ليبيا

الأزمة الليبية بين يأس باتلي ومُهمة خوري 

منصب نائب رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أصبح منذ استحداثه بموجب مقترح أميركي، موقعا وظيفيا إستراتيجيا بالنسبة إلى واشنطن، تعمل من خلاله على مراقبة الملف الليبي عن قرب، وقد شغلته بنجاح ستيفاني ويليامز التي تعتبر من أكثر الشخصيات التي تعمقت في فهم الوضع داخل ليبيا.

وصلت الدبلوماسية الأميركية ستيفاني خوري إلى طرابلس لتباشر مهامها كرئيسة بالوكالة للبعثة الأممية بعد استقالة المبعوث السابق عبدالله باتيلي في السابع عشر من أبريل معلنا يأسه من إمكانية التوصل إلى حل للأزمة الليبية بالاعتماد على الآليات السياسية.

في أوائل مارس الماضي، أعلن عن تعيين خوري المنحدرة من أصول عربية لبنانية، في منصب نائبة للممثل الخاص للشؤون السياسية في ليبيا في بعثة “يونسميل”، خلفا للزيمبابوي رايسيدون زينينغا، وتمت الإشارة آنذاك إلى أن الدفع بها إلى هذا المنصب المهم يدخل في سياق محاولة الولايات المتحدة فرض أجندتها في ليبيا وخاصة في المنطقة الغربية وتطوير أدائها في مواجهة النفوذ الروسي المتنامي في شرق ليبيا وجنوبها وفي دول الجوار الجنوبي.

كما أن تعيين خوري يحل ولو مؤقتا مشكلة الخلاف الذي قد يطرأ على مجلس الأمن بخصوص تعيين مبعوث جديد بدلا عن المستقيل باتيلي، ويعطي الدبلوماسية الأميركية مجالا واسعا لقراءة الملف الليبي من جديد بأكثر دقة والاطلاع على مختلف حيثياته، لاسيما في هذه الفترة التي تعتبر حاسمة وفارقة في مسار الأزمة في ظل فشل المجتمع الدولي في حلحلة الصراع، وحتى في فهم ما يدور في رؤوس الفرقاء.

ثم إن منصب نائب رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أصبح منذ استحداثه بموجب مقترح أميركي، موقعا وظيفيا إستراتيجيا بالنسبة إلى واشنطن، تعمل من خلاله على مراقبة الملف الليبي عن قرب، وقد شغلته بنجاح ستيفاني ويليامز التي تعتبر من أكثر الشخصيات التي تعمقت في فهم الوضع داخل ليبيا، ومع ذلك وقعت في فخ العقلية الغنائمية التي يتعامل بها من وصفتهم بديناصورات السياسة ولصوص المال العام، والذين أضفت على سلطتهم شرعية فاسدة من خلال ملتقى أو “سوق” الحوار السياسي منذ دورته التأسيسية بتونس في نوفمبر 2020.

سيكون من الصعب على خوري أن تحدث اختراقا جديا في جدار الأزمة الليبية وذلك لاعتبارات عديدة، من بينها أن التدخلات الخارجية أدت إلى تكريس انقسامات داخلية على أساس التحولات الإستراتيجية وتجاذبات النفوذ بين القوى الكبرى، وهو ما تمكن ترجمته في الداخل بالمصالح الشخصية والأسرية والقبلية والمناطقية التي هيمنت بقوة على إدارة الحكم سواء في طرابلس أو بنغازي.

بالنسبة إلى المهندس عبدالحميد الدبيبة الذي يتولى عمليا رئاسية حكومة الوحدة الوطنية منذ مارس 2021، هو يمارس الحكم كرئيس للحكومة في نظام برلماني، ولديه أغلب صلاحيات السلطة التنفيذية، ورغم الصراعات القائمة بينه وبين مجلس النواب وبينه وبين محافظ مصرف ليبيا المركزي، إلا أنه متمسك بمنصبه وغير مستعد للتخلي عنه مهما كانت الضغوطات، ولن أبوح بسر إن قلت إنه صاحب دور كبير في دفع باتيلي للاستقالة، كما أنه كان حجر عثرة أساسيا أمام مبادرة الطاولة الخماسية برفضه أحد أهم البنود الواردة في اتفاق اللجنة المشتركة 6+6 الصادر في يونيو 2022، والمتعلق بشرط  تشكيل حكومة موحدة تتولى إدارة شؤون البلاد لمدة ثمانية أشهر تتوج بتنظيم الانتخابات.

