أوروبا

الأندلسيون والأرمن.. مأساة متشابهة

أصبح "الاختباء" حالة ملازمة للأرمن لضمان الحياة في تركيا، فقد أُجبر كثير من الناجين على اعتناق الإسلام، وتغيير أسمائهم، ليتظاهروا بأنّهم من أي إتنية أخرى. وكذلك كان الحال بالنسبة إلى الأرمنيات اللاتي زُوّجن لرجال أتراك وأكراد وغيرهم،

اضطرت 5 عائلات من قبيلة فارتو الأرمنية، والتي كانت تُعتبر إحدى أكبر وأثرى القبائل الأرمنية في جنوب غرب الأناضول، أن تحتمي بالجبال حين نجت بأعجوبة من الإبادة الجماعية للأرمن في تركيا في 1915.

عاش الناجون منقطعين كلياً عن العالم الخارجي، حتى أنّهم لم يعلموا عن سقوط الدولة العثمانية، وقيام الجمهورية التركية. “اعتقدنا أنّه لم يتبق أرمن في العالم سوانا”، اعترف أحد كبار السن.

لم تنزل العائلات من الجبال إلّا بعد قرابة 30 سنة، لتجد ممتلكاتها وأراضيها قد نُهبت. ولولا أن قيّض الله لشاب منها في 1968 أن يلتحق بالخدمة العسكرية، لربما ما علمت حتى يومنا هذا بوجود أرمن سواها!.

أصبح “الاختباء” حالة ملازمة للأرمن لضمان الحياة في تركيا، فقد أُجبر كثير من الناجين على اعتناق الإسلام، وتغيير أسمائهم، ليتظاهروا بأنّهم من أي إتنية أخرى. وكذلك كان الحال بالنسبة إلى الأرمنيات اللاتي زُوّجن لرجال أتراك وأكراد وغيرهم، وإلى الأطفال الذين كانت النشأة بالتبنّي في كنف عائلة مسلمة ثمناً لسلامتهم، على أن يُعتبروا بعد ذلك أتراكاً أو أكراداً.

وما حدث للعوائل الخمس من احتجاب عن الأنظار على مدار عقود طوال، وأجيال تلت أجيالاً، لم يكن استثنائياً في بشاعته، فـ”الاختباء” ظل قدراً لأغلبية الأرمن، ولو بأشكال مختلفة، حتى ما قبل 20 عاماً تقريباً.

ثمة من فرضوا على أبنائهم عدم التحدّث بالأرمنية خارج المنزل، وهناك النساء الأرمنيات اللاتي ربّين أبنائهن وفقاً لإتنية آبائهم فحسب، لئلا يعلموا بـ”نصفهم الثاني”، وثمة من لم يصارحوا أبناءهم بأصولهم الأرمنية إلّا بعدما كبروا، مثل المحامية والكاتبة فتحية تشيتين، والتي نشرت في 2004 كتابها الشهير “جدتي: مذكرات تركية أرمنية”، وثمة من تركوهم “على عماهم”.

العشرية الأخيرة فقط باتت تشهد نشاطاً ملحوظاً في تحرّر “الأرمن المختبئين” في تركيا منذ 1915، فقد عادوا للاعتراف بأصولهم، والبحث عن جذورهم، وتقبّل هوياتهم، بينما فئات منهم تختار الأسماء الأرمنية، وتعتنق دين أجدادها المسيحي.

لا يسع المرء وهو يقرأ هذه الفظاعات سوى أن يتذكّر الموريسكيين المختبئين في إسبانيا والبرتغال من نير محاكم التفتيش المسيحية المنطلقة في القرن الـ16.

وقد يعتقد المرء أنّها محنة امتدت لبضعة عقود في أسوأ الحالات، أو امتدت حتى الطرد الممنهج للمسلمين بين 1609 و1614.

ولكن في تحقيق لصحيفة “لا فانغوارديا” الإسبانية، اكتشف صمود قلة من الموريسكيين المسلمين حتى أواخر القرن العشرين! وذلك من خلال شهادات أبنائهم، والذين لاحظوا سجودهم باتجاه الشرق، وتستّرهم بين الحقول للصلاة، وامتلاكهم للمصاحف القديمة، وتكرارهم لكلمة “الله” بالعربية، وتفاديهم للمنتجات المشتقة من الخنزير ما استطاعوا، ثم، طبعاً، تحذيرهم لأبنائهم من إفشاء أسرارهم للمجتمع.

ما زلنا بعد 400 عام تقريباً نتحدث عن العذاب والمهانة التي قاساها مسلمو ويهود إسبانيا لـ”الاختباء”، فلا يجب أن ننتظر 400 عام أخرى ليخرج كل الأرمن إلى النور.

العنود المهيري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى