حماس

استضافة حماس في تركيا: أبعادها الجيوسياسية وتأثيراتها على العلاقات مع الغرب

من المتوقع أن تظل هذه التوترات تؤثر على علاقات تركيا، بقيادة أردوغان، مع الولايات المتحدة وإسرائيل. إذ يسعى أردوغان من خلال هذه السياسات إلى كسب تأييد القوى الإسلامية السياسية والناخبين الذين يشعرون بتعاطف مع القضية الفلسطينية في تركيا.

منذ أكثر من عقدين من الزمن، أصبحت تركيا تحت قيادة حزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لاعبًا إقليميًا بارزًا في الشرق الأوسط. وقد اتخذت سياستها الخارجية منحى أكثر استقلالية عن الغرب، حيث تبنت مواقف داعمة للقضية الفلسطينية بشكل علني. من أبرز هذه السياسات هو استضافة تركيا قادة حركة حماس الفلسطينية على أراضيها، وهو ما أثار استياء الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتين تعتبران الحركة منظمة إرهابية.

حماس والعلاقات مع تركيا

تعتبر إسرائيل والعديد من الدول الغربية حركة حماس كيانًا إرهابيًا، بينما أقامت تركيا علاقات وثيقة مع هذه الحركة. ومنذ عام 2010، أظهرت تركيا دعمًا واضحًا لحماس، حيث وفرت ملاذًا لبعض قادتها الذين اضطروا للفرار من الضغوط الإقليمية والدولية.

أردوغان نفسه صرح مرارًا وتكرارًا عن دعمه الحقوق الفلسطينية، وأدان السياسات الإسرائيلية، مما دفعه إلى تبني نهج داعم لحماس في القضية الفلسطينية. في هذا السياق، منح بعض قادة حماس حرية التنقل والإقامة في تركيا، وهو ما عزز علاقات تركيا بالحركة.

تعتبر الولايات المتحدة وإسرائيل أنَّ دعم تركيا لحماس يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الإقليمي والدولي. وبالتالي، لا يقتصر خلاف تركيا مع هاتين الدولتين على الموقف السياسي فحسب، بل يمتد أيضًا إلى القضايا الأمنية.

ترى الولايات المتحدة أنَّ استضافة تركيا قادة حماس أمر يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة والقوانين الدولية التي تحظر دعم الحركات الإرهابية. من جانبها، تعتبر إسرائيل أنَّ الدعم التركي يعزز قوة حماس في قطاع غزة، مما يزيد من خطر الهجمات على الأراضي الإسرائيلية.

في السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات بين تركيا وإسرائيل تدهورًا ملحوظًا بسبب دعم أنقرة لحماس، بالإضافة إلى تصاعد الخلافات حول قضايا أخرى، مثل السياسة السورية. ففي عام 2011، تسبب حادث “أسطول مرمرة” في أزمة دبلوماسية بين تركيا وإسرائيل، حيث قُتل تسعة نشطاء أتراك كانوا يحاولون كسر الحصار المفروض على غزة. وبالرغم من محاولات إعادة العلاقات، استمرت الخلافات بسبب مواقف تركيا المتشددة تجاه إسرائيل، وأبرزها دعمها حماس.

التأثيرات على العلاقات التركية الأميركية

بالرغم من نفي وزارة الخارجية التركية في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) صحة الادعاءات التي تفيد بنقل حركة حماس مكتبها السياسي إلى تركيا، حيث نقلت وكالة الأناضول عن مصادر رسمية قولها: “الادعاءات بشأن نقل مكتب حماس السياسي إلى تركيا لا تعكس الحقيقة”، إلا أن الولايات المتحدة شككت في رواية أنقرة وحذرتها من التعامل مع قادة حماس.

اقرأ أيضا| فشل حماس ونجاح حزب الله في التفاوض

في هذا السياق، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر في اليوم ذاته: “نود أن نوضح للحكومة التركية، كما فعلنا مع جميع دول العالم، أنه لم يعد من الممكن التعامل مع حماس وكأن شيئًا لم يحدث”.

بالرغم من أنَّ تركيا عضو في حلف الناتو، فقد سعت إلى توسيع علاقاتها مع دول إقليمية ودولية خارج إطار الحلف، لا سيما روسيا في مجالات الطاقة والتجارة، وهو ما أثار استياء واشنطن. إنَّ استضافة تركيا لقادة حماس وتقديمها لمأوى لهم يضعها في موقف متناقض أمام حلفائها الغربيين الذين يطالبونها بتعديل سياستها تجاه الحركة الفلسطينية.

التحديات المستقبلية لتركيا

إنَّ استمرار تركيا في استضافة قادة حماس يعكس تحولًا كبيرًا في سياستها الخارجية، حيث تسعى لأن تكون قوة إقليمية تلعب دورًا محوريًا في تحديد معادلات القوة في منطقة الشرق الأوسط.

ومع ذلك، يضعها هذا النهج في مواجهة مع بعض حلفائها التقليديين، مما يعقِّد موقفها في القضايا الإقليمية والصراع الجيوسياسي في المنطقة.

من المتوقع أن تظل هذه التوترات تؤثر على علاقات تركيا، بقيادة أردوغان، مع الولايات المتحدة وإسرائيل. إذ يسعى أردوغان من خلال هذه السياسات إلى كسب تأييد القوى الإسلامية السياسية والناخبين الذين يشعرون بتعاطف مع القضية الفلسطينية في تركيا، بهدف تعزيز استمراريته في السلطة. لكن هذا التوجه يأتي على حساب علاقات تركيا مع القوى الغربية.

الخلاصة

إنَّ استضافة تركيا قادة حماس تضعها في صراع مستمر مع الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتين تعتبران الحركة تهديدًا مباشرًا لأمنهما.

وبالرغم من الضغوط الدولية، تتمسك تركيا بمواقفها في دعم حركات مثل حماس، مما يضعها في موقف حساس على الصعيدين الإقليمي والدولي.

لكن، ما الذي ستجنيه تركيا من وجود قادة حماس على أراضيها، في وقتٍ لا يرغب فيه المسؤولون الأتراك أن تكون هذه الورقة السياسية عبئًا عليهم، بدلاً من أن تكون رصيدًا يمكن استخدامه في التفاوض، والسعي للجلوس إلى طاولة الحوار، لتصبح تركيا وجهة للزيارات المختلفة المتعلقة بموضوع التهدئة. يبقى أن نرى كيف سيتمكن أردوغان من إيجاد توازن بين مصالحه الحزبية وتحديات التحالفات التركية والدولية في منطقة تشهد تحولات جيوسياسية متسارعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى