ازدواجية الموقف الأوروبي بين أوكرانيا وغزة
هنالك سبب جوهري آخر يعزز الاختلاف الأوروبي، وهو سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، القائمة على تعميق العلاقات مع دول أوروبية معينة لترتقي إلى درجة الحلفاء مثل، المجر واليونان والتشيك
كان واضحا الإجماع الأوروبي من قضية الحرب في أوكرانيا، كما كان واضحا الاختلاف الأوروبي بخصوص الحرب على غزة. وقد ظهرت هذه الخلافات على أكثر من مستوى، خاصة في الموقف من المعالجة العسكرية الإسرائيلية التي تسبب في سقوط آلاف الضحايا المدنيين، وكذلك من مسألة القضاء على حركة حماس وإبعادها عن غزة، بل ذهب الخلاف إلى أبعد من ذلك في مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، حيث إسبانيا المتحمسة للاعتراف، وألمانيا المعارضة بشدة لهذا الموضوع.
وقد شكّلت هذه الخلافات حجر عثرة أمام دور أوروبي حيوي في عملية ضبط الأوضاع، ومنعها من الانزلاقات الأمنية. كما كانت عامل شلل كبير ساهم في إخراج الفضاء الأوروبي من هذه المعادلة الإقليمية، في حين لو أرادت دول الاتحاد الأوروبي أن تمارس ضغطا على إسرائيل، فإن لديها العديد من الأوراق الثمينة والضاغطة، لكن الاتحاد ما زال يحجم عن تفعيل هذه الأوراق، والسبب في ذلك هو أن الاتحاد الأوروبي يتكون من مجموعة دول لديها مواقف متباينة، والوصول إلى خطة، كيف سيتم الضغط على إسرائيل على أرض الواقع، سواء بعقوبات اقتصادية أو دبلوماسية، يتوجب لذلك توحّد الموقف الأوروبي، في حين لدينا موقف مُساند لإسرائيل من ألمانيا، وموقف مساند لفلسطين من إسبانيا، وموقف متذبذب من فرنسا. لذلك هذه الدول وكأنها اتفقت على أن لا تتفق، وبات الآن أمامنا هذا المزيج من المواقف داخل الاتحاد الأوروبي، لكن ما سر هذا الموقف الازدواجي تجاه الحرب في غزة والحرب في أوكرانيا؟
إن طبيعة العلاقات بين دول الاتحاد الأوروبي وروسيا، قد تدهورت خلال السنوات الأخيرة، ما قبل الحرب في أوكرانيا، وبالتالي تشكّل نوع من العداء المباشر لروسيا وبوتين، وتبني مواقف مؤيدة لأوكرانيا بشكل مباشر. وساهمت رئيسة المفوضية الأوروبية المعروفة بعدائها لروسيا، بمواقفها وتأييدها للرئيس الأوكراني، وزياراتها المتبادلة ولقاءاتها معه، في التأثير على مواقف العديد من دول الاتحاد الأوروبي، وجعلتها تتبنى موقفا مؤيدا لأوكرانيا.
أما في ما يتعلق بغزة، فمن المعروف أن العديد من الدول، خاصة ألمانيا ورئيسة المفوضية الأوروبية فتؤيد بشكل كبير الجانب الإسرائيلي، ليس فقط منذ السابع من أكتوبر، ولكن حتى قبل ذلك، وفي تصريح لجوزيف بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، انتقد بشكل مباشر وعلني رئيسة المفوضية الأوروبية، وقال إن لديها مواقف شخصية مؤيدة تماما لإسرائيل. بالتالي هذا يفسر نوعا ما التباين في مواقف الاتحاد الأوروبي والازدواجية في المعايير بين المواقف إزاء أوكرانيا وإسرائيل.
أيضا هنالك سبب جوهري آخر يعزز الاختلاف الأوروبي، وهو سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، القائمة على تعميق العلاقات مع دول أوروبية معينة لترتقي إلى درجة الحلفاء مثل، المجر واليونان والتشيك، ما يجعل من المستحيل على الاتحاد الأوروبي اتخاذ موقف موحد بشأن الصراع في الشرق الأوسط، يضاف إلى كل ذلك السياسات الأمريكية التي صادرت القرارات السياسية والاقتصادية، وحتى العسكرية لدول الاتحاد الأوروبي، وكذلك دخول أحزاب اليمين المتطرف وبقوة في دائرة صنع القرار الأوروبي. طبعا العلاقات التي تربط الاتحاد الأوروبي مع إسرائيل واتفاقيات الشراكة المتقدمة، واتفاقيات التعاون في جميع المجالات والسوق الحرة والسوق الموحدة، كلها تؤكد طبيعة التعامل الأوروبي مع إسرائيل. أيضا تأثير اللوبيات المؤيدة لإسرائيل داخل الاتحاد الأوروبي وغياب المواقف الفلسطينية والعربية الواضحة المعالم.