ستواجه مشكلة التضخم في الولايات المتحدة من يفوز في انتخابات نوفمبر وتتحداه مباشرة، إذ لا يزال ما يسمى بمؤشر أسعار المستهلكين الأساسي أعلى كثيراً من المستهدف الذي حدده البنك المركزي.
يحدث ذلك بعد مرور أكثر من عامين على بدء الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في رفع أسعار الفائدة بهدف تخفيف ارتفاع الأسعار منذ جائحة كورونا.
لكن ما يثير الحيرة والارتباك هو أن البرنامج الاقتصادي للرئيس السابق دونالد ترمب يبدو داعماً لزيادة الأسعار.
فما هي السياسات التي ستنتهجها إدارة ترمب الثانية؟ لقد ظهرت بعض الأفكار العامة، رغم أن الرئيس السابق لم يكن مثالاً نموذجياً للوضوح في حملته الانتخابية.
إقرأ أيضا :سياسة ترمب الخارجية.. بعد الفوز!
زيادة الرسوم الجمركية
من المؤكد أن زيادة الرسوم الجمركية بين السياسات التي يتحمس لها ترمب على الدوام. وقد فرضت إدارته عدة جولات من هذه الرسوم بداية من عام 2018، تسببت في إجراءات انتقامية متوقعة.
ونتج عن هذه الإجراءات مجتمعة تدمير للوظائف وانخفاض للدخل، كما كلفت المستهلكين نحو 51 مليار دولار سنوياً.
يرغب ترمب حالياً في فرض رسوم جمركية بنسبة 60% على المنتجات التي صنعت في الصين وبنسبة 10% على الواردات الأخرى. هذه الرسوم سيترتب عليها ارتفاع أسعار المستهلك بنسبة 2.5% خلال عامين، وتراجع النمو الاقتصادي بنسبة 0.5%، وفق تقديرات “بلومبرغ إيكونوميكس”.
كذلك تعهد ترمب بفرض رسوم على واردات السيارات بنسبة 100%. تفاصيل ذلك ستحدد في وقت لاحق. وقد وصف أحد المحللين النتائج المحتملة بأنها “كارثية”. المهم في ذلك أن هذا النوع من الحروب التجارية يخاطر دائماً بزيادة الأسعار.
السياسة النقدية
تشكل خطط ترمب في السياسة النقدية خطراً مماثلاً، إذ تشير بعض التقارير الإعلامية إلى أن مستشاريه يعملون على تهيئة الظروف حتى يمارس الرئيس تأثيراً مباشراً في قرارات أسعار الفائدة. (وقد انتقدت حملته هذه التقارير بشكل مراوغ).
إن المنطق وراء استقلال البنك المركزي –وهو من أنجح الإبداعات السياسية لعصر ما بعد الحرب– هو أن خضوع السياسة النقدية للتوجهات السياسية يؤدي إلى الانحياز لصالح التضخم. وفي هذه الحالة، على الأرجح، قد نواجه نبوءة تحقق ذاتها، حيث يتوقع المستهلكون والشركات أن يتسامح الاحتياطي الفيدرالي الأميركي مع ارتفاع معدل التضخم في عهد ترمب، ويتصرفون بطريقة تؤدي فعلاً إلى زيادة الأسعار من جديد.
وبتعبير أكثر مباشرة، يتلاعب الرئيس السابق بمسألة خفض قيمة الدولار. وعلى الرغم من أن الأمل يكمن في إنعاش الصناعة المحلية، فإن كيفية تنفيذ هذه الخطة ليست واضحة بعد. (وكحال العديد من التصرفات في عالم ترمب، يبدو أن تلك الخطة تستند إلى كثير من العداء غير المبرر). وفي المحصلة،
من المرجح أن يؤدي مثل هذا التلاعب إلى الانتقام، وتقويض الثقة في الدولار، وألا يسهم بشكل كبير في زيادة الصادرات. ومن خلال رفع تكلفة السلع والمدخلات المستوردة على المنتجين المحليين، سيؤدي ذلك أيضاً (ربما لاحظت النمط) إلى زيادة الأسعار.
تخفيض الضرائب
أخيراً، تميل خطط ترمب للسياسة الضريبية إلى نفس الاتجاه؛ فهو يقول إنه سيمدد أحكام قانون الوظائف وخفض الضرائب لعام 2017 التي سينتهي سريانها قريباً، وإنه فكر في بعض الأحيان في تخفيض معدل ضريبة الشركات مرة أخرى من 21% إلى 15%.
وتذكّروا أن مُعدّي القانون تعمدوا تعقيد الأمور لتجنّب الاعتراف بتكاليفه الحقيقية (ومن هنا جاءت أحكام انتهاء السريان). سيكلّف تمديد هذه الأحكام بالكامل نحو 3.8 تريليون دولار بحلول عام 2033. كما أن تخفيض معدل ضريبة الشركات إلى 15% قد يكلف الميزانية حوالي نصف تريليون دولار إضافية خلال هذه الفترة.
لا تزال خطط ترمب لتخفيض الضرائب مرة أخرى غامضة إلى حد ما. فقد قال في تجمع حاشد يوم السبت الماضي: “سأعطيكم تخفيضاً ضريبياً كبيراً للطبقة الوسطى، والطبقة العليا، والطبقة الدنيا وطبقة رجال الأعمال”. ولكن الانضباط المالي لا يبدو أنه أولوية حاكمة. ويمكن القول ونحن مطمئنون ونخاطر بتكرار كلامنا بأن هذه السياسات ستساهم هي الأخرى في ارتفاع الأسعار.
رغم ذلك، هناك بعض التحفّظات. لأن ترمب لا يعني دائماً ما يقول. ويندر أن يحصل على ما يريد من مرؤوسيه. لذلك فإن العديد من هذه السياسات قد لا يتم تنفيذها أبداً، أو قد يتم تحييدها جزئياً من قبل الاحتياطي الفيدرالي، إذا تم تنفيذها.
ولكن ما هي النتيجة التي تنتظرها -مع ثبات جميع العوامل الأخرى- من رفع الرسوم الجمركية إلى أعلى كثيراً من المستوى الحالي، ومن تسييس البنك المركزي، ومن تعمد إضعاف قيمة العملة، ومن زيادة الاقتراض العام زيادة هائلة، في وقت يشهد تضخماً مرتفعاً بالفعل؟ من الأفضل ألا نعرف.