السودان

اجتماع أديس أبابا .. فشل جديد!

تعدد مبادرات الحلول الإقليمية والدولية للأزمة في السودان (جدة - القاهرة - جنيف - أديس أبابا) يعكس عمق الأزمة، من ناحية، كما يعكس تدخل بعض الأطراف الإقليمية والدولية في هذه الحرب من ناحية أخرى.

لا تعكس مشاركة بعض القوى السياسية السودانية مؤخرا في الاجتماع الذي نظمته «الآلية الإفريقية» رفيعة المستوى المعنية بالسودان، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا خلال الفترة من 10 إلى 15 يوليو الحالي. اختبارا حقيقيا من تلك القوى لجدوى البحث عن وقف الحرب في السودان، لاسيما وأن الاجتماع أعطى أولويةً للحل السياسي، كما أن الكتل التمثيلية المتعددة التي شاركت في الاجتماع لا تعبر كلها عن كيانات سياسية حقيقية ووازنة، ولعل في إدانة البيان الختامي للاجتماع؛ انتهاكات أحد طرفي الحرب (قوات الدعم السريع) دون إدانة الطرف الآخر (الجيش السوداني) ما يكفي لمعرفة توجهات المجتمعين في أديس أبابا لناحية اصطفافهم لجانب الجيش، خلافاً لإدانات تقارير المنظمات الحقوقية والمنظمة الدولية التي كانت واضحة في إدانتها طرفي الحرب لممارستهما انتهاكات ضد حقوق المواطنين، كما أن العقوبات الدولية التي صدرت عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي شملت أشخاصا وشركات من طرفي الحرب.

لذلك كانت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) – إلى جانب قوى سياسية أخرى – واضحة في موقفها الرافض للمشاركة في اجتماع أديس أبابا نظراً لأن منظمي الاجتماع (الاتحاد الإفريقي) لم يكشف لـ«تقدم» عن هوية المشاركين، فيما كانت تصريحات بعض رموز المؤتمر الوطني المحلول (عناصر نظام البشير) كشفت عن دعوة حزب المؤتمر الوطني للمشاركة في الاجتماع، وكان ذلك بذاته كافيا لرفض تنسيقية (تقدم)، كما كان واضحا محاولات إعادة إنتاج رديئة لممارسات سياسوية سابقة – قبل الحرب – بهدف إغراق الحل السياسي بواجهات للنظام القديم، هذا إلى جانب تجاوز المجتمعين في أديس أبابا للجند الأول المفترض لأي اجتماع للقوى السياسية (وقف الحرب) – كما حدث في مؤتمر القاهرة – قبل الخوض في نقاش أوضاع العملية السياسية لما بعد الحرب.

لقد كشفت نية عدم الخوض في الجند الأساسي (وقف الحرب) من قبل المجتمعين في أديس أبابا عن محاولة مكشوفة للتغطية على جهات سياسية شاركت في الاجتماع فيما هي لا تزال منخرطة في الحرب بالاصطفاف إلى جانب الجيش!

كل هذه المعطيات تمنح التبرير الكافي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) وقوى سياسية أخرى (حزب البعث العربي – الحركة الشعبية – وحركة جيش تحرير السودان) كي تنأى عن المشاركة في هذا الاجتماع، وكان لمقاطعة اجتماع المؤتمر من طرف القوى المشار إليها آنفاً أثر في المحاولة الخادعة التي أراد بها المجتمعون في إديس أبابا – لاحقا – الإيحاء بأنهم قرروا عدم إشراك المؤتمر الوطني (حزب نظام البشير) في المرحلة السياسية المقبلة – بعد الحرب – لكن بعبارات ذات مبادئ عامة فضفاضة .

إن تعدد مبادرات الحلول الإقليمية والدولية للأزمة في السودان (جدة – القاهرة – جنيف – أديس أبابا) يعكس عمق الأزمة، من ناحية، كما يعكس تدخل بعض الأطراف الإقليمية والدولية في هذه الحرب من ناحية أخرى.

فالتدخل الإقليمي والدولي نشأ بالأساس من آثار ممارسات السياسة الخارجية المعطوبة لنظام المؤتمر الوطني ومجازفاته على مدى ٣٠ عاماً، وهي تدخلات استدعاها العبث والتخريب في ملفات كحرب الجنوب – قبل انفصاله – وحرب دارفور ٢٠٠٣ إلى جانب ملفات الإرهاب الدولي وعناصره التي استضافها في التسعينيات مما أدى إلى وضع نظام المؤتمر الوطني في قائمة الدول الراعية للإرهاب. لذا لا يمكننا اليوم بعد الثورة والحرب في السودان؛ فصل التدخل الدولي عن علاقاته القديمة بتاريخ السياسات الخارجية المعطوبة لنظام المؤتمر الوطني على مدى 30 عاماً. ومع ذلك يعتمد نجاح المبادرات الإقليمية والدولية لحل مشكلة الحرب في السودان على أمرين؛ الأول اضطلاع القوى السياسية السودانية جميعاً بواجبها حيال تحدي الاصطفاف وقف الحرب في جبهة واحدة (وهذا متوفر جزئيا في تنسيقية تقدم) لكنه غير كاف حتى الآن، والثاني؛ توافق الأطراف الدولية والإقليمية على وقف الحرب خشية من وصول انفجار الحرب الأهلية إلى نقطة اللاعودة.

هناك اتجاه إقليمي ودولي واضح لوقف الحرب في السودان، لاسيما بعد مؤتمر القاهرة للقوى المدنية والسياسية السودانية الذي انعقد في 6 يوليو الجاري وما تلاه من حراك إقليمي نشط؛ كزيارة كل من نائب وزير الخارجية السعودية، ورئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد إلى بورتسودان، ولا شك أن في ذلك ما ينبئ بتطورات إيجابية محتملة قد تساعد في وقف الحرب والتهيئة لمرحلة سياسية جديدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى