ما زالت إسرائيل مصرة على الذهاب إلى أبعد نقطة في حربها التي تهدف إلى القضاء على حركة حماس، وهو ما سيمكنها من التخلص من أحد الأذرع القوية لمحور المقاومة الذي تتبناه. ولا تزال مسألة اجتياح رفح عالقة ما بين المحاذير الأميركية والتكتيكات الحربية التي تستدعي التروي والإنذارات المصرية التي تهدد بنسف معاهدة السلام.
وكان آخر هذه الاستفزازات ما تداولته وسائل إعلام إسرائيلية من تقارير حول تنفيذ عملية للجيش الإسرائيلي في مدينة رفح واحتلال معبر المدينة، المنفذ الوحيد للقطاع على العالم الخارجي، وكذلك اعتزام تل أبيب تسليم المعبر لشركة أمنية أميركية، يعمل فيها جنود أميركيون سابقون، بعد الانتهاء من الأعمال العسكرية في المنطقة، فيما يتم حالياً التفاوض مع الشركة، التي لم تسمها، ووصفتها بأنها “خبيرة في تأمين المواقع الاستراتيجية وحقول النفط والمطارات وقواعد الجيش والمعابر الحدودية الحساسة في أفريقيا والشرق الأوسط”.
ويبدو أن إسرائيل تمارس نوعاً من المراوغة السياسية، إذ أنها لا ترغب في تضييع فرصة سانحة للقضاء على مصدر قلق منظومتها الأمنية، فتضرب بجهود الهدنة التي تسعى إليها مصر وقطر وأميركا عرض الحائط، فلا تسمع إلا لنفسها ولا تكترث إلا لمصالحها الخاصة على حساب دول الجوار.
وإذا كان لا بد من الإشراف على معبر رفح، فقد يكون من المقبول أن تشرف على المعبر سلطة أممية إلى حين تسليمه لسلطة فلسطينية، وإلا ستكون إسرائيل مسيطرة على جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية من وإلى غزة، وهذا يعني أن سكان غزة سيكونون عرضة لتقيبد دخول المساعدات وتقييد حركة الدخول إلى مصر، وهذا يعني أننا وضعنا سكان غزة في سجن كبير.
مستقبل المعبر أصبح مبهماً مع قيام إسرائيل بإنزال قوات جوية بالقرب من رفح الفلسطينية، استعداداً للهجوم عليها واجتياحها بشكل كامل، كما يبدو أنَّ الشركة التي ستدير المعبر – في حالة تنفيذ سيناريو اجتياح رفح – ستعمل بتعليمات وتوجيهات إسرائيلية صريحة وستتغاضى عن الاعتبارات الإنسانية لحقوق الأشخاص في التنقل بحرية، كما ستفرض قيوداً كثيرة على المساعدات التي تدخل القطاع.
من الناحية العملية، يشكل استمرار سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي على المعبر من الناحية الفلسطينية والامتداد غرباً ناحية المدينة، أياً تكن المزاعم التي تصدرها نخبة الحرب الإسرائيلية، سيقود إلى معضلة ذات شقين؛ أولها وقف قوافل الإغاثة، فالمعبر أصبح منطقة عمليات عسكرية وليس منطقة آمنة بأي حال يمكن أن تمر منها الشاحنات، ثم من هم الذين سيتولون تنظيم توزيع المساعدات إن دخلت في الوقت الذي تتعرض فيه المنطقة لقذائف الدبابات الإسرائيلية والاشتباكات المتكررة مع المقاومين، والمحصلة هي مزيد من المعاناة لأهل القطاع، وثانياً دمار رفح المدينة والمحور الممتد غرباً إلى البحر. هذا إلى جانب فقدان إسرائيل آخر أوراق ضغطها على المفاوضين لدفعهم لقبول كل الشروط الإسرائيلية للهدنة المقترحة بمراحلها الثلاث.
إسرائيل لن تتراجع عن تنفيذ خطتها في معبر رفح و احتلاله، ومن الواضح أن مصر سترفض ذلك بشكل قطعي، لما لذلك من ضرر عميق ومباشر على أمنها القومي، لذلك فهي ترمي بكل ثقلها على جهود الوساطة بين حماس وتل أبيب للتسوية وتحقيق هدنة في أسرع وقت ممكن، وذلك لتفادي ما يربك حدودها الشرقية ويضعها أمام خيار تعليق معاهدة السلام.
وتتذرع إسرائيل بسيناريو رفح بهدف حرمان حماس من السيطرة على المعبر الحدودي الذي يربط غزة بمصر، والتركيز على الجانب الشرقي من المدينة، لكن كل ذلك قد يؤدي بطبيعة الحال إلى انفجار هائل للأحداث بأوضاع جديدة لا ترضى إسرائيل نفسها.
ويبدو أن الحل هو أن تبتعد إسرائيل عن هذا السيناريو المظلم وتعطي الفرصة للوسطاء من أجل تسوية هدنة ترضى غرور الطرفين.