقسامات القائمة، وتفاقم التحديات التنموية في كثير من دول القارة.
لذلك، يجب على الدول الأفريقية تعزيز الابتكار المحلي، والسيطرة على بياناتها السيادية، مع فرض ضوابطَ واضحةٍ على أنشطة عمالقة التكنولوجيا.
وفي النهاية، يحتاج مستقبل أفريقيا التكنولوجي إلى أنْ يُبنى على أُسُس محلية، تضع السيادة الرقمية في مقدمة الأولويات، مع التأكد منْ أنّ التكنولوجيا تخدم احتياجات الشعوب الأفريقية، وتحقق تنمية عادلة ومستدامة، بعيدًا عن قيود التبعية الغربية.