على الأرجح، لن يلقى طلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التحرك “بسرعة” لوضع حد لهجوم المعارضة السورية تجاوباً، في وقت تظهر أنقرة اللاعب الأول على الساحة السورية بعد سقوط حلب وإدلب والوصول إلى مشارف مدينة حماة.
الشرط الذي وضعه أردوغان لوقف الهجوم بات مكرراً أكثر من مرة، ألا وهو قبول الرئيس السوري بشار الأسد بالتفاوض مع المعارضة في سياق عملية سياسية تشمل تنفيذ القرار 2254، ما يلغي مفاعيل “منصة أستانا”، التي لم تعد صالحة منذ إطلاق المعارضة هجومها الواسع في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت.
ما يطالب به أردوغان هو ترجمة سياسية لإنجازات المعارضة السورية على الأرض، وبنسخة منقحة من “الربيع العربي” تقود الإسلام السياسي إلى الواجهة مجدداً، بعدما بدا في السنوات الأخيرة أن حظوظ هذا التيار بالوصول إلى السلطة قد باتت من الماضي، عندما استعادت الحكومة السورية حلب عام 2016، وقادت هجوماً تحت الغطاء الجوي الروسي والدعم البري من حلفاء إيران عام 2020، ما استدعى سفراً سريعاً لأردوغان إلى موسكو للتوقيع على تفاهمات “خفض التصعيد” ووقف النار، في مقابل تعهدات تركية بالحد من نفوذ “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً). لم تنفذ تركيا أياً من هذه التعهدات واستمرت “الهيئة” ببناء قدراتها العسكرية والتنظيمية التي ظهرت في الهجوم الذي تقوده حالياً ضد مواقع الجيش السوري.
اقرأ أيضا.. لماذا تحاول روسيا توريط دول أخرى في صراعها مع أوكرانيا؟
يبني أردوغان على الواقع المأزوم لروسيا في أوكرانيا ويراهن على أن موسكو ليس في مقدورها إرسال أي مساعدات عسكرية إلى سوريا، لا عبر البحر الأسود الذي تسيطر عليه المسيّرات الأوكرانية، ولا عبر مضيق البوسفور المغلق في وجه السفن الحربية الروسية بسبب الحرب في أوكرانيا.
والتقرير الذي نشره موقع “نافال نيوز” عن تحرك قطع من البحرية الروسية من قاعدة طرطوس، مقلق جداً في حال صحة المعلومات الواردة فيه، والتي تتحدث عن “تهديد وشيك” للقاعدة بسبب التطورات الميدانية.
في غمرة هذا الاحتدام العسكري والسياسي فوق الأراضي السورية، أعلنت موسكو أنها أجرت تدريبات تضمنت إطلاق صواريخ، من بينها أنواع فرط صوتية في شرق البحر المتوسط. هذه المناورات هي رسالة مؤداها أن روسيا لا تزال تملك ما يكفي من القوة في المنطقة للدفاع عن مصالحها.
ويوم وافق أردوغان على “خفض التصعيد” في الشمال السوري قبل أربعة أعوام، كانت فصائل المعارضة السورية المدعومة من أنقرة في حال تراجع سريعة تشبه الانهيار. الوضع اليوم مختلف. وبوتين هو الذي يبادر إلى الاتصال بأردوغان وليس العكس، ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هو الذي يبادر إلى الاتصال بنظيره التركي حقان فيدان وليس العكس.
والمندوب الروسي لدى الأمم المتحدة السفير فاسيلي نيبينزيا، أخفق في منع مدير منظمة “الخوذ البيض” السورية رائد الصالح من التحدث في جلسة لمجلس الأمن الثلاثاء. المنظمة تعمل في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة السورية. وحمل صالح بعنف على روسيا ليلاقيه في ذلك نائب المندوبة الأميركية روبرت وود.
شكل التدخل الروسي في سوريا عام 2015، “تحرراً” من عقدة أفغانستان قبل 35 عاماً، وأعاد إلى موسكو مكانتها في الشرق الأوسط وفي العالم، وبدت اللاعب الأقوى في سوريا على حساب تركيا وإيران على حد سواء.
اليوم، بوتين موضوع بين خيارات صعبة، ولن يتراجع عن الزحف إلى مدينة بوكروفسك في منطقة دونيتسك في الشرق الأوكراني، مؤمناً بأن تقدمه في أوكرانيا يوفر له “صورة النصر” التي يبحث عنها منذ 24 شباط (فبراير) 2022، ويعيد لروسيا هيبتها العالمية.
وربما أخطأ بوتين عندما استسلم لفكرة أن الجبهة السورية ستبقى خامدة في انتظار انتهاء الموسم الأوكراني. لكن نتائج الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، خلخلت التوازنات القائمة، وأعادت فتح الجرح السوري.