لبنان

استباحة السيادة اللبنانية

بعد نصف قرن، كأن التاريخ يعيد نفسه: عمليات في الجنوب الذي تحوَّل في بعض مناطقه إلى «حماس لاند»، و«الجهاد الإسلامي لاند» بالإضافة إلى عمليات للجماعة الإسلامية. ظهور مسلَّح في بيروت لحركة «حماس».

هل لبنان في الـ2024 أو في الـ1974؟ لماذا 1974 بالذات؟ ولماذا المقارنة؟

المقارنة يمكن إدراجها تحت عنوان «عودة لبنان الرصيف». في العام 1974، كان يندر أن يمر يوم من دون مظاهر مسلحة في المخيمات الفلسطينية أو عملية عسكرية في الجنوب في ما كان يُعرَف بـ«فتح لاند»، أو في ظهور مسلَّح في مهرجان أو تشييع، وكان هذا الظهور يقوم به خصوصاً «الكفاح المسلح الفلسطيني». هذه الإستباحة وهذا الفلتان، أوصلا لبنان، بعد سنة تقريباً، إلى انفجار الحرب في لبنان، كانت «التحمية» في أحداث صيدا، إثر مقتل معروف سعد، وكان الانفجار الكبير في عين الرمانة في نيسان 1975، إثر حادثة البوسطة.

بعد نصف قرن، كأن التاريخ يعيد نفسه: عمليات في الجنوب الذي تحوَّل في بعض مناطقه إلى «حماس لاند»، و«الجهاد الإسلامي لاند» بالإضافة إلى عمليات للجماعة الإسلامية. ظهور مسلَّح في بيروت لحركة «حماس»، وكذلك لـ»الجماعة الإسلامية»، وهذا ما بدا أخيراً في منطقة الطريق الجديدة. الإستباحة العسكرية توازيها استباحة سياسية تتوسَّع دائرتها، أحدث هذه الاستباحة ما كُشِف عن اجتماع الأسبوع الفائت في بيروت بين قيادات من فصائل فلسطينية أبرزها حركة «حماس» و»الجهاد الإسلامي» والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والحوثيين، لمناقشة «آليات تنسيق أعمال المقاومة» ضد إسرائيل في ظل حرب غزة.

وكالة الصحافة الفرنسية التي كشفت عن الاجتماع، نقلت عن مسؤول حوثي أن الاجتماع ناقش «توسيع دائرة المواجهات ومحاصرة الكيان الإسرائيلي». الإجتماع المذكور يُرجَّح أن يكون انعقد إما في الضاحية الجنوبية لبيروت، وإما في أحد المخيمات الفلسطينية في العاصمة وضواحيها. السؤال هنا: مَن هم القياديون الذين اجتمعوا؟ هل كانوا في لبنان أم أتوا من الخارج؟ مَن هم القادة الحوثيون الذي أتوا؟ كيف دخلوا عبر مطار بيروت؟ في أي جوازات؟ هل أعطيت لهم جوازات سفر ديبلوماسية من إحدى دول الممانعة؟ أين أقاموا؟ مَن وفَّر الحماية لهم؟ هل المؤسسات العسكرية والأمنية اللبنانية أم «حزب الله»؟

هذه الأسئلة مشروعة عن مظاهر غير مشروعة، وبالتأكيد لن تكون هناك أجوبة من السلطات اللبنانية الرسمية. مسألة استباحة السيادة اللبنانية تنحدر من سنة إلى سنة، وفي كلِّ مرة يقع حادث من هذا النوع، تبدو السيادة اللبنانية في مراحل متقدمة جداً من التحلل، في ما مضى كانت تصدر أصوات اعتراضية، حتى ولو لم تكن توصِل إلى نتيجة:

منذ سنوات، وتحديداً في العام 2018، رفضت الحكومة اللبنانية عقد «المؤتمر الوطني الشعبي الفلسطيني»، المدعوم من حركة «حماس»، بالتزامن في بيروت وغزة، والذي كان سينعقد في وجه انعقاد «المجلس الوطني الفلسطيني» في رام الله.

أين لبنان اليوم، من قرار المنع عام 2018، مَن يجرؤ اليوم على منع حماس من استباحة السيادة اللبنانية؟ ومن وجوه استباحة السيادة اللبنانية أيضاً، انعقاد «لقاء المعارضة في الجزيرة العربية»، لمعارضين سعوديين، في الضاحية الجنوبية، بدعمٍ وحماية من «حزب الله»، وكانت المناسبة ذكرى إعدام رجل الدين الشيعي، نمر باقر النمر، وتسبب انعقاد المؤتمر بأزمة بين لبنان وبعض دول الخليج، خصوصاً أن أحد المشاركين في المؤتمر جهَر بأن الهدف هو «إسقاط النظام السعودي».

إستباحة إضافية من خلال مؤتمر صحافي لجمعية الوفاق البحريني، المعارض للنظام في البحرين. ردة فعل الحكومة البحرينية كانت مرتفعة اللهجة إذ تقدمت باحتجاج شديد اللهجة إلى الحكومة اللبنانية، لاستضافة العاصمة بيروت مؤتمراً صحافياً للوفاق، ما حدا بوزير الداخلية إلى إصدار قرار، بعد انعقاد المؤتمر، بترحيل أعضاء جمعية الوفاق البحرينية، لما سبّبه انعقاد المؤتمر الصحافي لجمعية الوفاق من «إساءة إلى علاقة لبنان بمملكة البحرين الشقيقة، وضرر بمصالح الدولة اللبنانية»، كما جاء في موقفه آنذاك.

اليوم، ينعقد مؤتمر في بيروت بمشاركة الحوثيين ومنظمات فلسطينية، السلطة اللبنانية «غائبة عن السمع والوعي»، ولا بيان لا من وزارة الداخلية ولا وزارة الخارجية، كأن الإستباحة باتت خبراً عادياً روتينياً كخبر حال الطقس. إنها عوارض الإنهيار الكامل والتحلل الشامل.

جان الفغالي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى