إيران والخيار النووي الآخر
منذ أعوام، والبعض يعد أن الاتفاق النووي الذي أتى به الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما خلال عام 2015 إنما هو خطة خمينية للمناورة على مراكز القرار في واشنطن وإقناعها بأن التصنيع الإيراني هو الذي سينتج القنبلة النووية، بالتالي فإن المفاوضات الدبلوماسية الغربية - الإيرانية ليست الوسيلة الأفضل لوقف إنتاج وتصنيع تلك القنبلة الذرية المفترضة
بينما ينقسم العالم في شأن طريقة معالجة البرنامج النووي الإيراني، وبين ما يريد العالم الحر وعلى رأسه الولايات المتحدة من خيارات إما دبلوماسية أم عسكرية أو ما بين الاثنين، بدأت احتمالات أخرى تبرز لأن “النظام الخميني” في طهران قد يكون لديه خيار آخر لم يفصح عنه منذ أعوام وهو من أخطر الخيارات الممكنة على منطقة الشرق الأوسط والعالم. وقد يكون هذا الخيار غير معروف حتى لدى كثيرين ضمن النظام الإيراني نفسه، لأنه قد يكون الخيار الأخير. وربما أن هذا الخيار كان وضع من قبل مهندسي النظام منذ عامي 2000 و2001، بعدما دخلت الولايات المتحدة وقوات الناتو أفغانستان إثر ضربات الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001، وتالياً غزو العراق خلال عام 2003.
وقد يكون حماة هذا الخيار في قلب الدوائر الاستخباراتية والعسكرية القومية للجمهورية الإسلامية في قيادة رأس “النظام الخميني” وليس بالضرورة معروفاً من قبل سائر أجهزة النظام الإدارية والاقتصادية، وحتى من معظم الأجهزة الدفاعية الإيرانية. طبعاً هذا الموضوع يبقى نظرياً حتى الساعة لدى من يعده قائماً، إذ ما من وثائق حسمت وجوده. لكن تحركات النظام وبعض المعلومات وبعض التحليلات تدل على أن النظام هيأ لنفسه خياراً آخر ليس ظاهراً وهو خيار امتلاك سلاح نووي صغير (Tactical Nuke) قادر على إنتاج قوة ردع لدى القيادة الإيرانية في حالتي سقوط النظام أو قبل سقوطه.
وقد يكون ذلك شبيهاً بالأسلحة الفتاكة التي كان النظام النازي خلال الحرب العالمية الثانية ينتجها بتوجيه من قائد الرايخ الثالث عندما بدأت الجبهات تتساقط أمام الجيوش السوفياتية من ناحية، وأمام قوات الحلفاء بعد الانتكاسات في شمال أفريقيا وجنوب إيطاليا، والإنزالات في غرب أوروبا. ومن بين تلك الأسلحة الفتاكة النازية كانت صواريخ معروفة بـ”في 1″ (V1) و”في 2″ (V2).
وطبعاً كان هنالك توجه من وقتها لاكتشاف وتصنيع استعمال قنبلة ذرية لو لم يخسر النازيون الحرب، واقتبس خططها الأميركيون في نهاية الحرب.
بالمقارنة، إن كان الملف النووي الإيراني اعتبر مرتبطاً بتخصيب وتصنيع اليورانيوم داخل إيران وذلك منذ أعوام، والبعض يعد أن الاتفاق النووي الذي أتى به الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما خلال عام 2015 إنما هو خطة خمينية للمناورة على مراكز القرار في واشنطن وإقناعها بأن التصنيع الإيراني هو الذي سينتج القنبلة النووية، بالتالي فإن المفاوضات الدبلوماسية الغربية – الإيرانية ليست الوسيلة الأفضل لوقف إنتاج وتصنيع تلك القنبلة الذرية المفترضة.
ومر عقد كامل على هذا المنطق، إذ وقعت طهران على وثائق متعددة تقنع العالم عبرها أن سلاحها المنتظر إنما هو من صناعتها، وهو مرتبط بقرار عندها مبني على مدى التراجع الغربي عن الضغط على النظام وتحويل مليارات الدولارات إلى أرباب هذا النظام في طهران.
واستمر التعاطي بين إيران وشركائها في الاتفاق النووي على أساس أن تحصل هي على 150 مليار دولار وربما صفقات أصغر حجماً موزعة في العراق وسوريا ولبنان والحدود اللبنانية – الإسرائيلية، ورعاية مصالحها مع الصين وروسيا والغرب في آن.
وانشغل المجتمع الدولي والهيئات التي تراقب التخصيب لأعوام عدة بالاتفاق النووي إلى أن انسحبت منه إدارة ترمب.
وكانت المنطقة العربية والشرق أوسطية بما فيها التحالف العربي وإسرائيل وغيرها نظروا إلى نية ضبط أم عدم ضبط البرنامج النووي الإيراني المنتظر، وراقبوا ما إذا كانت قدراته ستكتمل في إنتاج قنبلة نووية. لكن ذلك أدى إلى تعزيز قدرات النظام من قبل الغرب الذي حول لإيران مليارات الدولارات من ناحية، وأتاح للكتلة الشرقية من روسيا والصين وحتى كوريا الشمالية توفير القدرات التكنولوجية للجمهورية الإسلامية.
ولكن كما قلنا في البداية، هناك نظريه أخرى قد تكون الأخطر في كل هذه اللعبة على أخصامها الغربيين وإلى حد ما مع حلفائها الشرقيين ولكن هذه النظرية تعد أن لإيران قدرات وشبكات تدعمها على هذا الصعيد.
يبقى السؤال، هل تقدم قيادة الجمهورية الإسلامية على هكذا خطوة؟ هل سيقبل حلفاؤها؟ وأخصامها؟ كيف ستنشرها وكيف قد تستعملها وتعلن عنها؟ ومئة سؤال آخر. الأجوبة في المقال المقبل.