احتجاجات كينيا ..نحو انقلاب جديد في أفريقيا؟!
تسلط الجذور الاقتصادية للموجة الحالية من الاحتجاجات الضوء على الحاجة الملحة الجديدة لمعالجة الضائقة المالية العميقة التي تواجهها العديد من البلدان الأفريقية
أحدث وصول رئيس كينيا الحالي ويليام روتو (ويليام روتو) إلى منصب الرئاسة في منتصف سبتمبر 2022 تغييرًا كبيرًا في السياسة الخارجية لهذه الدولة الواقعة في شرق إفريقيا تميز بالتوجه نحو تقوية العلاقات مع الغرب على حساب الصينيين الذين تمكنوا في عهد الرئيس السابق أوهورو كينياتا من تقوية نفوذهم السياسي والاقتصادي. لكن وبدلاً من أن تساهم استثمارات الصين في تغيير الوضع نحو الأحسن، كبَّلت القروض ذات أسعار الفائدة المرتفعة اقتصاد البلاد وأضحت كينيا تعيش على وقع وضع سياسي واجتماعي مضطرب كنتيجة منطقية لارتدادات الوضع الاقتصادي السيئ. دفعت هذه الحالة بحكومة الرئيس روتو إلى خيار الاستدانة من صندوق النقد الدولي والذي بدوره زاد الأمور تعقيدًا إلى أن وصلت إلى الاحتجاجات المطالبة بتنحيته والتي شهدتها كينيا في الأيام القليلة الماضية.
اقتحم الشباب الغاضب، المعروفون باسم “الجيل Z”، شوارع نيروبي خلال الأسبوعيين الماضيين احتجاجًا على مقترح الميزانية الجديد الذي يفرض ضرائب على السلع اليومية. ينتمي المتظاهرون، والعديد منهم في العشرينيات من العمر، إلى الجيل Z ويطالب قادة هذا التنظيم باستقالة الرئيس ويليام روتو. والإلغاء الكامل لما يقولون إنها خططه الضريبية المدمرة.
يبلغ الدين الوطني لكينيا نحو 80 مليار دولار، أي نحو ثلاثة أرباع ناتجها الاقتصادي السنوي، ويذهب 65% من إيراداتها السنوية لسداد ديون البلاد. وأجبر هذا الدين الضخم حكومة روتو إلى خفض العديد من الإعانات خاصة تلك المتعلقة بالوقود. وتلا ذلك تدابير أخرى لزيادة الإيرادات في عام 2023، بما في ذلك زيادة بنسبة 5% في ضريبة الدخل لأصحاب الدخل المرتفع وضريبة الإسكان بنسبة 3% والتي تم جمعها من كل من الموظفين من الطبقة المتوسطة. اندرجت معظم هذه السياسات ضمن مجموعة من الإصلاحات والشروط القاسية التي وافقت كينيا على تنفيذها مع صندوق النقد الدولي مقابل الحصول على قروض جديدة.
ويُنظر إلى هذه الزيادات الضريبية على أنها إملاءات من جانب الغرب. بالنسبة لجيل الشباب، تتحمل السفارة الأميركية أيضًا نصيبًا كبيرًا من اللوم في هذا الأمر لأنها أشادت سفيرتها ميج ويتمان بالقانون الجديد قبل بضعة أيام، لكن غضب المتظاهرين ليس موجهًا ضد الحكومة الأمريكية فقط، إذ يتعرض صندوق النقد الدولي في واشنطن لانتقادات بسبب حثه الحكومة الكينية على زيادة الإيرادات الحكومية مقابل إنفاق أقل على الخدمات وبنية التحتية والدعم الاجتماعي.
وعلى نطاق أوسع، تسلط الجذور الاقتصادية للموجة الحالية من الاحتجاجات الضوء على الحاجة الملحة الجديدة لمعالجة الضائقة المالية العميقة التي تواجهها العديد من البلدان الأفريقية. وبالرغم من أن القارة السمراء كافحت أكثر من معظم أجزاء العالم الأخرى للاستجابة للصدمات الاقتصادية التي صاحبت جائحة كوفيد-19 والغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، فإن أداء كينيا أفضل من معظم بلدان القارة. يبلغ معدل التضخم السنوي أقل بقليل من 5%، مقارنة بالمتوسط على مستوى القارة البالغ 15.7% في نهاية عام 2023. وقد تم إدراج ما يصل إلى 22 دولة أفريقية على أنها تواجه ضائقة الديون، لكن كينيا، التي بدت معرضة للخطر بشكل خاص في البداية، تمكنت من تسوية دفعة سندات اليورو المستحقة بحلول نهاية يونيو.