والدبيبة طبعا، مرتبط بمختلف المتداخلين في المنطقة الغربية؛ قادة الميليشيات وأمراء الحرب ولوبيات المال والأعمال وملوك الاعتمادات وشبكات المضاربة بالعملة وممثلو الشركات متعددة الجنسيات، بالإضافة إلى تركيا وإيطاليا كقوتين فاعلتين على الأرض وفي الاقتصاد، والولايات المتحدة التي تعمل حاليا وبكل قوة على بسط نفوذها في البلاد ومواجهة النفوذ الروسي وتعويض خسائرها في دول الساحل وآخرها سحب قواتها من النيجر وتشاد.

قد يعتقد البعض أن الولايات المتحدة قادرة على التأثير على الدبيبة في اتجاه أيّ مبادرة حل، لكن الأمر ليس بهذه السهولة، فالرجل يمتلك من خلال فريق كبير من المستشارين المتخصصين، قدرة على المناورة، ولديه الكثير من الأوراق التي يستظهر بها حينما يشاء، وأهمها أنه الأكثر استعدادا للحفاظ على مصالح العواصم الحليفة وفي مقدمتها واشنطن، فيما أن الواقع يقول بأن أقوى تيارين سياسيين مؤثرين في المجتمع هما أنصار النظام السابق والتيار الموالي لقيادة الجنرال خليفة حفتر، والتياران قريبان من موسكو ولا يثقان في السياسة الأميركية لأسباب تاريخية واجتماعية وثقافية، وعلى صلة بالوضع الدولي والإقليمي، وخاصة بالشعارات الدينية والقومية التي لا تزال تساهم في تشكيل الوعي الجمعي للشعب الليبي.

بالنسبة إلى المنطقة الشرقية تحل في منتصف مايو، الذكرى العاشرة لإطلاق عملية الكرامة التي قادها الجنرال حفتر ضد الجماعات المتطرفة والميليشيات المسلحة التي سيطرت على البلاد بعد الإطاحة بالنظام السابق في العام 2011، والتي انطلقت في سلسلة تصفيات طالت الضباط والجنود والحقوقيين والقضاة والناشطين السياسيين ورجال الدين المعتدلين والصحافيين وغيرهم، وهو ما جعل الزعماء القبليين يطلبون من الجنرال تحرير مناطقهم، وأعربوا عن استعدادهم لدعمه بالآلاف من أبنائهم من كافة مناطق البلاد، في معركة سرعان ما تحوّلت إلى ثورة جديدة بشعارات وتصورات وأفكار ورؤى مختلف عن ثورة فبراير.

علينا أن نتذكر أن الجنرال حفتر كان أحد الضباط الشبان الذي شاركوا في الإطاحة بالنظام الملكي في الفاتح من سبتمبر 1969 ضمن عملية بيضاء قادها العقيد معمر القذافي، وكان معروفا بطموحاته السياسية وبتطلعه للعب دور قيادي، كما كان معروفا بعقيدته القومية الناصرية، وهناك من يقول إن القذافي كان يرغب في التخلص منه عندما دفع به إلى حرب تشاد، وتحديدا إلى معركة وادي الدوم حيث تعرض للأسر في مارس 1987 من قبل القوات التشادية المدعومة من قبل الفرنسيين والأميركان.

وبقطع النظر عن طبيعة العلاقة التي كانت قائمة بين الرجلين، إلا أن الجنرال حفتر يحاول منذ سنوات تقمص شخصية الزعيم الراحل، من حيث القيادة العسكرية والمواقف السياسية والاهتمام بالصورة الإعلامية والامتدادات الاجتماعية، كذلك بالاعتماد على الأبناء وبشكل يتجاوز حتى ما كان عليه القذافي، وبقطع الطريق أمام الأحزاب والفاعليات السياسية وملاحقة المعارضين وتكريس سلطة الفرد. بمعنى آخر يمكن القول إن مناطق نفوذ الجنرال حفتر تشكل امتدادا لنظام سبتمبر بما يمكن اعتباره تحولا من داخل ذلك النظام.

في ظل هذا الواقع، نحن أمام حالة انقسام سياسي وحكومي وعسكري واجتماعي، وأمام تباين في تحديد ملامح الدولة بين الفرقاء الأساسيين، وكذلك في التحالفات الإقليمية والدولية، وهو ما سيضع الكثير من العراقيل أمام خوري، وسيجعلها تتذكر قبل أن تضع رأسها على المخدة كل مساء، ما قاله باتيلي من أنّ لا أمل في حل سياسي للأزمة الليبية، وهو يختصر استنتاجاته الشخصية واستنتاجات كل من سبقوه إلى منصب المبعوث الأممي إلى ليبيا.

الحبيب الأسود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى