السلطة الفلسطينية

ازدحام في طابور خلافة عباس

إن الذين يلعبون هذه اللعبة لا يعرفون شيئاً عن الشعب الفلسطيني، الذي هو من أصعب شعوب الأرض قاطبة، وحتى ياسر عرفات الذي كان يمزق نفسه في العمل، وينتقل من معركة إلى أخرى، ويخرج من مأزق ليواجه مأزقاً أصعب ليخرج منه، فقد قبله الفلسطينيون قائداً إلا أنهم اشترطوا عليه كي يكون رئيساً أن يخرج من صندوق الاقتراع، وقد فعل.

كأنَّ كلَّ شيء يتَّصل باليوم التالي على توقّف حرب غزة جرى ترتيبه، ولم يبقَ سوى إيجاد شخص يخلف الرئيس محمود عباس.

إنَّ أكثرَ المهتمين بذلك هم الأميركيون، والأقل اهتماماً هو محمود عباس، وبين الأميركيين وبينه يقف طابورٌ طويلٌ في الانتظار لعل كرة الروليت تستقر على أحدهم. والصحافة الإسرائيلية هي الممول الدائم للأسماء.

رجلٌ واحدٌ عرض نفسَه بصورة مباشرة وعلنية هو مروان البرغوثي، الذي أعلن عن عزمه الترشحَ حين استنكف عن رئاسة قائمة للمجلس التشريعي في الانتخابات التي كانت مقررة في مايو (أيار) قبل الماضي، معللاً ذلك بترشحه للرئاسة وهو في سجنه.

مروان البرغوثي المتفوق الدائم في استطلاعات الرأي التي أظهرت أنَّه الوحيد القادر على هزيمة مرشح «حماس» إسماعيل هنية، أمّا تفوقه على زميله في اللجنة المركزية الرئيس الحالي للسلطة محمود عباس، فهذا كما تشير الاستطلاعات مضمونٌ في الجيب.

غير مروان المفترض أن يتحرّر في صفقة التبادل الكبرى إذا ما اتُفق على تبييض السجون، فهنالك من يجري تداول أسمائهم ولو بصورة انتقالية، إذ لا أحد منهم يجرؤ على تحدي مروان، والترشح أمامه منافساً، فأفضلهم إن حصل على رقم 5 في المائة في الاستطلاعات فيكون متفوقاً على الآخرين ومتخلفاً كثيراً عن مروان.

الأسماء المتداولة المعلنة والمستترة تتمتَّع بمؤهلات غير فلسطينية، فهذا مَرضي عنه من الدولة الفلانية، وذاك مدعوم من الجهاز الفلاني، وذاك يبدو الأكثر استعداداً للتكيف مع أي تسوية مقترحة، وذاك يرونه قادراً على توحيد الوطن والشعب والمنظمة والسلطة، إضافة إلى قدرته على إعادة إعمار غزة وتطوير إعمار الضفة، أي أنه حاملٌ عصاً سحرية لو وضعها على كل هذه الأمور لصارت منجزة بلا عوائق.

الحالة وإن كان صنّاعها يسوقونها بوصفها ضرورة للدخول في استحقاقات اليوم التالي، فإنها اتخذت سمة كوميدية، بعد أن صدّق كل من يجري تداول اسمه على أن له فرصة، أي أنه سيكون الرئيس المقبل.

محاورو القنوات الفضائية يعدون الأمر مادة مثيرة تستقطب مشاهدين، فهم يصطادون شخصاً ما ويسألونه لو عرضوا عليك أن تكون رئيساً فهل تقبل؟

فيرسم الشخص المعني ابتسامة يحاول من خلالها أن يظهر زهداً بالرئاسة، ولكنَّه يستدرك ليقول، إذا ما دعيت إليها فمن أجل خدمة شعبنا سأدرس الأمر في حينه.

في كل الحوارات التي جرت كان المذيع وفريسته يتجنبان إيضاح من هم الذين يعرضون، وكيف يأتون بالمَعنيّ رئيساً هل بالتصويت عليه من قبل من يقترحون الأسماء؟ أم في حال عدم التوافق يلجأون إلى القرعة!

الحالة الفلسطينية كانت جدية أكثر كثيراً مما هي عليه الآن، ذلك أن ترف الخلافة بالصورة التي يجري تداولها يظهر كما لو أن الأمر لا يخص بلداً مهماً له قضية مهمة، ويخوض صراع وجود ومصير، وفلسطين كحالة يجري تجاهلها في لعبة هزلية كهذه، لأن الذين يتسلون فيها، يتصرفون مع فلسطين كما لو أنها مجرد أسماء عدة تتسابق للجلوس على مقعد، أو مجرد كتلة بشرية بمجرد أن يقال لها هذا رئيسكم فستقول آمين.

إن الذين يلعبون هذه اللعبة لا يعرفون شيئاً عن الشعب الفلسطيني، الذي هو من أصعب شعوب الأرض قاطبة، وحتى ياسر عرفات الذي كان يمزق نفسه في العمل، وينتقل من معركة إلى أخرى، ويخرج من مأزق ليواجه مأزقاً أصعب ليخرج منه، فقد قبله الفلسطينيون قائداً إلا أنهم اشترطوا عليه كي يكون رئيساً أن يخرج من صندوق الاقتراع، وقد فعل.

متى ينفضّ هذا المولد البائس؟ ومتى يكف صناع الإثارة في الفضائيات عن هوايتهم؟ لا أحد يعرف، ففي هذا الزمن الذي يستطيع فيه كل حامل موبايل أن يقترح حكومة، وأن يعين وزراء وحقائبهم ويقترح رئيساً أو رئيسة، فكل شيء جائز.

الخلاصة… الأسماء المعلنة والمستترة كثيرة، بل كثيرة جداً، وكل واحد ينتظر أن يُستدعى، والغائب الذي لا يذكره أحد هو صندوق الاقتراع.

نبيل عمرو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى